وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حركات المرأة في شمال إفريقيا بعد الربيع العربي

Muslim-Brotherhood-reduce-the-minimum-legal-age-for-marriage
نساء يتظاهرن في الشوارع ضد اقتراح الإخوان المسلمين الحاكم بتخفيض الحد الأدنى للسن القانونية للزواج دون 18 عاما، القاهرة، مصر، 18 مارس 2013. Photo Gary Calton /eyevine

إزدهرت حركات حقوق المرأة إلى حدٍ كبير في شمال إفريقيا قبل الربيع العربي: في مصر (عشرينيات القرن الماضي)، وفي المغرب (أربعينيات القرن الماضي)، وفي الجزائر (سبعينيات القرن الماضي)، وفي تونس (ثمانينيات القرن الماضي)، وفي موريتانيا (ثمانينات القرن الماضي). ناضلت هذه الحركات من أجل التمتع بالقوة في نظامٍ قائمٍ على سُلطة الرجل، ونجحت في إختراق مجالات السلطة العامة، سيما المجتمع المدني.

وعلى الرغم من بعض الإنتكاسات، إلا أنّ هذه الحركات تمكنت من تحقيق مكاسب تعليمية واجتماعية وسياسية وقانونية غاية في الأهمية. ومنذ أواخر السبعينيات فصاعداً، أدى نجاح الثورة الإيرانية (1979)، وانهيار الإتحاد السوفياتي (1991)، وظهور الولايات المتحدة، فيما بعد، كقوةٍ عظمى، إلى ظهور “الإسلام السياسي.” نتج عن ذلك وضعٌ معقد صنّف أصوات النساء إما بـ”العلمانية،” أو “الإسلامية.” وهذا يدفعنا إلى طرح سؤالٍ ملح: ماذا حصل لكل هذا في أعقاب الربيع العربي؟

وضع متناقض

ظهرت مفارقتين رئيستين منذ إنتفاضات عام 2011. فمن ناحية، كان هناك وجود مذهل للنساء من جميع الأعمار، والأيديولوجيات، والأعراق، والأوضاع الإجتماعية في الشوارع خلال مراحل التعبئة السياسية للإنتفاضات (تم توثيق ذلك بشكلٍ جيد من جميع وسائل الإعلام)؛ ومن ناحيةٍ أخرى، تم إستبعاد هؤلاء النساء من مناصب صنع القرار بعد الإنتفاضات. وبصفتهنّ محركات وفاعلات سياسات، فاجأت النساء العالم بمواجهتهنّ لإطلاق النار، وتأثيرهنّ الناجح على وسائل التواصل الاجتماعي، وضغطهنّ الفعال من أجل إجراء إنتخاباتٍ ديمقراطية. فقد تم استخدام صورتهنّ مراراً وتكراراً لمنح الإنتفاضات حكاية.

بيد أن النتيجة بالنسبة للمرأة كانت مخيبةً للآمال: فتمثيل المرأة في الحكومات التي انتخبت منذ ذلك الحين كان ضعيفاً، هذا إن وجد. ففي مصر على سبيل المثال، كانت النساء اللواتي عانينّ من “فحوصات العذرية” التي أقرها الجيش، غائباتٍ عن اللجنة الدستورية التي عينها المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وفي الواقع، حصلت النساء على أقل من عشرة مقاعد من أصل 500 مقعد تقريباً، ليشكلنّ 2% فقط من أول برلمانٍ منتخب بعد الربيع العربي (مقارنةً بـ12% في الحكومة السابقة). وفي إنتخابات أكتوبر 2011 في تونس، تم إنتخاب 49 إمرأة في الجمعية التأسيسية- أي 22% من المقاعد الـ217. ومع ذلك، يبدو أن الخطاب السياسي آخذٌ في التراجع، كما يتضح بقضية المرأة التي يُزعم تعرضها للاغتصاب من قبل رجال الشرطة واتهمت بعدم اللياقة العامة عندما قدمت شكوى. وفي ليبيا، التي لم تحتضن حكومةً مدنية منذ أربعة عقود، استخدمت النساء كأحجار الشطرنج في الألعاب السياسية المعقدة التي تشوبها صراعات السلطة القبلية والمركزية. وفي المغرب، فازت النساء بـ67 مقعداً من أصل 395 مقعداً برلمانياً (17%)، إلا أنه لم يتم تعيين سوى إمرأة واحدة في الحكومة المنتخبة (مقارنةً بسبع نساء قي الحكومة السابقة). وبالإضافة إلى ذلك، استبعدت النساء من هيئات الإدارة الانتقالية، والجمعيات التأسيسية واللجان التي صاغت الدساتير الجديدة. وعلاوةً على ذلك، أدت المناقشات المتعلقة بملاءمة المرأة كبرلمانيات ورؤساء دول إلى تنامي الخطاب العام عن مكان المرأة المناسب في المجال المحلي، فضلاً عن حملات الإسلاميين للتراجع عن قانون الأسرة المتحرر نسبياً، أما الأمر الأكثر إثارة للقلق، فتمثل في زيادة العنف المرتكب بدوافع سياسية ضد المرأة.

وفي الوقت نفسه، فإن الأسلمة السياسية في المنطقة حقيقة لا يجوز أن نغفل عنها (مع إضافة صفات “معتدلة” و”سلفية” لعكس الدرجات المختلفة من الأسلمة). ومع ذلك، فإن معظم ما حققه دعاة حقوق المرأة (من علماء ونشطاء) خلال العقود التي سبقت الربيع العربي، كانت مكاسب “إسلامية” أيضاً: فقد خاض المدافعون عن حقوق المرأة في المنطقة معركةً من أجل تحسين، وليس إستبدال، قوانين الشريعة الإسلامية واستهدفوا سلطة الرجل لا الإسلام. بل أكثر من ذلك، فقد عمل العديد من مناصري المرأة العلمانيين والإسلاميين (علماء ونشطاء)، يداً بيد، ولم يُشكل الإسلام مشكلةً قط بالقدر الذي يعني مناصري حقوق المرأة في المنطقة.

حقوق المرأة في المغرب العربي

على الرغم من الأرقام المخيبة للآمال الواردة أعلاه، عندما يتعلق الأمر بحقوق المرأة، فإن المغرب العربي (شمال إفريقيا) مختلفٌ عن المشرق العربي (الشرق الأوسط). ومن المؤشرات المهمة على ذلك أنه منذ الربيع العربي، تم انتخاب أو تعيين عدد أكبر من النساء في برلمانات المغرب العربي منه في الشرق الأوسط. يمكن صياغة السبب الرئيسي لذلك في النواحي التالية: باعتبارها حركة اجتماعية، “تعمل” حركة حقوق المرأة في المجال العام الذي يُهيمن عليه الذكور، وبالتالي فهي إما تتصادم أو تتفاعل مع ثلاثة مصادر قوية للسلطة في هذا المجال: السياسة والاقتصاد والدين. ففي مصر ودول الشرق الأوسط الأخرى، مثل اليمن والكويت، لم تكن قضايا المرأة حاسمةً أبداً في الألعاب السياسية للمجال العام. أما في المغرب العربي، وبخاصة في تونس والمغرب، هي كذلك. فمنذ استقلالها، “استخدمت” بلدان شمال إفريقيا حقوق المرأة كجزءٍ لا يتجزأ من أجندة تحديث الدولة. وفي تونس ما بعد الربيع العربي، أصبح العدد الأكبر نسبياً من النساء في البرلمان ممكناً جزئياً بفضل قانون الأحوال الشخصية لعام 1956 الذي يحمي حقوق المرأة. في الواقع، استخدمت المنظمات غير الحكومية النسائية، في الحملات السياسية الأخيرة، هذا القانون على نطاقٍ واسع، كدرعٍ ضد التطرف وكضمانٍ لحقوق المرأة.

وفي المغرب، نجحت المزيد من النساء في الدخول إلى البرلمان ذلك أنه بعد نجاح حملة المليون توقيع لإصلاح المدونة (قانون الأسرة) في أوائل التسعينيات، أصبحت قضايا النساء جزءاً من الحروب الأيديولوجية في خضم معارضة العلمانيين للإسلاميين. وعلاوة على ذلك، فإن حقيقة أنّ الملك هو أعلى سلطة دينية وسياسية في البلاد، وأن مصالح النظام الملكي تتوافق مع مصالح المرأة في مواجهة الإسلام المتفشي، يسّر هذا وضع الاستراتيجيات بين الطرفين، وأدى إلى إصلاحاتٍ مختلفة ساعدت على إنقاذ المغرب من الإضطرابات وسفك الدماء الذي عانى منه العديد من جيرانه.

وفي الجزائر، انتظرت النخبة الحاكمة 22 عاماً قبل إصدار أول قانون للأسرة في البلاد في عام 1984. ويعزى هذا التباطؤ إلى الصراع بين مناصري المرأة، الذين قاتلوا من أجل قوانين أكثر تقدماً، والنخب الحاكمة التي كانت مصممة على الحفاظ على الأسرة الأبوية المنصوص عليها في الفقه المالكي، واحدة من مدارس القانون الديني الأربعة في الإسلام السني.

وفي ليبيا، كان قانون الأسرة مرتبطاً بالقائد السابق معمر القذافي وكتابه الأخضر. فقد عزز النظام حقوق المرأة من خلال قوانين وقيود تدريجية على الرجال الذين يسعون إلى الطلاق أو الذين يسعون إلى زواجٍ ثانٍ في استخدامٍ واضح لوضع النسوية لتعزيز صورة القائد داخل البلاد وخارجه.

وفي موريتانيا، استند قانون الأحوال الشخصية لعام 2001 على “إحترام” التقاليد وبعض التقاليد القبلية، مثل حق المرأة في الطلاق دون إذن زوجها. وقد حسنت القوانين جوانب معينة من العلاقات بين الجنسين، مثل اشتراط موافقة المرأة على الزواج، ولكنها حافظت على أوجه عدم مساواة أخرى بين الجنسين، مثل قدرة “الوصي” (وهو عادة قريب من الذكور) على تزويج امرأة دون سن 18 عاماً، في حال رأى أن ذلك في مصلحتها. ولم يتم تعريف كلمة “مصلحة،” حيث أن سكوت القاصر يعني موافقتها.

خلاصة القول هي أنّ قانون الأسرة في شمال إفريقيا عمل على مر التاريخ كوسيلةٍ للسيطرة على القانون الديني من خلال تركيزه على الأسرة. ومن الواضح أن طبيعة هذه العملية تعتمد على طبيعة النظام الحاكم واستخدام النظام للدين لخدمة أغراضه الخاصة. وقد أدى ذلك إلى خلق مقاومة، عززها التطور التكنولوجي السريع، أدت إلى تغييراتٍ عميقة في شمال أفريقيا وأسفرت عن ثورة عام 2011.

تحوّل الاستراتيجيات

ومن السمات الأخرى لفترة ما بعد الربيع العربي التحول الدراماتيكي في الاستراتيجيات التي تستخدمها حركات حقوق المرأة. وفيما يلي أبرز خمسة:

  • إبراز حقوق المرأة ليس باعتبارها ثانوية ولكن كشرطٍ حقيقي مسبق للتغيير الديمقراطي.

  • محاربة تهميش المساواة بين الجنسين كحقٍ من حقوق الإنسان في تنفيذ الدساتير الجديدة. وهذا يعني، العمل على إدراج المساواة بين الجنسين في كل عملية من عمليات إرساء الديمقراطية وإدراك أن نوع الجنس ليس مجرد علامة وإنما هو العمود الفقري لكل استراتيجية إنمائية، ذلك أنه المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي.

  • الدفع نحو المزيد من التفاعل بين مناصري المرأة الليبراليون/ العلمانيون والإسلاميون في المنطقة، على الرغم من حقيقة أنّ مناصري المرأة الإسلاميون يعملون أكثر من داخل الأحزاب السياسية الإسلامية؛ متجنبين الاستقطاب وساعين إلى حلٍ وسط تُصان فيه الديمقراطية والليبرالية.

  • تجنب إلقاء اللوم على الدين وإدراك أنّ الدين يصبح معقداً للغاية عند مزجه بالسياسة في منطقة ترتفع فيها أميّة النساء وسيطرة الرجال.

  • استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز الحركات الشعبية وإبراز العمل السياسي.

بداية العملية

لا تزال منطقة شمال إفريقيا في بداية العملية، التي تتجاوز السياسة، والتي تصبح فيها الديمقراطية متأصلةً في المنطقة. ولهذا السبب فإن الحفاظ على حقوق المرأة وتحسينها أمرٌ بالغ الأهمية. وعلى الرغم من حقيقة أن المنطقة تتم أسلمتها، إلا أن الهوية الدينية والإيمان هما مفاهيم مختلفة (وربما متعارضة) في السياسة. ويرجع ذلك إلى أن المجال الديني في شمال إفريقيا يزداد تنوعاً، وبالتالي، فمن المحتمل، بشكلٍ أقل، أن يُعاد بناؤه كأيديولوجية سياسية. ونتيجةً لهذا التنويع، يتم تفكيك الإسلام، إذ لا يتمثل الهدف، إلى حدٍ ما، في علمنة المجتمع، بل بإبعاد السياسة عن الدين والعكس صحيح. ومرةً أخرى، تكتسب حقوق المرأة أهمية حاسمة في تحقيق هذا التوازن.