من أنا! لا تسأل الأيام عني
ما أنا إلا سجينٌ انفرادي
“قصيدة من زنزانة”
ألقيّ القبض على الشاعر القطري محمد بن الذيب العجمي، وهو طالب في السنة الثالثة في كلية الآداب في جامعة القاهرة، في 16 نوفمبر 2011 في الدوحة بتهمة إهانة أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والتحريض على نظام الحكم، إذ قد تصل عقوبة التهمة الثانية إلى الإعدام. فقد حُكم على العجمي في الأصل بالسجن مدى الحياة، إلا أنه تم تخفيف الحكم إلى السجن لـ15 سنة بعد الاستئناف. العجمي وهو أبٌ لأربعة أطفال، ولد أصغر أبنائه بينما كان محتجزاً في الحبس الانفرادي. وقال محاميه، نجيب النعيمي، أنّ الدعوى القضائية ذات دوافع سياسية، كما قالت جماعات حقوق الإنسان أنّ المحاكمة نفسها “شابتها مخالفاتٌ حيث عقدت جلسات المحكمة سراً.” وعلاوة على ذلك، أدان نشطاء الحكم باعتباره انتهاكاً لحق العجمي في حرية التعبير.
فقد أشارت منظمة العفو الدولية إلى أن “النيابة العامة في قطر قد تكون استندت في التهم الموجهة الى الشاعر الى قصيدة تتضمن انتقاداً لامير البلاد كتبها في 2010.” وأضافت منظمة القلم الأمريكية (PEN America)، وهي منظمة غير ربحية مكرّسة لتعزيز حرية التعبير، أن القصيدة لم تكن مكتوبة، بل تم إلقاؤها فحسب رداً على شاعرٍ آخر في مناظرةٍ شعريةٍ خاصة بين مجموعة من الأصدقاء في جامعة القاهرة في أغسطس 2010،” وأنه تم نشرها على الشبكة العنكبوتية سراً بعد قيام أحد الحضور بتسجيلها. ومع ذلك، فقد أشار غالبية النشطاء في مجال حقوق الإنسان في الخليج بأن تهم “التحريض لقلب نظام الحكم،” و”إهانة الأمير،” تُعزى تحديداً لقصيدة العجمي الثانية “الياسمين التونسي،” التي كتبها في عام 2011 في سياق الربيع العربي والتي نشرها على موقع يوتيوب. ففي قصيدة “الياسمين التونسي،” عبّر العجمي عن دعمه للثورات، إذ قال ” قلهم في قول من كفنه تشلّه كفه…. كل نصرٍ تستبقه احداث مأساويه.” وتواصل القصيدة ” آه عقبال البلاد اللي جهل حاكمها… يحسب ان العزّ بالقوات الامريكيه.” وعلى الرغم من أنه كان يُشير تحديداً إلى الثورة التونسية، التي اندلعت في أعقاب تضحية محمد بو عزيزي بنفسه في 17 ديسمبر 2010، إلا أن العجمي صبّ جام غضبه تجاه جميع الدول العربية “دون استثناءٍ” في نفس القصيدة:
رددوا والصوت واحد للمصير الواحـد كلنا تونس بوجـه النخبـه القمعيـه
الحـكومات العــربيـة ومـن يحكمهـا كلهـم بـلا استثنـاء حَراميـه
“قصيدة الياسمين التونسي.”
التمست الحكومة القطرية خدمات ثلاث من خبراء الشعر يعملون في وزارة الثقافة والتعليم لتحديد معنى القصيدة، في محاكمةٍ سرية. حوكم العجمي فوراً على أساس “الشهادة شبه المتطابقة.” تسببت هذه الاتهامات بموجة من الانتقادات الدولية، كما طالبت منظمات حقوق الإنسان بإلغاء الحكم. ومع ذلك، بقيّ العجمي صامداً، فقد ألف أثناء احتجازه “قصيدة من زنزانة،” رسم من خلالها صورةً متفائلةً لقضيته:
أخبري أبنائك شرقاً وغرباً
ريثما يشدو على الأغصان شادي
أن شعباً دون رأياَ ليس إلا
كقطيعٍ هائماً في كل وادي
“قصيدة من زنزانة”
“قصيدة من زنزانة،” التي نُشرت على موقع يوتيوب في 25 فبراير 2016، ألقيت في احتجاجٍ أقيم بالنيابة عن العجمي، الذي كان لا يزال يقبع في السجن، من قبل ممثيلن عن Farrago Poetry، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة القلم الأمريكية (PEN America)، أمام السفارة القطرية في لندن. فقد أعلن العجمي صراحةً في القصيدة “إن ذل القيد دون المجد عزا… للأيادي قبل أصحاب الأيادي.”
وعلى الرغم من إدانة الشاعر وتصمميه، حصل على عفوٍ ملكي من الأمير وأطلق سراحه في 15 مارس 2016، بعد أن قضى ثلاث سنوات من الحكم الصادر بحقه بالسجن 15 عاماً. وألمحت صحيفة الجارديان أن العفو كان مرتبطاً بسمعة قطر المقرر استضافتها بطولة كأس العالم لعام 2022، في حين قدمت صحيفة The Art Newspaper نظريةً أكثر قبولاً. فقد اقترحت أنّ العفو جاء “بعد عاصفة من الانتقادات من قِبل جماعات حقوق الإنسان والأمم المتحدة حول حدود حرية التعبير في البلاد، التي تصف نفسها باعتبارها داعمةً للفن. كما أن الإفراج عن الشاعر جاء في أعقاب انتهاء المؤتمر الدولي السنوي الذي نظمته صحيفة نيويورك تايمز في الدوحة بعنوان “الإبداع الفني لأجل الغد،” وقبل أيامٍ من استضافة العاصمة القطرية لمؤتمر معهد الصحافة العالمي يوم السبت.”
وعلى الرغم من الإفراج عن العجمي، إلا أن الرقابة والاضطهاد ضد الفنانيين في الخليج لا يزال مستمراً. فعلى سبيل المثال، اتهمت الشاعرة البحرينية ذات العشرين ربيعاً، آيات القرمزي، في مارس 2011 بإهانة الأسرة الحاكمة. وعلى الرغم من إطلاق سراحها من السجن في شهر يوليو، إلا أنها لا تزال تحت الإقامة الجبرية. تمثلت جريمتها في إلقاء قصيدةٍ مناهضة للحكومة في دوار اللؤلؤة في المنامة، مركز الحراك الشعبي في شوارع العاصمة إلى أن دمرته الحكومة، حيث قالت في قصيدتها “نحنُ شعبٌ يقتل الذل ويغتال التعاسه… نحنُ شعبٌ يهدمُ الظلمَ بسلمٍ من اساسه… نحن شعبٌ لا نريد الشعب يبقى في انتكاسه.”
أو على سبيل المثال يمكن النظر إلى مصير أشرف فياض، وهو فلسطينيّ نشأ في المملكة العربية السعودية. ففي 17 نوفمبر 2015، اتهمته السُلطات السعودية بالردة، التي تستوجب عقوبة الإعدام. وأشارت الدعوى القضائية الأصلية إلى تعليقاتٍ أدلى بها في أحد المنتديات على شبكة الانترنت، بالإضافة إلى شكوى محددة فيما يتعلق بمجموعته الشعرية بعنوان “التعليمات بالداخل،” والتي نُشرت في عام 2008. فقد زُعم أن إحدى القصائد في المجموعة أظهرت إلحاد الشاعر وتخليه عن الإسلام. كما اتهم أيضاً باستخدام قصائده للترويج للإلحاد. وفي حين ألغي الحكم الصادر بحقه بالإعدام في شهر فبراير 2016، اتهم فياض في وقتٍ لاحق بـ”إقامة علاقاتٍ مشبوهة مع الجنس الآخر.” حُكم عليه بالسجن لمدة 8 سنوات و800 جلدة. وبناءً على هذا، وحتى مع صدور العفو الملكي، لا تزال كلمات العجمي وثيقة الصلة بالموضوع أكثر من أي وقتٍ مضى:
السؤال اللي يؤرّق فكـرة المتسائـل لن يجد اجابته من كم جهـة رسميـه
دامها تستورد من الغرب كل أشيـاءه ليه ماتستورد القانـون والحريـه
“قصيدة الياسمين التونسي.”