بعد أقل من شهرين من توليه منصبه يواجه رئيس الوزراء السوداني الجديد عبد الله حمدوك تحديات هائلة في سعيه لإخراج البلاد من ثلاثين عامًا من الركود الاقتصادي والفوضى السياسية والحرب الأهلية المدمرة والفساد المريع.
اختير عبد الله حمدوك، 63 عامًا، رئيسا للوزراء من قبل تجمع المهنيين السودانيين، وهي تحالف جامع يضم 17 نقابة مهنية قادت الاحتجاجات التي بدأت في السودان في ديسمبر الماضي وانتهت بالإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019.
ومما يعقد مهمة الدكتور عبد الله حمدوك انه يقود سلطة سياسية قائمة على اتفاق غامض وهش لاقتسام السلطة بين الحكومة المدنية وجنرالات الجيش الذين ادعوا انهم انحازوا للانتفاضة الشعبية ضد قائدهم السابق الرئيس البشير.
على الرغم من أن المجلس السيادي الحاكم بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان يتألف من خمس جنرالات وستة مدنيين، إلا أن الأجهزة العسكرية والأمنية لا تزال تسيطر بشكل مباشر أو مستتر على جزء كبير من الاقتصاد المنهك، ويحظى بدعم من بقايا النظام السابق التي لا تزال تسيطر بإحكام على مستويات مختلفة من وحكومات الولايات والحكومة المركزية. كما أن دور جنرالات الجيش خلال الفترة الانتقالية التي ستستمر 39 شهرًا حتى إجراء الانتخابات مثير للجدل بل وغير مقبول، خاصة بين الشباب الذين قادوا التمرد.
ومع ذلك، يبدو حمدوك، وهو خبير اقتصادي محنك في الداخل والخارج، متفائلاً. وقال في تصريحات صحفية عقب أداء اليمين في 21 أغسطس: “من خلال الرؤي الصحيحة والسياسات الصحيحة، سنتمكن من معالجة هذه الأزمة الاقتصادية”. وتعهد بوضع برنامج إسعافي عاجل لوضع حد لنقص السلع الاستهلاكية الأساسية التي يعاني منها السودان طويلا، وأكد أن التوصل لاتفاقات سلام مع حركات التمرد في دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق سيكون على رأس اولوياته قصوى. على المدى الطويل، أكد حمدوك على الحاجة إلى تحسين الإنتاجية وإعادة بناء القطاع المصرفي، الذي وصفه بأنه على وشك الانهيار.
تجنب السفينة الغارقة
تصدر حمدوك عناوين الصحف في سبتمبر 2018، عندما رفض عرضا رسمياً من الرئيس المخلوع البشير بتعيينه وزيراً للمالية. حظي قرار حمدوك بعدم القفز إلى السفينة التي كانت توشك على الغرق بالفعل باحترام واسع ضمن له تأييد مختلف جماعات المعارضة عندما تم ترشيحه كرئيس للوزراء بعد عام.
ومع ذلك، كان من المفارق أن يعرض الإسلاميون الحاكمون آنذاك على حمدوك منصب وزير المالية، لأنه فصل من ذات الوزارة التي كان يعمل بها كخبير اقتصادي لعشر سنوات في أبريل 1990. في ذلك الوقت، كان الإسلاميون يشنون حملة واسعة لتطهير الخدمة العامة من خصومهم السياسيين الفعليين والمحتملين. استهدف حمدوك، على الأقل جزئيًا، لأنه كان عضوًا نشطًا في الحزب الشيوعي السوداني في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، على الرغم من أنه ترك الحزب في أوائل التسعينيات. عندما فصل من عمله بدعوى الصالح العام كان حمدوك كان يدرس للحصول على درجة الماجستير في الاقتصاد من جامعة مانشستر، المملكة المتحدة. بعد ذلك يمكن من إنهاء درجة الماجستير وحصل على درجة الدكتوراه في نفس المجال في عام 1993.
مسيرة مهنية باهرة
نظرًا لعدم قدرته على العودة إلى الوطن أثناء وجود البشير في السلطة، بدأ حمدوك حياته المهنية الدولية في زيمبابوي عام 1993 كرئيس لمجموعة القطاع العام في شركة ديلويت آند توش للاستشارات الإدارية. ثم عمل في منظمة العمل الدولية كمستشار تقني من 1995-1997، ثم شغل منصب المدير الإقليمي لأفريقيا والشرق الأوسط في المعهد الدولي للديموقراطية ودعم الانتخابات من 2003-2008. انتقل إلى إثيوبيا في عام 2011 ليصبح نائب الأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية للأمم المتحدة في أفريقيا.
خلال فترة وجوده في إثيوبيا، كان له الفضل في الإسهام في صياغة بعض السياسات التي حفزت النمو الاقتصادي السريع لذلك البلد. وتمكن من بناء علاقات مهنية وشخصية ممتازة مع قادة إثيوبيا، التي تعد شريكًا مهمًا للسودان، خاصة فيما يتعلق بالأمن الإقليمي وإدارة مياه النيل.
طوال حياته المهنية، ركز حمدوك على معالجة التحديات الاقتصادية والتنموية المتنوعة في جميع أنحاء إفريقيا في مجالات إصلاح القطاع العام والحكم والتكامل الإقليمي وإدارة الموارد. هذه التجربة الواسعة في الساحة الدولية تمثل رصيدا لا غنى عنه للسودان، الذي يخرج من عقود من العزلة السياسية والعقوبات الاقتصادية.
بدأ حمدوك بالفعل بطلب ملياري دولار من صندوق النقد الدولي لدعم الجنيه السوداني المتراجع. ومع ذلك، قد يكون لهذا ثمن سياسي في الداخل، حيث حذر العديد من اللاعبين السياسيين مرارًا من الكلفة الاجتماعية الباهظة لبرنامج الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي تطالب بها المؤسسات المالية الدولية، وخاصة رفع الدعم عن المواد الغذائية والبترولية. ومع ذلك، وعدت الحكومة الجديدة باستبدال دعم السلع الأساسية بدعم نقدي مباشرة للأسر الفقيرة.
نقطة تحول سياسية
على الرغم من التحديات الهائلة التي يواجهها حمدوك، يمكن اعتبار تعيينه رئيسا للوزراء نقطة تحول في السياسة السودانية. فقد حظي بقبول إجماعي وسط المدنيين والعسكريين الذين نادرا ما يتفقون على من يتولى المسئوليات القيادية في البلاد، علاوة على ذلك، فهو لا ينتمي إلى النخبة السودانية التقليدية. وُلد ونشأ في بلدة الدبيبات الفقيرة، في ولاية جنوب كردفان على حافة المناطق التي تضررت بشدة من الحروب الأهلية المستمرة، وعلى عكس معظم السياسيين البارزين في السودان، لا ينتمي حمدوك لقبيلة كبيرة ذات نفوذ.
حمدوك متزوج من السيدة منى عبد الله الحاصلة على درجة الماجستير في دراسات التنمية من جامعة ليدن في هولندا، وقد عملت في منظمات دولية لسنوات عديدة. اجتذبت منى عبد الله بالفعل انتباه وانتقاد الإسلاميين المحافظين لظهورها العلني لأول مرة دون تغطية شعرها مثلما اعتادت السودانيات خلال العقود الثلاثة الماضية. للزوجين ولدين بالغين.