يعتبر سعود سلطان القاسمي من المفارقات، فهو أحد أعضاء العائلة المالكة التي تحكم إمارة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، كما أنه أيضاً أحد المعلقين السياسيين الرئيسيين في الاتحاد ومن بين أكثر مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي شهرةً في الشرق الأوسط، مع أكثر من نصف مليون متابع على تويتر، و80 ألف معجب على الفيسبوك وحوالي 21 ألف على الانستغرام.
ازدادت شهرته خلال الانتفاضات التي اجتاحت المنطقة منذ عام 2011. وفي مقابلةٍ أجريت معه مؤخراً، قال عن الاضطرابات “كنت مأخوذاً بالكامل بما يحدث، ولا يزال جزء مني مأخوذا بها.” وفي بعض الأحيان، يتذكر تغريده على موقع تويتر كل 45 ثانية، وترجمة خطابات القادة العرب، حتى أن الأمر دفعه في إحدى المرات إلى القيام ببثٍ مباشر عبر تويتر لآخر الأخبار خلال حفل زفافٍ عائلي. “أصبحت خارج التغطية بالكامل.”
فهو أولاً وقبل كل شيء، رجلٌ محبٌ للفنون، إذ أنه مؤسس مؤسسة بارجيل للفنون ومقرها الشارقة، وهي مبادرة مستقلة للترويج لأعمال الفنانين العرب من خلال بناء مجموعة فنية بارزة يمكن للجمهور الوصول إليها.
يعزو حبه للفن والثقافة إلى طفولته في الشارقة، فهو يؤمن أن الإمارة كانت سبّاقة فيما يتعلق بالاستثمار في الثقافة، فقد تم تنظيم أول معرضٍ للكتاب هناك عام 1982، أي بعد أربع سنواتٍ من ولادته، إذ كان يقوم بزيارته بشكلٍ منتظم. كما لعبت مسرحيات شكسبير التي قدمت في الإمارات العربية المتحدة وأيضا تأسيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية عام 1980، دوراً في حبه للفن. وبعمر الـ16، انتقل القاسمي إلى باريس وعاش هناك 4 سنوات، حيث صقل تذوقه للفن والثقافة في متاحف المدينة ومعارضها ودور الأوبرا.
تولد شغفه بالسياسة في بلدٍ تصنفه منظمة فريدوم هاوس، وهي منظمة رقابة مستقلة، ضمن المراتب المتدنية في تصنيفات حرية التعبير والحقوق المدنية والسياسية، في وقتٍ متأخر. فقد وضعته الانتفاضات العربية ونشر آخر مستجداتها في حينه في قلب الاضطرابات، وبخاصة عندما لعب دور الناشط.
ففي أكتوبر 2013 على سبيل المثال، أشعلت دعوته للإمارات العربية المتحدة النظر في السماح للوافدين التقدم بطلب الحصول على الجنسية جدلاً حول الهوية الوطنية في بلدٍ يفوق فيه عدد الأجانب أعداد السكان المحليين بأكثر من خمسة إلى واحد. وقال في مقالٍ للرأي نشرته صحيفة يومية في دبي، اقترح فيه فتح أبواب المواطنة للمقيمين الأجانب الذين أمضوا فترةً طويلة في البلاد وممن ساهموا بشكلٍ كبير في المجتمع، ان الإماراتيين باتوا مستعدين للتغيير.
وقد أشار الاحتجاج اللاحق على المقال أنّ العديد من مواطنيه يشعرون بخلاف ذلك. وسرعان ما تحول وسم (هاشتاغ) بالعربية على تويتر بعنوان “كاتب لا يمثلني” إلى العشرات من التغريدات الغاضبة. فقد اتهم القاسمي بتملق الوافدين على حساب بلاده. كما انزعج الكثيرون من كتابته المقال باللغة الانجليزية، مفترضين أنه يتوجه إلى جمهورٍ أجنبي عوضاً عن مخاطبة المواطنين الإماراتيين في دياره.
وبعد ثلاث سنوات، اقترح الشيخ محمد بن راشد، رئيس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة وحاكم دبي، “المرحلة المقبلة من التنمية،” قائلاً انها تتطلب “وجهات نظرٍ جديدة ومبتكرة وأفكاراً متنوعة لدفع عجلة النمو.” وفي فبراير 2017، وافقت حكومة الإمارات العربية المتحدة على نظام تأشيرات جديد يسمح للمتقدمين ذوي الكفاءات بطلب الحصول على الإقامة الدائمة، في خطوة نحو “التجنيس” الممكن كما ألمح الشيخ خلال القمة العالمية للحكومات التي عقدت في دبي في ذلك الشهر.
من الناحية الفنية، يجعل هذا اقتراح القاسمي قبل أربع سنوات تقدمياً وثورياً. بيد أن الرجل لم يعد له وجودٌ على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يطرح سؤال: ماذا حصل؟
فصفحته على الفيسبوك، التي كانت من بين الأكثر نشاطاً بين المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة، تم تحديثها آخر مرة في 12 يونيو 2017، إذ كان آخر منشور له “تأكد من أنك لا تزال كما أنت عندما ينتهي كل شيء.”
وكتب في منشورٍ له في 9 يونيو أن الوضع في منطقة الخليج متوترٌ إلى الحد الذي إذا ما كتبت فيه أو نشرت مقالاً يؤيد “الدعارة وحقوق المثليين والإلحاد والماريجوانا والزواج المدني والقمار وحرية الصحافة والإفراج عن السجناء السياسيين، والديمقراطية الدستورية وإلغاء عقوبة الإعدام،” لن يلاحظ أحد، إذ كان يُشير إلى الأزمة الخليجية الحالية بين قطر و”الرباعية العربية” (الإمارات العربية المتحدة والسعودية والبحرين ومصر)، التي تتهم قطر بدعم ”الإرهاب“.
وقبل يومٍ واحد، نشر أن حسابه كان، على مدى العقد الماضي، مفتوحاً أمام الجماهير، مما يسمح للجميع بالتعليق على المحتوى الذي يشاركه ويكتبه. كما عبر عن حزنه لاضطراره منع التعليق لـ”غير الأصدقاء بسبب قوانين الجرائم الإلكترونية الأخيرة.” وقال ان لديه الكثير ليقوله وانه يأمل بأن يقوله علناً وليس خلف الأبواب الموصدة.
وفي مقالٍ نشرته صحيفة نيوزويك في 5 يونيو2017، كان القاسمي أول من “توقع” أن تطالب دول الخليج بالإغلاق الكامل لشبكة الجزيرة المملوكة لقطر قبل أن تتم أي وساطة. ومع ذلك، لربما كان “توقعه” محاولةً، بشكلٍ أو بآخر، نقل رسالة.
ومنذ ذلك الوقت، أزيل المقال من الموقع الإلكتروني لصحيفة نيوزويك.
كما صمت القاسمي أيضاً على تويتر. وقال مصدرٌ مقرب منه أن الأزمة الخليجية لربما تكون السبب وراء عدم تفاعله على وسائل التواصل الاجتماعي بعد اليوم.
وبعد بضعة أشهرٍ من الصمت على وسائل التواصل الاجتماعي، أجرى القاسمي مقابلةً مع منصة Emerge85. تناولت المقابلة عناصر ومراحل مختلفة من حياته، بما في ذلك نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن يبقى سؤالٌ واحدٌ دون إجابة: لمَ الصمت؟
قال القاسمي انه انضم إلى تويتر لأول مرة عام 2008 بناءً على نصيحة أحد أصدقائه، وبدأ بمشاركة المقالات التي كان يكتبها في صحيفة ذا ناشونال، وهي صحيفة يومية باللغة الانجليزية ومقرها أبوظبي، إذ قال “بدأت أشعر بتأثير تويتر لأول مرة عندما بدأت بتلقي دعواتٍ للقاء العديد من المؤثرين في الإمارات. بعد قراءة مقالاتي على تويتر، تواصلوا معي للحصول على المشورة ببعض الأمور. لم يسبق أن تواصلت مع الحكومة بمثل هذه الطريقة من قبل.”
وفي هذه الأيام، يُركز القاسمي طاقته على مؤسسة بارجيل للفنون. ومن خلال المؤسسة، أقام معارض في كل مكان، من الشارقة إلى تورنتو، ويظهر بشكلٍ منتظم على شاشة التلفزيون، والإذاعات، وفي الدوائر العامة. كما أنه زميل المدير في المختبر الإعلامي لمعهد ماساتشوستس للتقنية.
وفي الوقت الراهن على الأقل، يبدو أن أيامه على وسائل التواصل الاجتماعي ونشاطه بات من الماضي. وإذا ما تم حل أزمة الخليج، قد يعود إلى التغريد بحرية مجدداً.