لم يكن الفشل في تشكيل حكومةٍ إتئلافية بعد الإنتخابات سابقةً في إسرائيل، إلا أن الدعوة لإجراء إنتخاباتٍ جديدة بعد 40 يوماً فحسب من الإنتخابات أمرٌ غير مسبوق
يتمثل الإجراء المعتاد في بحث الرئيس عن ثاني أكبر حزب لتشكيل الحكومة. ومع ذلك، على الرغم من حقيقة حصول حزب الليكود الذي يرأسه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحزب أزرق- أبيض الجديد الذي يقوده رئيس الأركان السابق بيني غانتس على 35 مقعداً لكلٍ منهما من أصل 120 مقعداً في الكنيست في انتخابات 9 أبريل 2019، إلا أنه كان من الواضح أنه لا يمكن لأي حزبٍ أن يحظى بمقاعد كافية لتشكيل الحكومة. لهذا السبب، صوت الكنيست بحل البرلمان والدعوة إلى انتخاباتٍ جديدة.
فقد كان وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان، الذي يرأس حزب إسرائيل بيتنا القومي، الشريك المتردد، والذي منعت مقاعده الخمس فحسب نتنياهو من تشكيل حكومة (رفض بعض الشركاء المحتملين الانضمام إلى ائتلافٍ يضم 60 مقعداً أو حتى 61 مقعداً، وذلك بسبب عدم الاستقرار الملازم لمثل هذه الحكومة).
هناك الكثير من التكهنات حول سبب قيام ليبرمان بسد الطريق أمام مرشده وزميله القديم بهذه الطريقة، خاصة وأنه زعم مراراً وتكراراً في الفترة السابقة للانتخابات أنه سيدعم تولي نتنياهو فقط منصب رئيس الوزراء.
تقول إحدى النظريات أن ليبرمان كان يتصيد ليحظى بالمنصب لنفسه. ونتيجةً لذلك، وضع شرطاً في تحالفه مع الأحزاب اليهودية الأرثوذكسية المتطرفة بأن تقوم الحكومة بتعديل مشروع قانون إعفاءهم من التجنيد العسكري الإلزامي. يعدّ هذا مطلباً قديماً لم يمنعه من التحالفات السابقة لنتنياهو، وهو أيضاً مطلبٌ يمكن للأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة الاعتماد عليه للرفض، وهو ما فعلوه.
علاوةً على ذلك، يعدّ شريك حزب أزرق- أبيض الرئيسي، حزب هناك مستقبل، الذي يدعم مشروع القانون، مرفوضاً لدى الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة.
من الصعب تصور خروج كوكبة جديدة من الكتل الرئيسية من يمين الوسط ويسار الوسط من الانتخابات المقررة في 17 سبتمبر، ومن المرجح أن تكون هناك تغييرات داخل كل كتلة – فلربما تدخل بعض الأحزاب الصغيرة التي لم تتجاوز العتبة الانتخابية البالغة 3,25% في أبريل في حين قد يجد آخرون أنفسهم دون الحد الأدنى. في الواقع، من المرجح أن تعود هذه التغييرات بالفائدة على الكتلة اليمينية، مما سيؤدي إلى خسائر لدى اليسار.
فقد تمكن حزب ميرتس اليساري من تجاوز العتبة بفضل التصويت العربي. لربما يكون هذا التصويت هو التحول الوحيد المهم في الانتخابات الجديدة، ففي أبريل، كانت نسبة الناخبين العرب أقل من المعتاد، ويعزى ذلك جزئياً إلى خيبة الأمل بسبب التنافس السياسي الذي أدى إلى انهيار القائمة المشتركة للأحزاب العربية.
في هذه المرة، قررت الأحزاب العربية التنافس مرةً أخرى، ومن المحتمل أن تعود معظم الأصوات العربية التي ذهبت إلى ميرتس، إن لم يكن جميعها، إلى القائمة المشتركة. ومن المرجح أن تفوز هذه القائمة بمزيد من المقاعد بفضل تزايد الإقبال العربي.
بيد أن إضعاف ميرتس أثناء تعزيز قوة الأحزاب العربية لن يساعد كتلة يسار الوسط لأن الحزب القيادي، أزرق – أبيض كان قد صرح إنه لن يشكل ائتلافاً مع الأحزاب العربية.
بالنظر إلى احتمال عدم تغيير انتخابات سبتمبر الصورة العامة، سيُطلب من نتنياهو تشكيل الحكومة الجديدة. لربما سيكون قادراً على القيام بذلك إذا ما حققت الأحزاب اليمينية المتطرفة نتائج أفضل، وذلك باستعادة ما يصل إلى سبعة مقاعد تم خسراتها سابقاً عندما لم يتجاوز حزب اليمين الجديد الديني العتبة الإنتخابية. ومع ذلك، من شأن هذا أن يطرح مشاكل أخرى.
المشكلة الأولى، التي أصبحت واضحةً في جهود نتنياهو الائتلافية بعد أبريل، هي أنه سيتعين على نتنياهو تقديم تنازلاتٍ كبيرة، لا سيما للأحزاب اليمينية المتطرفة والأحزاب الأرثوذكيسة المتشددة. فعلى سبيل المثال، طالب اتحاد الأحزاب اليمينية بإلغاء قانونٍ يحظر الفصل بين الرجال والنساء في وسائل النقل العام فضلاً عن رغبته أن تُحكم إسرائيل وفقاُ للقانون اليهودي.
حاول نتنياهو استرضاء الناخبين، نافياً حتى أخذه بعين الإعتبار مثل هذه الأمور في محادثات الائتلاف، إلا أن هناك أدلة مكتوبة على أن هذه المطالب تمت مناقشتها في الواقع. ولا يوجد سببٌ لتوقع أنها لن تثار مرةً أخرى. وإلى جانب المطالب المعتادة للأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة من أجل ناخبيهم، مثل تمويل التعليم الديني، من المحتمل أن تكون هناك مطالب جديدة وتنازلاتٍ كبيرة.
إن غالبية الإسرائيليين إما علمانيون أو تقليديون، إلا أن بناء الحكومات الائتلافية لطالما كان يعتمد على الأحزاب الدينية الصغيرة. في الواقع، كان هذا شوكةً في خاصرة الأحزاب الرائدة والجمهور لسنواتٍ عديدة، لكن الأحزاب الأرثوذكسية الصغيرة تشكل الآن جزءاً كبيراً (16 مقعداً في أبريل) من كتلة يمين الوسط.
تتمثل المشكلة الثانية التي تواجه نتنياهو في توقيت الانتخابات الجديدة، فقد قام بحل الحكومة السابقة وسعى إلى إجراء انتخابات أبريل من أجل إنقاذ نفسه من السجن بتهم شبهات الفساد. كانت الخطة على ما يبدو تتمثل في إجراء الانتخابات، ومع وجود الأغلبية اليمينية الجديدة في الكنيست، سيضمن حصوله على الحصانة من المقاضاة لكونه رئيس الوزراء الحالي. ودون تغيير قوانين الحصانة الحالية، يمكن القيام بذلك عن طريق إقرار قانونٍ يحرم المحكمة العليا من سلطة إلغاء أغلبية الأصوات التي تصوّت لصالح الحصانة. إن الاتفاق على خطوةٍ كهذه في الكنيست ضد المحكمة يعدّ أمراً أساسياً في محادثات الإئتلاف الأخيرة ، ويبدو أن الشركاء المحتملين قد أيدوها.
ومع ذلك، سيكون قد فات الأوان لإصدار مثل هذا القانون بعد انتخابات سبتمبر، ويرجع السبب في ذلك في أن الإدعاء العام كان قد اعتبر بالفعل أن التهم في ثلاث قضايا ضد نتنياهو كافية لمقاضاته، مع مراعاة إجراء جلسة استماع لنتنياهو. تم تحديد موعد الجلسة في سبتمبر ومن المتوقع صدور لوائح الاتهام.
ومع ذلك، فإن الوضع متقلّب في جميع أرجاء الطيف السياسي، حيث تم رفض أو إسقاط معظم اقتراحات الدمج المحتملة من جناح اليسار. كما لم يعرب حزب العمل، الذي ينشغل بمحاولة استبدال زعيمه الذي تنعدم الثقة به، آفي غباي، عن أي اهتمامٍ بدعوة ميرتس للاندماج.
فقد قاد غباي حزب العمل إلى أسوأ هزيمةٍ له على الإطلاق، مما قلل من قوة الحزب إلى ستة مقاعد فقط. ولربما يدخل اثنان من المتنافسين الشبان اللذان يحظيان بشعبيةٍ كبيرة، ستاف شافير وإيتسيك شمولي (كلاهما دخل المعترك السياسي بعد قيادتهم مظاهراتٍ ضخمة تدعو إلى تحقيق العدالة الاجتماعية عام 2011) في مواجهةٍ ضد الزعيم السابق عمير بيرتز. وإلى جانب حزب العمل، هناك حديث أيضاً عن عودة إيهود باراك وتسيبي ليفني إلى السياسة، ضمن حزبٍ قائم أو بمفردهما.
وعلى عكس اهتمام زعيمة ميرتس تمار زاندبرغ بالاندماج مع حزب العمل، هناك دعوات داخل الحزب لتحويله إلى حزب يهودي-عربي مشترك بالكامل، مع تولي القيادة عربي ويهودي. سيتم طرح هذه الفكرة في اجتماع الحزب القادم، ولكن من غير المرجح أن تكتسب زخماً. ولكن يعكس ذلك الاعتراف بقوة التصويت العربي، إلا أنه يدل أيضاً على الخوف من أن لا يتجاوز حزب ميرتس العتبة الإنتخابية.
من جانبه، أعلن حزب أزرق- أبيض أنه لا يرى أي حاجةٍ إلى توحيد الجهود مع أي طرفٍ آخر. أما بالنسبة لليمين، فالصورة النهائية غير واضحة. فبعض قادة الأحزاب السابقين يعودون، أو يحاولون العودة، إلى حزب الليكود في محاولةٍ لتأمين الدخول إلى الكنيست القادم. حزبٌ رئيسي واحد من يمين الوسط، حزب موشيه كحلون، كولانا، قد تم حله بالفعل وعاد إلى أحضان الليكود، إلا أن رواد الليكود غير مهتمين بالتخلي عن مناصبهم لصالح المنشقين السابقين في الحزب. ومع ذلك، يمكن أن يحدث أي شيء تقريباً من الآن وحتى 17 سبتمبر.