منذ بداية الحياة السياسية لأفيغدور ليبرمان، بما في ذلك عمله المبكر كمساعدٍ لرئيس الوزراء الحالي لإسرائيل بنيامين نتنياهو في عام 1988، والمدير العام لحزب الليكود لاحقاً من عام 1993إلى 1996، كان ولا يزال شخصيةً مثيرة للجدل.
عادةً، تنبع هجمات ليبرمان السياسية، الذي اشتهر بتصريحاته ومقترحاته الصادمة في كثيرٍ من الأحيان، مثل اقتراحه بأن تقصف إسرائيل سد أسوان العالي في مصر، من وجهات نظرٍ قومية متطرفة تتاخم أحياناً العنصرية. وما يزيد الأمر غرابةً قيام ليبرمان، لكونه تقلد منصب وزير الدفاع في أحدث حكومة ائتلافية شكلها نتنياهو، برسم صورةٍ له كعضوٍ جدي ومتحفظ ومنطقي في الكنيست (البرلمان). فقد عجلت استقالته من الليكود في عام 2018 بسبب اعتراضه على ما اعتبره ضعف نتنياهو فيما يتعلق بحماس في غزة، بإجراء الانتخابات في أبريل 2019.
ولد إيفيت ليبرمان عام 1958 في مولدوفا، وهاجر إلى إسرائيل مع عائلته في عام 1978، قبل عشر سنوات من تدفق اليهود السوفيت، وحوّل اسمه إلى العبرية ليصبح أفيغدور. منذ أيامه الأولى في إسرائيل، كان مرتبطاً باليمين، وفي بعض الأحيان بالسياسات العنيفة المرتبطة بحزب الليكود. ومع مرور الوقت، انتقل إلى مستوطنة نوكديم في الضفة الغربية، حيث لا يزال يعيش. شغل العديد من المناصب في جميع الوزارات التي شكلها نتنياهو منذ عام 1997، بالرغم من أنه لم يكن دوماً عضواً في الليكود. وفي عام 1997، شكل حزباً سياسياً جديداً، اسرائيل بيتنا، الذي مثل بشكل أساسي المهاجرين “الروس” الذين وصلوا بأعدادٍ كبيرة من الاتحاد السوفيتي السابق. كانت هذه الجماعات محافظة بشكلٍ عام في مواقفها، كرد فعلٍ على النظام الشيوعي الذي تركته. كما كان الحزب أيضاً علمانياً بشكلٍ أساسي وضم عدداً كبيراً من غير اليهود، في المقام الأول الأزواج الذين وصلوا مع شركائهم اليهود ومنحوا الجنسية الإسرائيلية بموجب قانون العودة، إذ يمنح هذا القانون المواطنة التلقائية لأي شخص أجداده يهود أو متزوج من يهودي/يهودية. ومن المفارقات أن السلطات الدينية تعترف بيهودية الفرد فقط إذا ما كان مولوداً لأم يهودية. ونظراً لأن الزواج والطلاق والدفن في إسرائيل جميعها تخضع لسلطة السلطات الدينية، فإن هذا الاختلاف في الاعتراف بالأحوال الشخصية يمكن أن يؤثر، ويؤثر بالفعل، على حياة جزءٍ كبير من المهاجرين من الاتحاد السوفياتي السابق (ويصل عددهم إلى 400 ألف شخص بحسب أحد التقديرات).
وهكذا، فإن ليبرمان، العلماني على الرغم من أنه نجل أبوين يهوديين، اعتمد في قوته السياسية على تمثيل جمهور الناخبين العلماني إلى حدٍ كبير- والقومي غالباً. دخل الكنيست عندما خاض حزبه الجديد الانتخابات لأول مرة عام 1999 (التي خسر فيها نتنياهو أمام إيهود باراك). فاز حزبه بأربعة مقاعد فقط من أصل 120 مقعداً في الكنيست. وعندما عاد الليكود إلى السلطة في عهد أرييل شارون عام 2001، تم تعيين ليبرمان وزيراً للبنية التحتية. ترك هذا المنصب بعد عام ولكنه عين وزيراً للنقل في عهد نتنياهو في عام 2003. وفي تلك الانتخابات، خاض حزب ليبرمان الانتخابات مع الاتحاد الوطني اليميني المتطرف، وفاز بسبعة مقاعد. تم إبعاده من حكومة شارون المركزية الثانية، وأخرج حزبه في النهاية من الائتلاف لمعارضته قرار شارون بالانسحاب أحادي الجانب لكلٍ من الجيش الإسرائيلي والمستوطنين من قطاع غزة.
في الانتخابات التالية في عام 2006، ترشح حزب ليبرمان لوحده محققاً نجاحاً كبيراً، حيث فاز بـ11 مقعداً. انضم إلى الائتلاف الوسطي بقيادة إيهود أولمرت، ومنح ليبرمان مناصب نائب رئيس الوزراء ووزير الشؤون الاستراتيجية المنشأ حديثاً. بيد أنه لم يدم طويلاً في هذا الائتلاف أيضاً، حيث بدأ أولمرت في متابعة تدشين اتفاق سلامٍ مع الفلسطينيين، والذي تضمن التنازل عن أراضٍ، وهو الأمر الذي عارضه ليبرمان بشدة.
انقلبت حظوظه عندما أصبح حزب اسرائيل بيتنا ثالث أكبر حزبٍ في انتخابات عام 2009 بحصوله على 15 مقعداً، وعيّنه نتنياهو نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للخارجية. دمج حزبه مع الليكود وترشح برفقته في انتخابات 2012. في هذا الوقت، طالب ليبرمان علناً بتعيينه وزيراً للدفاع، الاحتمال المخيف بالنسبة للعديد من الليبراليين في ضوء دعواته السابقة لإدخال عقوبة الإعدام (للإرهابيين)، وحلفان يمين الولاء كشرط للحصول على الجنسية الإسرائيلية والحق في التصويت، ومقاطعة التجار العرب وخطته لنقل أغلبية المناطق العربية في شمال البلاد إلى السلطة الفلسطينية مقابل الحصول على أراضٍ في الضفة الغربية.
كما ذُكر سابقاً، كان من المدهش أن يعكس ليبرمان صورةً معتدلة عنه كوزيرٍ للدفاع، وهو المنصب الذي منحه إياه نتنياهو أخيراً في عام 2016. عاد ليبرمان إلى سابق عهده عندما استقال من الائتلاف في نوفمبر 2018 احتجاجاً على فشل نتنياهو في اتخاذ موقفٍ قوي ضد حماس. وعلى الرغم من أن ليبرمان كان له دورٌ فعال في نجاح نتنياهو السياسي، إلا أنه أصبح غريم رئيس الوزراء عندما حاول الليكود تشكيل ائتلافٍ حاكم بعد انتخابات أبريل 2019. وعلى الرغم من حصوله على خمسة مقاعد فحسب، إلا أن حزب إسرائيل بيتنا كان حاسماً للوصول إلى الـ61 مقعداً التي يحتاجها نتنياهو للحصول على الأغلبية. بيد أن ليبرمان امتنع عن ذلك، مطالباً بالاتفاق على تشريعٍ بتجنيد اليهود الأرثوذكس المتطرفين في الجيش. من الواضح أن هذا الطلب كان يهدف إلى تخريب الائتلاف لأن الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة، بمقاعدها الـ16، سترفض قبول مثل هذا الاتفاق. أدى فشل نتنياهو في تشكيل ائتلاف إلى حل البرلمان في مايو وتحديد موعدٍ لانتخاباتٍ جديدة مقررة في 17 سبتمبر.
هناك العديد من النظريات حول الدوافع الكامنة وراء تصرفات ليبرمان، خاصةً أنه أعلن عن تأييده مراراً وتكراراً لنتنياهو كرئيس وزراء مقبل، إذ يفضل أن يرأس حكومة وحدة وطنية مكونة حصرياً من الليكود، وإسرائيل بيتنا، وحزب أزرق -أبيض الوسطي. ومع ذلك، يواصل تشويه سمعة نتنياهو في الفترة التي تسبق الانتخابات.
علاوة على ذلك، نصب ليبرمان نفسه بطل الإسرائيليين العلمانيين؛ تكتيكٌ يبدو أنه يؤتي أُكله، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن حزبه قد يفوز بما يصل إلى 11 مقعداً في الانتخابات المقبلة، أي ضعف مقاعد أبريل، وعليه، يشير هذا إلى أنه نجاحه في جذب الناخبين بما يتجاوز قاعدته “الروسية” التقليدية.
أحد الجوانب المذهلة لشعبيته المتزايدة هو أن الجمهور يبدو أنه قد نسي الاتهامات الجنائية داخل حزبه وحتى إدانات بعض أعضاء الحزب البارزين، بما في ذلك وزير السياحة السابق ستاس ميسجنيكوف ونائبة وزير الداخلية سابقاً فاينا كيرشنباوم. بل إن ليبرمان نفسه خضع للتحقيق بسبب تلقيه رشاوى، من بين تهمٍ أخرى، لأكثر من 12 سنة. فقد مَثُل أمام المحكمة في عام 2013، إلا أنه تمت تبرئته لعدم كفاية الأدلة الجنائية.
من المرجح أن يحتفظ ليبرلمان بمفتاح الائتلاف المقبل، سواء كان ذلك لحزب الليكود أو منافسه حزب أزرق-أبيض، بقيادة رئيس أركان نتنياهو السابق بيني غانتز. ومرةً أخرى، قد لا يكون من الواضح سبب عزم ليبرمان إلحاق الهزيمة بنتنياهو، إلا إذا كان يعتقد أنه سينتخب قريباً رئيساً للوزراء.