وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المخيمات الفلسطينية في لبنان

لاجئة فلسطينية في لبنان. Photo Anadolu Agency

عندما زارت فلورا ويليامسون، وهي ناشطة في جمع التبرعات لـ”جمعية العون الطبي الفلسطيني،” برنامج إحدى المنظمات غير الحكومية العاملة في لبنان في ديسمبر 2014، وثقّت زيارتها بمنشورٍ على إحدى المدونات، إذ كتبت “نقاط تفتيشٍ عسكرية. قيودٌ على حرية الحركة. تمييز منهجي،” مُدرجةً “ملاحظاتها من الميدان.”

عادةً ما يربط الناس هذه الخصائص بحياة الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، إلا أنّ ويليامسون اكتشفت في رحلتها أن هذه الظروف تنطبق أيضاً على لبنان.

وتماماً كما هو حال الدول المجاورة، كان لبنان وجهةً للاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948، فيما عُرف بـ”الخروج الفلسطيني” أو “النكبة.” ومع ذلك، يمنح القرار رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي تم التصويت عليه في نفس العام، الفلسطينيين الحق في العودة إلى ديارهم إذا ما أرادوا “العيش في سلامٍ مع جيرانهم.” ونتيجةً لذلك، عرّفت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، اللاجئين الفلسطينيين بـ”أولئك الأشخاص الذين كانوا يقيمون في فلسطين خلال الفترة ما بين الأول من يونيو 1946 وحتى 15 مايو 1948، والذين فقدوا بيوتهم ومورد رزقهم نتيجة حرب 1948.” ويشتمل تعريف الأونروا للاجىء أيضاً على أحفاد اللاجئين الذكور.

مخيمات اللاجئيين الفلسطينيين في لبنان. Photo UNRWA

ومن بين الـ58 مخيماً المعترف بهم رسمياً من قِبل الأونروا للاجئين الفلسطينيين، يستضيف لبنان ما مجموعه 12 موقعاً و449,957 لاجئاً مسجلاً. المخيمات، التي بُنيت بشكلٍ منهجي، في مراحل مختلفة من الزمن، هي كالآتي: مخيم البداوي (أسس عام 1955، ويستضيف أكثر من 16,500 لاجىء مسجل)، ومخيم برج البراجنة (أسس عام 1948، ويستضيف أكثر من 17,945 لاجىء مسجل)، ومخيم البرج الشمالي (أسس عام 1955، ويستضيف أكثر من 22,789 لاجىء مسجل)، ومخيم ضبية (أسس عام 1956، ويستضيف أكثر من 4,351 لاجىء مسجل)، ومخيم عين الحلوة (أسس عام 1948، ويستضيف أكثر من 54,116 لاجىء مسجل)، ومخيم البص (يُستخدم منذ عام 1939، ويستضيف الفلسطينيين منذ عام 1948 مع وجود أكثر من 11,254 لاجىء مسجل اليوم)، ومخيم مار إلياس (أسس عام 1952، ويستضيف حوالي 662 لاجىء مسجل)، ومخيم المية مية (أسس عام 1954، ويستضيف أكثر من 5,250 لاجىء مسجل)، ومخيم نهر البارد (أسس عام 1949، ومنذ يناير 2014، يستضيف 1,321 أسرة، أي 5,857 نسمة)، ومخيم الرشيدية (أسس عام 1963، ويستضيف أكثر من 31,478 لاجىء مسجل)، ومخيم شاتيلا (أسس عام 1949، ويستضيف أكثر من 9,842 لاجىء مسجل)، ومخيم الويفل (أسس عام 1952، ويستضيف حوالي 8,806 لاجىء مسجل).

ووفقاً لتقارير الأونروا فإن نصف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بعمر الـ25 عاماً أو أقل، وبالتالي فإن غالبية السكان من الشباب. وبالإضافة إلى ذلك، فإن حوالي 62% من اللاجئين من سكان المخيمات، في حين أنّ الـ38% المتبقية متفرقين في أنحاء البلاد أو يُقيمون في تجمعاتٍ في محيط هذه المخيمات، إلا أنهم ليسوا جزءاً من الإتفاق الرسمي ولا يتلقون نفس الخدمات التي يحصل عليها اللاجئون المسجلون.

وفي عام 2016، خفضّت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى مواقع متراصة ومكتظة مع عدم وجود مساحاتٍ مفتوحة. فالعديد من المخيمات هي مجرد شبكاتٍ ضيقة من الأزقة، إذ أنها ضيقة جداً بحيث لا يمكن لأي مركبة السير داخلها ولا يمكن الوصول إليها سوى للمشاة. وفي بعض المناطق، تبعد المباني عن بعضها البعض أقل من متر واحد، مما يجعل المخيمات غارقةً في الظلام وتفتقر إلى أشعة الشمس، مما يؤثر بشكلٍ مباشر على صحة السكان- سيما الأطفال والحوامل، فالخصوصية في هذه المخيمات معدومةٌ بالمُطلق. وعلاوةً على ذلك، فإن تنقلات الفلسطينيين محكومة بالكثير من القيود، بما في ذلك نقاط التفتيش التابعة للجيش اللبناني على مداخل ومخارج المخيمات المذكورة آنفاً.

ومع عدم وجود أماكن للعب الأطفال، ولا خصوصية للبالغين، فضلاً عن القيود المفروضة على حرية التنقل، والقيود على العدد من الحقوق (والتي سنذكرها لاحقاً)، يُمنع اللاجئون الفلسطينيون في لبنان ببساطة من عيش حياتهم كأي مُقيمٍ آخر أو مواطن في البلاد. ومع المزيد من القيود المفروضة على الهجرة والسفر، يبدو أنهم عالقون طي النسيان.

فقد ساهمت السياسة الطائفية في لبنان بواقع الحياة التي يواجهه اللاجئون الفلسطينيون في المخيمات على أساسٍ يومي. فالصيغة الطائفية لتقاسم السُلطة اللبنانية تستلزم أن يكون رئيس الجمهورية مسيحي ماروني؛ ورئيس الوزراء مسلم سُني، ورئيس مجلس النواب مسلم شيعي، في الـ”ترويكا” الحاكمة التي تمثل الحركات الدينية الثلاث الرئيسية في البلاد. وبالتالي، منذ بدء تدفق اللاجئين في عام 1948، كان هناك إجماعٌ مباشر بين الفصائل السياسية والطائفية اللبنانية المختلفة، أن الشعب الفلسطيني، بأغلبيته الساحقة من السُنة، لا يمكن أبداً أن يُمنح حقوقاً مدنية خوفاً من أنّ أعدادهم ستتطفل على التوازن الطائفي لصالح الطائفة السُنية من اللبنانيين، الكبيرة بالفعل في البلاد.

فالقانون اللبناني والقرارات الوزراية التي لا تعد ولا تحصى، تحرم اللاجئين اليوم من الحق التلقائي بالضمان الاجتماعي، أو بالعمل أو حتى الإنضمام إلى أي اتحاد. فاللاجئون الفلسطينيون في لبنان لا يتمتعون بحق المواطنة ويعتبرون أجانب أو مواطنين أجانب. ومع ذلك، لا يتلقّون نفس المعاملة التي يحظى بها الأجانب. بالإضافة إلى ذلك، يُحظر على الفلسطينيين في لبنان ممارسة 70 مهنة، من بينها جميع الوظائف في مجالات الطب والقانون والهندسة والصيدلة.

كما أنهم ممنوعون من استملاك الأراضي والعقارات. ومع ذلك، أفاد مركز “بديل”- المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين– أنه في خمسينيات القرن الماضي، حصل “عدد قليل جداً” من اللاجئين، معظمهم من الفلسطينيين المسيحيين، على الجنسية اللبنانية في ظل رئاسة كميل شمعون (1952-1958)، من أجل الحفاظ على التوازن بين المسلمين والمسيحيين في البلاد. وعلى صعيدٍ آخر، فقد صوّت لبنان ضد قرار الجمعية العامة رقم 194، والذي ينص على حق العودة للفلسطينيين، إذ جاء رفض لبنان لهذا القرار، ليس لمجرد كونه موقفاً مبدئياً للمؤسسة السياسية، بل فُسر بشكلٍ أساسي بالقلق والخوف من خطط التوطين.

ولا يزال الناس يرون في مخيمات اللاجئين تهديداً أمنياً، وذلك بعد فترة طويلة من إجبار مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية على الخروج من البلاد، خلال الاجتياح الاسرائيلي لبيروت عام 1982، إلى تونس حيث أنشأت منظمة التحرير فيما بعد مقرها الجديد. وفي سبعينيات القرن الماضي، وبعد أحداث أيلول الأسود في الأردن، عندما خاضت منظمة التحرير الفلسطينية حرباً أهلية ضد القوات المسلحة الأردنية وخسرت، انتقل غالبية المقاتلين الفلسطينيين من الأردن إلى لبنان تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية. وخلال الحرب اللبنانية عام 1982، حمل مقاتلوا منظمة التحرير االفلسطينية السلاح وحاربوا اسرائيل من لبنان إلى جانب حلفاء لبنانيين. فقد كانت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين مسارح لعدة هجماتٍ دامية وجرائم ومجازر خلال تلك الفترة.

فتصور أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت أحد الأسباب المباشرة للحرب الأهلية اللبنانية ما يزال الرواية الطاغية اليوم، وبخاصة بين الموارنة اللبنانيين، الذين كمسيحيين، لطالما كانوا الطائفة المنافسة للفلسطينيين منذ فترةٍ طويلة. وفي أعقاب الاجتياح الاسرائيلي لبيروت وطرد منظمة التحرير الفلسطينية، ارتكبت الميليشيات المسيحية اللبنانية، تحت أعين الجيش الاسرائيلي، مجزرةً شائنة في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين في الفترة ما بين 16 إلى 18 سبتمبر من عام 1982، مما أسفر عن مقتل الآلاف من الفلسطينيين واللبنانيين الشيعة.

وفي عام 1985، وبعد الإنسحاب الاسرائيلي، تحوّلت الحرب إلى صراعٍ أهلي فيما عُرف بـ”حرب المخيمات.” فقد قامت حركة أمل الشيعية، بدعمٍ من القوات السورية، بمحاصرة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في بيروت في محاولةٍ للسيطرة على مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة في المدينة. وفي مايو من نفس العام، سقط مخيم صبرا وغالبية مخيم شاتيلا في أيدي الحركة، في حين بقيّ مخيم برج البراجنة تحت الحصار. وحتى اليوم، لا تزال أعداد القتلى غير مؤكدة، إلا أن المرجح أن أعداد الفلسطينيين القتلى كان مرتفعاً، إذ كانوا أقل عدداً وعتاداً من مقاتلي حركة أمل.

وفي عام 2007، شهد مخيم نهر البارد في شمال البلاد كارثةً كبرى. ففي صيف ذات العام، استولت جماعة إسلامية متشددة غير فلسطينية تُعرف باسم فتح الإسلام، على المخيم وأعلنت العداء الصريح للحكومة اللبنانية. عانى المخيم من ثلاثة أشهر من القتال بين الجيش اللبناني وفتح الإسلام. وفي نهاية المطاف، دمرت المعارك المستمرة المخيم، إذ بات غير صالحٍ للسكن. فقد دفع اللاجئون الفلسطينيون الذين كانوا يعيشون في مخيم نهر البارد ثمناً باهظاً، أولها النزوح، ولكن أيضاً ما نتج عن ذلك من مضايقاتٍ تعرضوا لها فيما بعد من قِبل قوات الأمن والشعب اللبناني.

واليوم، يمكن رؤية نقاط تفتيش الجيش اللبناني المدججة بالسلاح عند مداخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين مثل مخيم نهر البارد وعين الحلوة. وتتمثل إحدى وظائفهم بمنع اللاجئين من إدخال مواد البناء إلى المخيم؛ وهذا يشمل كل ما من شأنه تحسين ظروف السكن المتردية وأسلوب حياة اللاجئين. ومع تزايد أعداد الفارين من أعمال العنف في سوريا وطالبي اللجوء في لبنان، أصبح الوضع المعيشي في المخيمات يزداد سوءاً.

ففي نوفمبر 2016، شرعت الحكومة اللبنانية ببناء جدارٍ حول مخيم عين الحلوة، أكبر مخيمات البلاد، من أجل “منع الجهاديين من التسلل،” وفقاً لمصادر عسكرية لبنانية. بررت الحكومة اللبنانية بناء الجدار باعتباره مجرد إجراءٍ أمني، بعد أن ألقت قوات الأمن القبض على إرهابيين فارين لجأوا إلى المخيم في وقتٍ سابقٍ من العام. ومع ذلك، أوقف العمل على بناء الجدار بعد احتجاجاتٍ من سكان المخيم والفصائل الفلسطينية.

وحتى الآن، يعيش أكثر من 61 ألف لاجىء فلسطيني في مخيم عين الحلوة، بما في ذلك 6 آلاف شخص فروا من الحرب في سوريا، وذلك وفقاً لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا).

Advertisement
Fanack Water Palestine