كان السادس من أكتوبر لعام 2013 يوماً مشهوداً للناشطات في المملكة العربية السعودية، فقد شهد ذلك اليوم في نهاية المطاف، رضوخ وزارة العدل، التي تعدّ معقلاً ذكورياً بحتاً، ومنحها أربع نساء سعوديات ترخيصاً لمزاولة مهنة المحاماة. وجاء هذا القرار بعد ضغوطاتٍ مارستها جماعات نسائية، إلى جانب التشجيع الضمنيّ الخفي من قِبل الملك عبد الله. في السابق، كانت خريجات كلية الحقوق، اللواتي حصل البعض منهنّ على شهادة الدكتوارة في القانون واللواتي لا يملكنّ الأمل سوى بالعمل في مجال الحقوق كمستشارات قانونيات في شركات المحاماة، لم يكن يُسمح لهنّ بممارسة المحاماة ومنحهنّ لقب محاميات. فلم يسمح لهنّ بالظهور في قاعات المحاكم، ويتعين عليهنّ أداء مهامهنّ خلف الكواليس. كما يُحظر عليهنّ أيضاً إمتلاك أو تشغيل شركات محاماة خاصة بهنّ.
فقد استسلم النظام القضائي السعودي في نهاية المطاف لضغوطات خريجات كلية الحقوق (أمثال أروى الحجيلي، وبيان زهران، وجهان قربان، وسارة العمري، وأميرة القوقاني) منذ عام 2011، عندما بدأنّ حملة منسقة للسماح لهنّ بالمرافعة في القضايا داخل قاعة المحكمة، تماماً مثل نظرائهنّ من الرجال.
وبالتالي، باتت بيان محمود زهران أول سعودية تصبح محور الاهتمام كمحامية، عندما وقفت في المحكمة العامة بجدة لأول مرة في نوفمبر 2013، للدفاع عن أحد موكليها. فقد عملت لسنواتٍ كمستشار قانوني ومثلت عشرات الأشخاص في القضايا الجنائية والمدنية لإنهاء النزاعات العائلية.
وبعد أن شجعها دخول معترك مجالٍ كان ممنوع عليها سابقاً، أسست بيان أول شركة محاماة نسوية في المملكة في يناير 2014. وتعهدت شركتها منذ ذلك الوقت بحماية وحفظ حقوق النساء في المجتمع السعودي الذكوري. وفي ذلك الوقت، قالت “أعتقد أن المحاميات سيساهمنّ بشكل كبير في النظام القضائي. ستحدث شركة المحاماة هذه فرقاً في تاريخ الدعاوى القضائية والمنازعات النسائية في المملكة. يحدوني الأمل الكبير وأشكر كل من ساندني لاتخاذ هذه الخطوة التاريحية.” وتعتقد السيدة زهران أن هناك 27 إمرأة أخرى حالياً يمارسنّ المحاماة في المملكة.
ولدت بيان محمود زهران عام 1985، في مدينة جدة الساحلية، أكثر مدن المملكة ليبرالية. وتتذكر طفولتها باعتبارها طفولة مليئة بالدفء والتشجيع من أبويها المحبين. أشقائها السبع، الأكبر منها سناً، ربما كانوا السبب في تشكيل وتقوية تصميمها على النجاح في جميع مراحلها العمرية.
بعد إنهائها الثانوية العامة، دخلت بيان جامعة الملك عبد العزيز، المعروفة بحزمها في جدة، لدراسة الموارد البشرية، على الرغم من أنها كما تقول لم تجد نفسها في هذا التخصص. وخلال السنة الجامعية الثالثة، اكتشفت أخيراً شغفها. فقد عانت صديقة مقربة منها وزميلة لها في الجامعة من خطأ طبي في التشخيص. وكما تُشير بيان “وقفت إلى جانبها وبحثت في القوانين واللوائح لحمايتها. وجدت لها جميع المعلومات التي تساعدها في قضيتها ضد الطبيب. وعند عودتي إلى الجامعة بعد إجازة الخريف، لاحظت وجود إعلانٍ عن افتتاح قسم للمحاماة في كلية الإناث، وهرعت للتسجيل، خلال خمس دقائق، إذ شعرت أنني بارعة وممتنة عندما كنت قادرةً على تجنيب صديقتي بأن تصبح الضحية.”
وفي عام 2009، بدأت حياتها المهنية، حيث كانت في المقام الأول تستمع لمحن النساء اللواتي تركنّ تحت رحمة المنظمات الخيرية، دون وجود أي فرد من أفراد العائلة لرعايتهم. استوعبت جميع قصصهم وصممت تدريجياً بأنها لن تسمح باستمرار إيذاء النساء دون تصرف. وتذكر أنه “كان هناك العديد من العقبات عام 2009 عندما بدأت بتمثيل النساء اللواتي يتعرضنّ للضرب أو سوء المعاملة. تمثلت الصعوبة التي واجهتني في عقلية الرجال والنساء على حد سواء الذين لم يؤمنوا بقدرات المحاميات. ولكن، بموافقة العديد من منظمات الرعاية الصحية النسائية لحماية النساء وحقوقهنّ، بدأت في التغلب على هذا الشعور وحماية حقوقهنّ. إن كوني إمرأة عاملة آنذاك كان مختلفاً! وتدريجياً، مع مرور الوقت وتمكين النساء في هذا المجال، حيث بات وضعنا رسمياً، وبحصولنا على جميع الحقوق والواجبات، أصبحنا على قدم مساواة مع الرجل.”
وبإدراكها أن النساء اللواتي انتهكت حقوقهنّ من قبل أحد أفراد الأسرة الذكور كانوا منبوذات ومهمشات من قِبل النظام القانوني الذي يهيمن عليه الرجال وبأنّ معظم الأحكام كانت تصدر لصالح الذكور، عزمت بيان على إحداث فرق. وقالت أنها في بعض الأحيان كانت تضطر إلى طلب المساعدة من خارج حدود المملكة العربية السعودية للتعامل مع قضايا النساء المعقدة. كما اضطرت أيضاً إلى محاربة الصورة النمطية لدى زملائها الذكور، الذين يعتبرونها دخيلة على ناديهم. “لقد سيطر الرجال على المحاكم والدوائر الحكومية لفترة طويلة حتى أنهم باتوا يعتقدون أنهم الأفضل في هذه الوظائف.”
“تنص (المادة 6) من دستور المملكة، القائم على الشريعة، على أن جميع المواطنين متساوون بغض النظر عن الجنس واللون والدين”. وأشادت بمبادرة المغفور له الملك عبد الله الجريئة لإصلاح النظام القضائي القائم والسماح بدخول النساء في هذا المجال. (يتم جمع مبادئ الشريعة الإسلامية من الحديث النبوي الشريف والقرآن).
وفي أغسطس 2015، نجحت السيدة زهران في إيقاف حكم أصدرته المحكمة العامة بجدة يقضي بحضانة طفلة عمرها عامان لوالدها، بسبب عدم حضور الأم لجلسات المحكمة. وبعد دراسة ملف القضية، والصك القضائي الصادر من الناحية الشرعية والقانونية، طالبت بيان “بإيقاف الحكم الصادر بحق موكلتي، حيث تبيّن لنا أن قضايا الحضانة لا يمكن أن يبنى الحكم فيها على النكول، وأهمها حضور موكلتي لجلسات المحكمة وجهلها بهذه الجلسات.”
وخلال هذه الجلسلات المكثفة، قالت بيان أنه ظهر عداء كبير من جانب الأب. “هددني الخصم بإحراقي حية بعد حصولي على حكم أولي لصالح الأم. أبلغت السلطات بذلك واتخذت التدابير القانونية المناسبة.”
أدرجت مجلة فورتشن وموقع ArabianBusiness.com بيان زهران، بين النساء العربيات الأكثر تأثيراً في العالم، ولكن بيان لا تسعى للحصول على الجوائز. “أريد أن أربي أبنائي وأن أتأكد من أنهم يكبرون باتباع المبادىء الإسلامية الصحيحة وبأنهم أفراد مساهمون في المجتمع. أريد أن أدعم خريجات كلية الحقوق وأن أضمن حصولهنّ على عمل في مجالهنّ. كما أرغب في توفير الوعي القانوني للمرأة في المنظمات الخيرية في جميع أنحاء المملكة. وعندما يتسنى ليّ الوقت، فأنا أحب كتابة الشِعر، كما أستمتع بركوب الخيل والسباحة.”