وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الانتخابات الإسرائيلية 2019: كلما تغيرت الأحوال، كلما بقيت على حالها

Israel- Likud party
مواد حملة حزب الليكود الإسرائليلي وملصقات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على الأرض بعد ليلة الانتخابات في مقر الحزب في مدينة تل أبيب الساحلية. Photo AFP

مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية في التاسع من أبريل 2019، أظهرت استطلاعات الرأي أن المتنافسان الرئيسيان، حزب الليكود الحاكم الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحزب أزرق أبيض الذي تم إنشاؤه حديثاً، متقدمان بشكلٍ متقارب. كانوا على حقٍ تقريباً: فقد أظهر إحصاءٌ مبكر وصول الحزبين إلى 35 مقعداً في الكنيست (البرلمان) المؤلف من 120 مقعداً. ومع ذلك، أعطى العد النهائي لليكود مقعداً إضافياً، مما يجعله أكبر فصيل ومؤهلاً بقوة لتشكيل ما يُتوقع أن يكون ائتلافاً يمينياً.

وفي الوقت نفسه، تم تدمير اليسار، أو ما يمكن أن يسمى بدقة يسار الوسط. فقد حصل حزب العمل الذي أسس البلاد، على ستة مقاعد فقط، بانخفاض كبير من 44 مقعداً في عام 1992 و24 مقعداً في الانتخابات الأخيرة في عام 2015.

كما خسر حلفاء حزب العمل المحتملون، وهم ميرتس والحزبان العربيان بالمقام الأول، مقاعدهما. فقد وضع إحصاء الأصوات النهائي حزب مرتس في أربعة مقاعد والأحزاب العربية بما مجموعه عشرة مقاعد.

عبّرت النتائج، إلى حدٍ كبير، عن رغبة الناخبين بمنع نتنياهو من الفوز بفترة ولايةٍ خامسة. انعكس ذلك بتصويتٍ كبير لحزب أزرق أبيض بقيادة رئيس الأركان السابق بيني غانتس بالإضافة إلى رئيسين آخرين لأركان الجيش وسياسي وسطي شعبي. كان هذا تصويتاً غير عقائدي ولكنه تكتيكي، حيث تضمنت قائمةً الحزب مرشحين من مختلف الأطياف السياسية.

حاولت دعاية حملة حزب الليكود باستمرار أن ترسم الحزب على أنه يسار الوسط. في الواقع، لم يحصل الحزب على الكثير من الأصوات من اليمين، كما كان يأمل البعض. بدلاً من ذلك، كانت أرقامه المثيرة للإعجاب هي أصواتٌ كان من المفترض أن تذهب إلى حزب العمل وبعض الأحزاب الصغيرة.

فقد كان من المفترض أن تحصل أحزاب يسار الوسط على مزيدٍ من الأصوات في حال صوّت العرب الإسرائيليون بأعدادٍ أكبر، حيث بلغت نسبة العرب الذين صوتوا حوالي 50%، مقارنة بـ63% في عام 2015. كان هذا الانخفاض، في المقام الأول، نتيجة الاشمئزاز من تطبيق قانون الدولة القومية المثير للجدل في يوليو 2018، الذي أعلن أنه يحق لليهود وحدهم تقرير المصير في البلاد.

منح العرب الذين توجهوا إلى صناديق الإقتراع حزب ميرتس بمرشحيه العرب والدروز، أصواتاً أكثر مما فعلوا في السابق إلا إنها لم تكن كافية لإحداث فرق.

السبب الثاني لانخفاض نسبة المشاركة العربية كان وضع حزب الليكود، على نحوٍ غير قانوني، لـ1200 كاميرا خفية في صناديق الاقتراع في المناطق العربية. تم اكتشاف الكاميرات في وقتٍ مبكر نسبياً، ولكن من المحتمل أن يكون لها تأثيرٌ في ردع الناخبين المحتملين.

توضح الكاميرات الأساليب التكتيكية المبتذلة والمخادعة التي عادةً ما يستخدمها الليكود. في الواقع، كانت هذه واحدةً من أبشع الحملات الانتخابية في تاريخ إسرائيل. بل ذهبت دعاية حملة الليكود إلى أبعد من ذلك بوصف زعيم حزب أزرق أبيض بالضعف وعدم القدرة والجنون. كما ادعى الحزب باستمرار أن انتصار غانتس سيكون انتصاراً للعرب، وشملت تكتيكات الليكود أيضاً التحريض وجوانب من التعصب العرقي.

بيد أن التفسير الأعمق للنتائج لا يكمن في التكتيكات المستخدمة فحسب ولكن أيضاً في تغيير التركيبة السكانية في المجتمع الإسرائيلي والانقسامات الداخلية المتزايدة. من المهم أيضاً ملاحظة سنوات الهدوء النسبي التي مر بها الإسرائيليون رغم استمرار الاحتلال. في الواقع، نادراً ما تم ذكر الاحتلال خلال الحملة الانتخابية، باستثناء الأحزاب الصغيرة من اليسار. كما لم يشكل الاقتصاد مشكلةً كبيرة. قد يشكو الناس من تكلفة المعيشة، خاصة تكلفة السكن، أو سوء الأوضاع في المستشفيات، لكن السنوات القليلة الماضية لم تشهد أي أزمةٍ اقتصادية، ويبدو أن الاقتصاد يسير بسلاسة.

بالإضافة إلى ذلك، تمكن نتنياهو من تحقيق النجاح بمناوراته الدبلوماسية بمساعدة حلفائه دونالد ترمب وفلاديمير بوتين، مما يبرهن على حنكته السياسية وقدرته على تعزيز مكانة إسرائيل في العالم. وتشمل هذه خطوة نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وانسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية مع إيران، وإعلان ترمب، في الوقت المناسب تماماً للانتخابات، أن مرتفعات الجولان المتنازع عليها ملكٌ لإسرائيل، يليها إدراج الولايات المتحدة الأمريكية لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية.

ومن بوتين أيضاً، استلم نتياهو، قبل أيامٍ فحسب من الإنتخابات، رفات جندي إسرائيلي مفقود في لبنانسوريا) منذ عام 1982. رافقت عودة رفات الجندي تكريمٌ روسي كامل وبث تليفزيوني وجنازة إسرائيلية حظيت بدعاية واسعة بحضور نتنياهو.

كما يبدو أن إطلاق مركبةٍ فضائية إسرائيلية إلى القمر كان أمراً محسوباً لتعزيز فرص نتيناهو بإعادة انتخابه.

سيشبه الائتلاف الذي من المحتمل أن يُشكله نتنياهو إلى حدٍ كبير التحالف الذي كان لديه خلال فترة ولايته السابقة. بينما سيتمثل الغياب الأبرز بخصمه القديم وعدوه، زعيم حزب البيت اليهودي نفتالي بنت، والقيادية الثانية في الحزب، وزيرة العدل إيليت شاكيد. فقد قرروا ترك حزب الليكود لإنشاء “يمين جديد” لهذه الانتخابات، إلا أنهم فشلوا في تجاوز عتبة 3,2% اللازمة لدخول الكنيست.

تم استبدالهم ببقايا حزبهم القديم، الذين اتحدوا مع شخصياتٍ يمينية أكثر تطرفاً في حزب أوتسما لإسرائيل (قوة لإسرائيل)، الذين حصلوا على خمسة مقاعد باسم اتحاد أحزاب اليمين. وبالتالي، سيستمر تمثيل اليمين المتطرف في الحكومة الجديدة.

العقبة الواضحة الوحيدة في تشكيل الائتلاف الجديد تتعلق بوزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان. فقد أعلن دعمه لحكومةٍ يقودها نتنياهو ولكن فقط إذا ما تم تلبية عدد من مطالب حزبه، ألا وهي عقوبة الإعدام للإرهابيين والخدمة العسكرية الإلزامية لليهود الأرثوذكس المتطرفين، حيث تعارض الأحزاب الدينية بشدة المطلب الأخير، ومقاعدها الـ16 حاسمة لتحقيق الأغلبية.

ومع ذلك، لربما يكون هناك تسويةٌ تلوح بالأفق ذلك أن ليبرمان معروفٌ بمواقفه من أجل ناخبيه، وكما في الماضي، من المرجح أن يسعى إلى حلٍ وسط مقبول أيضاً للأحزاب الدينية.

قد يكون للائتلاف النهائي، الذي يُتوقع أن يكون يمينياً حازماً، عواقب مهمة وذات صلة بالديمقراطية الإسرائيلية. فقد يتم الطعن في النظام القضائي المستقل، لا سيما المحكمة العليا وكذلك تعيين القضاة على جميع المستويات ودور مؤسسات الرقابة الأخرى. كان هذا هو الحال في ظل الإئتلاف السابق، إذ يعد الإئتلاف الجديد بأن يكون أكثر عدوانية.

السبب الرئيسي وراء ذلك هو رغبة نتنياهو في البقاء خارج السجن، إذ يواجه حالياً لائحة اتهام، في انتظار جلسة الاستماع، بشأن ثلاث، وربما أربع قضايا فساد، بما في ذلك الاحتيال والرشوة. ومن بين الأسباب التي دعت إلى إجراء انتخاباتٍ مبكرة، حسب التكهنات، أنه يأمل في الحصول على دعم كافٍ من الكنيست الجديد لإصدار قانونٍ من شأنه أن يمنع توجيه الاتهام لرئيس الوزراء أثناء توليه منصبه.

عندما أعلن، في نهاية الحملة الانتخابية، أن حكومته الجديدة ستضم المستوطنات في الضفة الغربية، كانت العبارة التي تم تداولها هي “السيادة مقابل الحصانة.” وفي حين أن نتنياهو أنكر أن هذا كان الغرض من خططه لضم المستوطنات، إلا أن هذه الخطوة ستشكل ضربةً خطيرة ليس فقط للديمقراطية الإسرائيلية ولكن أيضاً لفرص السلام، مع أو بدون ما يسمى بـ “صفقة القرن” التي يسعى إليها ترمب.

من الصعب معرفة ما إذا كان أي من شركاء الائتلاف المحتملين سيصر على الالتزامات المتعلقة بصفقة سلامٍ في المستقبل. وعلى أي حال، تتنبأ التلميحات والتحليلات الحالية بخطة سلامٍ أمريكية تتجنب ذكر الدولة الفلسطينية، وبالتالي سيتم رفضها على الفور من قبل الفلسطينيين، مما يوفر لنتنياهو وسيلةً سهلة لتجنب اتخاذ أي إجراءٍ حقيقي بشأن هذه القضية المثيرة للجدل.