وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هل يستطيع الفلسطينيون تحمّل الأزمة في لبنان متعددة الأوجه

الفلسطينيين
أطفال يلعبون كرة قدم الطاولة في مخيم البص للاجئين الفلسطينيين في مدينة صور الساحلية الجنوبية. Photo: Mahmoud ZAYYAT / AFP

صوفيا أكرم

دمر الانفجار الذي هز مرفأ بيروت في أغسطس 2020 العاصمة اللبنانية مما فاقم عواقب الأزمة الإقتصادية في ظل جائحة كورونا. فقد دفعت هذه الكارثة الجديدة أكثر من نصف السكان دون عتبة الفقر، وبالنسبة للفلسطينيين في لبنان على وجه الخصوص، فاقم ذلك من أوضاعهم الهشة التي تعد حصراً سمةً من سمات هذا المجتمع.

وبحسب الشبكة، وهو مركز أبحاثٍ سياسي يركز على الفلسطينيين، يعدّ تأثير الأزمة متعددة الأوجه على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان قاسيا.

نجم الانفجار الذي هزّ المرفأ في الرابع من أغسطس عن مستودعٍ في الميناء خُزّنت فيه مواد كيميائية متفجرة تركت تتعفن لسنوات. أسفر الانفجار عن مقتل 188 شخص وجرح 6 آلاف، إلى جانب عددٍ من المفقودين، كما تضررت 47 ألف شقة وتأثر 300 ألف نسمة من جراء الانفجار. بالمجمل، تجاوزت الأضرار ما قيمته 15 مليار دولار.

تضررت أحياء شهيرة مثل الجميزة والكرنتينا ومار مخايل وجعيتاوي والقديس نقولا وزقاق البلاط ووسط المدينة، كما تضررت البنية التحتية الحيوية مثل المستشفيات والمدارس والمرافق الصحية.

ألقى الكثيرون باللوم في الانفجار على إهمال الحكومة في حين تخلل سوء الإدارة والفساد بالفعل دعواتٍ للإصلاح وأشعل احتجاجاتٍ حاشدة وسط أزمات مالية ولدت من رحم واحدٍ من أعلى معدلات الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم. فقد كانت الأوضاع بالفعل صعبة للغاية حتى قبل أن تضرب جائحة كورونا العالم.

تمثل تأثير الانفجار بإرتفاعٍ حادٍ في معدلات الفقر، حيث أفادت لجنة الأمم المتحدة الإجتماعية والإقتصادية لغرب آسيا (الإسكوا) أن أكثر من نصف السكان باتوا يعيشون اليوم تحت خط الفقر مقارنةً بالثلث في عام 2019. ويشكل الغذاء على وجه الخصوص مشكلةً متأزمة ذلك أن ما نسبته 80% إلى 85% منه يصل البلاد على شكل واردات. واليوم، لا يوجد سوى ميناءٌ واحد يعمل بثلث قدرة بيروت، بينما دمرت واحدة من أكبر صوامع القمح في البلاد.

عقّد الانفجار الآثار المترتبة على الفئات المستضعفة مثل النساء والأطفال وكبار السن ومجتمع المثليين ومجتمعات اللاجئين. فقد نجا بعض اللاجئين بالفعل من تجارب مؤلمة مثل الحرب في سوريا، بل تأثر أيضاً اللاجئون الفلسطينيون الذي يعيشون في لبنان منذ سنوات على نحوٍ متفاوت بسبب الانفجار والأزمة الإقتصادية والقيود التي فرضتها جائحة كورونا في ظل عدم إستقرار الأوضاع الحالي.

ومن الجدير بالذكر أن ما يقرب من نصف مليون لاجىء مسجلون لدى وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، الأونروا، في لبنان، حيث يعيش 45% منهم في 12 مخيماً في البلاد تشتهر بسوء الأحوال المعيشية والاجتماعية والاقتصادية، ويرجع ذلك جزئياً إلى إختزال الحكومة لوجود اللاجئين الفلسطينيين في لبنان باعتباره وجوداً مؤقتاً.

وبحسب إستطلاعٍ أجري عام 2015 وجد أن 65% من الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر حيث تصل نسب البطالة بين أوساطهم إلى 56%.

Sabra camp
جنود من الجيش اللبناني يجوبون حي صبرا في بيروت حيث لا يزال يعيش العديد من اللاجئين الفلسطينيين، في ظل الإجراءات التي تم اتخاذها بالتنسيق مع قوات الأمن الفلسطينية لإغلاق جميع المحال التجارية في محاولة للحد من انتشار فيروس كورونا، في 22 مارس 2020. Photo: ANWAR AMRO / AFP

علاوةً على ذلك، يُحرم الفلسطينيون في لبنان من حقوق معينة، مثل منعهم من العمل في وظائف محددة أو إمتلاك العقارات. ولكونهم لا يحملون جنسية، فهم يفتقرون أيضاً لحقوق يتمتع بها بعض الأجانب الآخرين في لبنان.

بالإضافة إلى ذلك، يعاني اللاجئون الفلسطينيون الذي حضروا إلى لبنان من سوريا من ألمِ مضاعف بنزوحهم مرتين. وعليه، يتلقى حوالي 29 ألف لاجىء فلسطيني من سوريا مساعداتٍ من الأونروا، بما في ذلك المساعدات النقدية. كما وجد مسح عام 2015 أن حوالي 90% من لاجئي فلسطين من سوريا يعيشون في فقر.

وفي حين أن الانفجار لم يمس فعلياً المخيمات، إلا أن هذه الأزمة متعددة الأوجه زادت من صعوبات توزيع المساعدات الغذائية والنقدية. وبحسب المحللين، شهدت هذه الإتجاهات التي تؤثر على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ارتفاعاً واضحاً منذ عام 2015.

ومنذ وقوع الانفجار، تم تسريح العديد من العمال في لبنان بينما تم طرد الموظفين غير اللبنانيين، وخاصة العمال الفلسطينيين، في قطاعات مثل الزراعة والإنشاءات. كما أن ضعف الليرة اللبنانية وصعوبات تلقي التحويلات من أفراد الأسر في الخارج يزيد تأثير الإفقار الحاصل.

وأيضاً تراجعت خدمات الأونروا وسط تناقص المساعدات على الرغم من الحاجة المتزايدة لخدماتها – فهي تعمل الآن وسط عجز مالي. فقد جاء وقع تأثير الأزمة اللبنانية متعددة الأوجه في خضم أزمة الأونروا المالية منذ أن أوقفت الولايات المتحدة الأمريكية إلتزاماتها المالية تجاه الوكالة.

ونتيجةً لذلك، أوقفت الوكالة بعض خدماتها، مما أدى إلى تعميق محنة اللاجئين الفلسطينيين الذين يعتمدون على خدمات الأونروا التعليمية والغذائية والرعاية الصحية، من بين أمورٍ أخرى. كما تشير التقارير إلى تعاظم الاضطرابات الاجتماعية والنفسية بين الشباب الفلسطيني في المخيمات، مما يجعلهم عرضة للتجنيد من قبل الجماعات المتطرفة.

وفي هذا الصدد، تقول مديرة مؤسسة التعاون في لبنان، وهي مؤسسة خيرية تُعنى بدعم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، سوسن المصري، “يتمثل التأثير الإجتماعي الرئيسي بالتداعيات من إرتفاع معدلات الفقر.”

وأضافت “إن انعدام الأمن الغذائي، والتسرب من المدرسة، والبطالة أو العمالة غير المستقرة، ونقص الحماية الاجتماعية، والعنف والجريمة، وانتشار السلوكيات المحفوفة بالمخاطر بما في ذلك المخدرات وآليات التكيف السلبية، جميعها أعراض وعواقب نشهدها لمزيدٍ من الحرمان.”

كما وردت تقارير عن حركة نزوحٍ أخرى من لبنان على متن قوارب متجهة إلى أوروبا، التي قد تتضمن فلسطينيين على متنها.

وكما ذكر لنا جابر سليمان، كاتب الدراسة الموجزة على الشبكة، بأن العديد من العوامل تؤثر على رغبة الفلسطينيين في الهجرة من لبنان.

“السبب الرئيسي هو التمييز [في لبنان]. يمكننا أيضاً أن نضيف إلى ذلك حالة عدم اليقين بشأن المستقبل. عملية السلام المتوقفة… هناك العديد من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تشجع الشباب على الهجرة،” على حد تعبيره، “لذا لدينا تكاليف نزوح جديدة.”

وفيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين من سوريا، فقد وجهت الحكومة اللبنانية بالفعل أنظارها نحو إعادتهم إلى ديارهم، واليوم، في ظل ضغوطاتٍ أكبر، يتبادر للعيان مرةً أخرى التضحية باللاجئين ككبش فداء باعتباره رد فعل الحكومة.

ولتحمل الجزء الأكبر من العمل الشاق في ظل رد الفعل الرسمي وندرة التمويل، مدت العديد من الجماعات الفلسطينية يد العون للمساعدة في مجال الرعاية الصحية والتعليم والمساعدات النقدية بمن فيهم السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، إلا أن المجتمع المدني لعب الدور الأكبر، وفقاً للشبكة، في خدمة الفئات الأكثر هشاشةً.

فعلى سبيل المثال، قامت فرق الدفاع المدني المختلفة باتخاذ تدابير لوقف انتشار العدوى عند مداخل المخيمات. كما كانت هناك أيضاً جهودٌ لجمع التبرعات مثل بيع كمامات مستوحاة من الكوفية الفلسطينية فضلاً عن جهود الإنقاذ بعد الانفجار.

وقامت الأونروا بجمع أموال طارئة من خلال نداءاتٍ عاجلة بلغت قيمتها حوالي 25 مليون دولار خلال فصلي الربيع والصيف لتلبية الاحتياجات العاجلة.

ومن الجدير بالذكر أيضاً أنه تتم إدارة احتياجات الرعاية الصحية من خلال لجنة صحية مشتركة تضم وكالات الأمم المتحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني ومنظمة أطباء بلا حدود والعديد من منظمات المجتمع المدني المحلية.

وتماماً مثلما تمثلت الإستجابة في لبنان بمزيجٍ من الجهود بين المجتمع والحكومة والمجتمع المدني، حصل اللاجئون الفلسطينيون في لبنان أيضاً على استجابةٍ معقدة.

ولمساعدة المجتمع على تحمّل الأزمة، تقول الشبكة أنه لا تزال هناك حاجة إلى نداءات طوارىء قصيرة الأجل لضمان تلبية الإحتياجات الفورية من قبل المانحين، بما في ذلك اللاجئون الفلسطينيون في خطط الإستجابة الطارئة للبنان.

كما تبرز الحاجة إلى شبكات أمانٍ إقتصادية- اجتماعية على المدى المتوسط للمساعدة في حماية حقوق الفلسطينيين في لبنان. وفي الوقت نفسه، تدعو الجماعات الحكومات اللبنانية إلى تبني “سياسة مسؤولة وشفافة تجاه اللاجئين الفلسطينيين.”

وبحسب ما قالته المصري لفَنَك، “في السنوات الأخيرة، اعتبر لبنان اللاجىء الفلسطيني خارج نطاق دعمه أو قلقه وتركه بالكامل للأونروا والمجتمع المدني الناشط في المخيمات.”

وتضيف أن عدداً من الهيئات معنية بقضايا اللاجئين الفلسطينيين، من بينها لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، على الرغم من أن دورهم يتركز بشكلٍ أساسي على المناصرة ورفع الصوت الفلسطيني داخل الحكومة.

وتقول المصري في هذا الصدد “قد يفترض المرء أنه لن يطرأ تغيير كبير خاصة في ظل هذه الظروف التي يمر بها لبنان.”

وأضافت “إن أفضل وسيلة لحماية احتياجات الفلسطينيين هي من خلال منحهم حقوق مدنية متساوية – على غرار اللبنانيين ومثل نظرائهم في سوريا،” وتابعت القول “إلى جانب نزع الطابع السياسي عن احتياجاتهم الإنسانية والاجتماعية والتنموية.”