يواجه قيادي حركة كولن تهماً جنائية في العديد من القضايا، بما في ذلك أحكاماً بالسجن مدى الحياة لمحاولته المزعومة الإطاحة بالحكومة...
“حتى أنت يا بروتوس؟” يُزعم أن تلك كانت الكلمات الأخيرة للدكتاتور الروماني يوليوس قيصر، عندما تم اغتياله بسكين من قبل صديقه ماركوس بروتوس. وغالباً ما يُستخدم هذا الاقتباس الشهير من واحدة من أكثر الاغتيالات الشائنة في التاريخ للخيانات غير المتوقعة.
لم يستخدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذه الكلمات بالتحديد، إلا أنها لربما كانت تجول في خاطره عندما تحدث عن الخيانة وتعرضه “للطعن في الظهر،” من قِبل حليفه السابق وصديقه القديم، الداعية الإسلامي فتح الله كولن، الذي يعيش منذ عام 1999 في المنفى طوعاً، في ولاية بنسلفانيا، قبل محاكمته بتهمة الخيانة العظمى.
رفض أردوغان أن ينطق اسم الداعية الإسلامي خلال خطابه في ديسمبر 2014 في “ندوة تركيا العظمى،” في العاصمة أنقرة، إلا أنه كان من الواضح من يقصد عندما قال “تعتبره صديق، ولكن قد لا تعلم أو حتى تلاحظ أنّ هذا الشخص الذي اعتبرته صديق كان يروج لإرادته، ومعرفته، وأرضه، ووطنه في الدوائر السوداء.”
والآن، يواجه قيادي حركة كولن تهماً جنائية في العديد من القضايا، بما في ذلك أحكاماً بالسجن مدى الحياة لمحاولته المزعومة الإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً لرئيس الوزراء آنذاك أردوغان، من خلال تدبير انقلابٍ وتشكيل منظمة إرهابية.
أدرجت السُلطات التركية كولن على قائمة أخطر الإرهابين المطلوبين، جنباً إلى جنب مع قادة حزب العمال الكردستاني (بي كا كا). كما اعتبرت حركة كولن رسمياً تهديداً للأمن القومي في الكتاب الأحمر التركي، الذي يسرد قائمة التهدديات الأمنية للبلاد. فضلاً عن ذلك، تم إصدار أربع مذكرات لاعتقال كولن، وطالبت السُلطات التركية الإنتربول إصدار نشرة حمراء دولية بحقه.
وفي 6 يناير 2016 بدأت أول محاكمة ضده في محكمة كاجليان في اسطنبول. وتدعي النيابة العامة أن العديد من أعضاء ما يسمونه الآن “حركة كولن الإرهابية- الكيان الموازي،” تسللوا لمناصب رئيسية في القضاء والشرطة وأسسوا “كياناً موازياً.” وكان مدّعوا حركة كولن قد وجهوا في ديسمبر 2013 اتهامات بالكسب غير المشروع ضد عدد من وزارء حكومة حزب العدالة والتنمية، وأفراد من عائلاتهم، وابن أردوغان، بلال. وقال أردوغان في ذلك الوقت أنّ الأمر لا يتعلق بالتحقيق بقضايا الفساد، بل جزء من مؤامرة انقلاب للإطاحة بالحكومة.
وفي ضوء ذلك، أقال أردوغان الوزراء المتهمين من حكومته، وشرع على الفور بهجومٍ مضاد ضد جميع من يشتبه بدعمهم لكولن في السلك القضائي وأجهزة الأمن، وفي وسائل الإعلام، وفي عالم الأعمال. يستخدم وزراء حزب العدالة والتنمية، ووسائل الإعلام الموالية لحزب العدالة والتنمية، وأردوغان نفسه الغوغائية، وفي كثيرٍ من الأحيان يعمدون إلى توجيه اتهامات لا أساس لها من الصحة أو مبالغ بها، فضلاً عن الهجوم العلني واغتيال شخصية ووطنية أنصار فتح الله كولن. وأصبحت نعوت مثل “خائن،” و”قاتل،” و”فيروسات،” و”الكيان الموازي،” و”مافيا،” الوضع الطبيعي الجديد في خطاب الكراهية الذي تعتمده الحكومة ومؤيديها.
العديد من الأتراك، فضلاً عن مراقبين ودبلوماسيين غربيين، أعربواعن استغرابهم وتفاجأهم من تطور الأحداث، إذ أن ضباط الشرطة والمدعين العامين هؤلاء الذين كان قد أشاد بهم أردوغان عندما ساعدوه على تهميش وتجريم الجيش بتهم السعي، في وقتٍ سابق، لانقلاب مثير للجدل ضد حزب العدالة والتنمية (مثل قضيتي شبكة إرغينكون وقضية المطرقة)، أصبحوا الآن يصورون كأعداء لبلادهم. والآن، يُجادل مستشاروا رئيس الوزراء أنفسهم ووسائل الإعلام الموالية لحزب العدالة والتنمية أنّ هؤلاء المدعين العامين من أنصار كولن قد نصبوا فخاً للجيش. فمنذ ديسمبر 2014، تم اعتقال حوالي 1,800 مشتبه به، من بينهم 750 ضابط شرطة و80 جندي، في إطار التحقيقات الجارية ضد المتعاطفين مع فتح الله كولن. عدوهم المشترك، الجنرالات، تمت تنحيتهم من مراكزهم ذات النفوذ السياسي، وانقلب أردوغان وكولن ضد بعضهما البعض في صراعٍ تقليدي على السُلطة: “الثورة تأكل أطفالها.”
فمن هو الداعية الإسلامي الذي تحول من صديقٍ إلى عدو؟
يُطلق أتباع محمد فتح الله كولن (مواليد 1941) عليه اسم المعلم، لأنه كان يُدّرِس منذ سن الـ14 في مناطق مختلفة في تركيا، ومنذ عام 1999 في الولايات المتحدة الأمريكية.
ولد في قرية كوروجك، بالقرب من مدينة ارضروم شرق البلاد، حيث ارتاد المدرسة الابتدائية لبضع سنوات. والده رامز، الذي كان إمام القرية، درسه القرآن الكريم، في حين درس الإسلام في المدارس الدينية.
وفي فترة المراهقة، بدأ مشاركة معارفه حول الإسلام الشعبي التركي. طوّر أفكاراً حول الكيفية التي ينبغي أن يكون عليها المجتمع التركي، مؤكداً على أهمية الدراسة، والحوار مع المسيحيين واليهود، والقومية التركية، واقتصاد السوق الحر. ريادة الأعمال غاية في الأهمية يقول كولن، إلا أنه يؤكد أيضاً على القيم الدينية المحافظة: الأسرة هي الركن الأساسي في المجتمع، والمرأة تابعة للرجل، وأعظم الفضائل هي العمل الجاد، والانضباط، والخدمة (hizmet)، خدمة الإيثار للصالح العام. لهذا السبب تسمى الحركة أيضاً حركة الخدمة (Hizmet movement) في تركيا.
أنشأ أنصاره العديد من المدارس النهارية والمدارس الداخلية في تركيا وفي أكثر من مائة دولة أخرى. وكانت هذه المنشآت التركية الحديثة بعض أفضل المدارس في البلاد، حيث كان يتم إعداد الطلاب لتولي أعلى المناصب الممكنة في المجتمع. ولذلك، يُطلق على العديد من رجال الأعمال الورعين في تركيا، والذين دعموا الحركة مالياً، نمور الأناضول أو الكالفينيّ المسلم، الذين قاموا بتأسيس جمعية رجال الأعمال الصناعيين الأتراك (Tuskon)، وهي كونفدرالية لرجال الأعمال تضم حوالي 120,000 شركة.
ويقال أن الحركة تتمتع بنفوذ كبير في تركيا، على الرغم من صعوبة تحديد عدد أنصارها، لعدم وجود تسجيل للعضوية. وإلى أن بدأت الحملة ضد المعارضين، قال العديدون أنّ كولن ألهمهم، إذا ما أظهروا تعاطفهم بأي شكلٍ من الأشكال. في حين، أخفى الغالبية انتماءاتهم، خوفاً من تعرضهم للتميز في سوق العمل إذا ما أعلنوا صراحةً عن تعاطفهم مع كولن. فعلى الأغلب، هناك حوالي ستة ملايين تركي مرتبطين بحركة الداعية الإسلامي.
تعتبر صحيفة زمان، الناطق باسم الحركة، أحد أكبر الصحف في تركيا بتداول يومي يصل نحو مليون نسخة. وقُبيل الانتخابات العامة في نوفمبر 2015، سيطرت محكمة تركية على مجموعة (كوزا إيبيك) القابضة المرتبطة بكولن، وهي مجموعة صناعية وإعلامية تمتلك صحيفتين يوميتين هما “بوغون” و”ميلليت،” ومحطتين تلفزيونيتين، هما قناة “بوغون” و”كنال ترك.” وأعلنت محكمة أنقرة أنه “من الضروري تعيين مدارء بسيطرة كاملة لمنع الجريمة وحماية الأدلة في القضية التي كشفت التقارير أن هذه الشركة ساعدت وشاركت في أنشطة المنظمة المدعوة “منظمة كولن الإرهابية- الكيان الموازي،” التي يُقال أنها حاولت إسقاط الحكومة.”
وفي خطوة مماثلة تهدف إلى كسر قوة أتباع كولن، وضعت السُلطات التركية في فبراير 2015 يدها على بنك آسيا، البنك الإسلامي الذي أنشأ في عام 1999 من قِبل أنصار كولن. وكانت حكومة حزب العدالة والتنمية قد منعت في وقتٍ سابق جميع المدارس الإعدادية، في محاولة صريحة لإضعاف شوكة حركة كولن، التي تمتلك ثلث هذه المدارس.
من الواضح أن الرئيس أردوغان، الذي انتخب بنسبة 52% من الأصوات، وحزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي أعيد انتخابه في نوفمبر 2015 بنسبة 49,5% من الأصوات، يملكون اليد العليا في الصراع على السُلطة مع حركة كولن. فبالكاد هناك أي فصلٍ للسلطات في تركيا، فالشرطة والنيابة العامة والقضاة، يفعلون ببساطة ما تتوقعه منهم الحكومة. وفي غضون ذلك، أضر الصراع على السلطة بالديمقراطية، وحرية الصحافة، والشفافية، وسيادة القانون، فلم تعد تتم الإشادة بتركيا في عهد أردوغان باعتبارها ” نموذج للديمقراطية الإسلامية” في الغرب. وتؤكد المفوضية الأوروبية في آخر تقرير مرحلي حول تركيا (10 نوفمبر 2015)، على وجود “اتجاه سلبي عام في احترام سيادة القانون والحقوق الأساسية. بالإضافة إلى قصور كبير أثر على القضاء وكذلك حرية التعبير وحرية التجمع.”