لا تحبذ دولة الإمارات العربية المتحدة التحدث عن اقتصادها المتدهور، إذ تعاني إمارة دبي الثرية، على وجه الخصوص، من المتاعب. ففي عام 2018، انخفضت أسعار الشقق الفارهة في منطقة مساكن شاطىء جميرة الفخمة بنسبة 15% عن العام الماضي، في مؤشرٍ واضحٍ على الركود.
كما تراجع سوق الأوراق المالية في البلاد بنسبة 13%. ولكن ربما تكون الحقيقة الأكثر دلالة هي أن دبي لم تصدر سوى 4722 رخصة تجارية جديدة في الربع الثاني من عام 2018، وهو أقل بكثير من 25% عما كان عليه الوضع قبل عامين، عندما كانت التراخيص الجديدة في أعلى مستوياتها على الإطلاق.
وعليه، يقول المسؤولون الإماراتيون إن الركود مؤقت وأن الاقتصاد سيتعافى بمجرد ارتفاع أسعار النفط، إلا أن بعض الخبراء يتوقعون تراجعاً على المدى الطويل، إذ يشيرون إلى أنه في حين كان من المتوقع أن يزيد عدد سكان دبي إلى أكثر من 3 ملايين نسمة هذا العام، إلا أن معظم القادمين الجدد كانوا من العمال منخفضي الأجر في قطاعات البناء أو الخدمات.
فقد قال حسنين مالك، الرئيس العالمي لأبحاث الأسهم والاستراتيجية لدى إكسوتكس كابيتال ومقرها دبي، إنه من الواضح أن صناعات النقل ومناطق الأعمال في دبي لا تجتذب أو تحتفظ بما يكفي من العمال الأجانب في الوظائف الإدارية لدعم سوق العقارات.
وعلاوةً على ذلك، فإن حقيقة أن 90% من سكان دبي من الأجانب هي أيضاً مثيرةٌ للقلق، لأن فقدان الوظائف، في كثيرٍ من القطاعات، يعني غالباً مغادرة البلاد. فقد أدى الارتفاع الشديد في عدد الأشخاص الذين يغادرون البلاد إلى التأثير بشكلٍ كبير على القطاع العقاري. ومع توفر أعداد هائلة من المنازل، ومع انخفاض الطلب، انخفضت أسعار العقارات إلى حدٍ كبير.
كما تعمد شركات التجزئة في دبي إلى تسريح عمالها لتجنب خروجها من سوق العمل. السبب واضح: أعداد أقل من الناس باتوا يتسوقون في المدينة، وحتى أولئك الذين يفعلون، باتوا أكثر حرصاً فيما يتعلق بما ينفقون مما كان الحال عليه في السنوات السابقة. كما تعاني السياحة من مشاكل أيضاً بسبب فائض الفنادق.
وقال مالك فندق هندي لصحيفة آسيا تايمز: “أصحبت المنافسة الآن شديدة، بل إن بعض الفنادق تتقاضى أقل مما هو مطلوب لضمان استمرارها لمجرد البقاء ضمن المنافسة.”
ولم يكشف أيٌ ممن تحدثوا إلى صحيفة آسيا تايمز عن أسمائهم الكاملة، مما يُشير إلى انعدام الحرية في الإمارة والحساسية التي تحيط بمشكلة الاقتصاد.
ومع ذلك، اشتكى غالبيتهم من انخفاض الإجور وارتفاع الأسعار، الذي يرجع إلى ضريبة القيمة المضافة البالغة 5% والتي تم فرضها في أوائل عام 2018. وقبل سنتين، تم فرض رسومٍ للبلدية بنسبة 3% وضريبة الفنادق على السياح بنسبة 10%. ضاعفت هذه الضرائب من التحديات التي يواجهها عمّال الأجور المنخفضة.
وقال سائق سيارة أجرة يدعى كاسير لصحيفة آسيا تايمز: “قالوا إنك إذا ما جئت إلى هنا ستجني الكثير من المال. ولكن هذا ليس صحيح. الحياة صعبة، تعمل طوال الوقت وبعد ذلك في النهاية، وبعد أن تنفق المال على الإيجار، والطعام، والوقود وتعطي شركة سيارات الأجرة حصتها، لا يتبقى لك شيء.”
بينما يُجادل الدكتور عبد الخالق عبد الله، وهو أستاذ بارز في العلوم السياسية من دبي، إن الركود الاقتصادي مبالغ فيه، إذ أشار إلى أن الإمارة تمتلك واحداً من أكثر الاقتصادات تنوعاً ونضجاً في المنطقة. فقد قال لنا في فَنَك أن اقتصاد دبي ينافس اقتصادات نيويورك ولندن، وأن أي ركودٍ ما هو إلا جزءٌ من دورة طبيعية لأي اقتصادٍ نابض بالحياة.
وقال الدكتور عبد الله: “هناك تراجعٌ في الاقتصاد الآن، لكني لا أعتقد أنه يستحق الكثير من القلق.” وأضاف “يرجع هذا التراجع إلى المبادىء الاقتصادية العادية والتوترات الإقليمية والحرب.”
ومع ذلك تحاول الإمارات تخفيف حدة المشكلة، ففي 27 نوفمبر، أعلنت أبو ظبي إيقاف رسوم الترخيص الاقتصادي لمدة عامين، والتخلي عن فرض رسوم البلدية على 75 خدمة وتخفيض الرسوم الأخرى بنسبة 10 إلى 15%. خفض الرسوم هذا مطبقٌ فقط على الأعمال التجارية الشركاتية، وتم تفعيله في الأول من ديسمبر.
وفي حين ينبغي أن تستفيد الشركات في أبو ظبي من هذه الخطوة، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تتعافى دبي بشكلٍ أسرع بحلول العام المقبل، أي في الوقت المناسب حيث ستستضيف المدينة معرض إكسبو 2020، تماماً كما يتوقع الدكتور عبد الله.
الوقت وحده كفيلٌ بإثبات ذلك، ولكن وفقاً لتدابير الإمارات العربية المتحدة الخاصة، اتخذت البلاد خطواتٍ جذرية لمحاولة إعادة إحياء الاقتصاد. ففي مايو 2018، سمحت للأجانب بتملّك الأعمال التجارية الخاصة بهم في دبي أو أبو ظبي دون وجود شريكٍ محلي. كما بات بعض المهنيين الأجانب مؤهلون الآن للحصول على تصريح إقامة لمدة 10 سنوات، الأمر الذي لم يكن ممكناً من قبل. ويقول الخبراء إن هذا القرار جزءٌ من تحول أوسعٍ في مجلس التعاون الخليجي للابتعاد عن الاعتماد على الوقود.
فقد قال خاتيجا هاك، رئيس أبحاث منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في بنك الإمارات دبي الوطني، أكبر بنك في دبي: “يجب أن تواكب الإمارات العربية المتحدة التغييرات أو تحافظ على تقدمها إن لم ترغب في أن تفقد ميزتها التنافسية.” وأضاف “عندما كان سعر النفط 100 دولار للبرميل لعدة سنوات لم تكن هناك حاجة كبيرة لجذب الاستثمار الأجنبي. من الواضح أن هذا قد تغير.”
في عام 2017، حققت الإمارات أكثر من 10 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهي أعلى نسبة في أي بلدٍ عربي. ومع ذلك، يدرك حكام الإمارات أن هناك حاجة لمزيد من الاستثمارات للتعويض عن انخفاض أسعار النفط، ولهذا السبب تم إنشاء وحدة خاصة في وزارة الاقتصاد. تم تأسيس الوحدة بموجب مرسوم رئاسي وتم تكليفها باستقطاب المستثمرين الأجانب، فقد أمرت بالفعل بالتعامل مع الشركات الأجنبية كشركاتٍ وطنية، على أمل الحد بشكلٍ كبير من عبء الروتين الحكومي.
وتوقع أحد المطورين في الإمارات، الذي أخبر بلومبرغ أنه ينتظر تحسن السوق قبل البدء في مشروع بقيمة 4 مليارات دولار في البلاد، أن الاقتصاد سيتدهور لبضع سنواتٍ أخرى على الرغم من محاولات المسؤولين الإماراتيين تحسين الاقتصاد على وجه السرعة.
وقال وليد الزعابي، رئيس مجلس إدارة مجموعة تايجر، “الحكومة على دراية بالتحديات والحكام يضعون الأولوية للتنمية الاقتصادية.” وأضاف “هذا أمر إيجابي. لكن الإيجارات انخفضت بنسبة 30% منذ عام 2016 وسيستغرق الأمر عامين أو ثلاثة قبل أن ترتفع الأسعار.”
وأضاف الزعابي أن إحدى الإستراتيجيات التي يمكن للإمارات اعتمادها هي توفير الإقامة الدائمة للمشترين العرب الذين جاءوا إلى الإمارات العربية المتحدة من دولٍ قمعية أو ممزقة سياسياً مثل العراق وسوريا ومصر. وشدد على أن العشرات من الموظفين غادروا شركته في السنوات الأخيرة للذهاب إلى ألمانيا أو كندا، على الرغم من قبولهم برواتب منخفضة للغاية. وقال في هذا الصدد، “من المفيد أن تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة بدراسة قوانين الهجرة هذه،” وتابع القول “ينتقل بعض المختصين العرب من الطبقة الوسطى إلى الدول التي تقتطع نصف رواتبهم تقريباً مقابل الضرائب والتعليم والرعاية الصحية وللحصول على المواطنة. يفضل الكثيرون البقاء هنا.”