وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مسيرة العودة الكبرى في غزة تعرض فتح معبر رفح والهدنة مع إسرائيل للخطر

Palestine- Rafah crossing
فلسطينيون ينتظرون تصاريح السفر إلى مصر عبر معبر رفح الحدودي بعد أن فتحته مصر لأسباب انسانية في 23 آذار / مارس 2018. Photo AFP

شكل تاريخ 30 مارس 2018 مرحلةً جديدة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فقد انطلقت شرارة “مسيرة العودة الكبرى،” حيث شهد اليوم الأول للمظاهرات على الحدود ما بين غزة وإسرائيل مقتل 16 فلسطينياً وجرح أكثر من 1400 شخص. ولم يتوقع السياسيون أن تستمر المظاهرات وأن يكون لها تداعيات سياسية.

ففي ظل الازمة الإنسانية غير المسبوقة التي يعيشها قطاع غزة منذ أحد عشر عاماً، بفعل سياسة الحصار المفروضة من قبل إسرائيل، بالإضافة الى سياسة الحزب الواحد الحاكمة في قطاع غزة من قبل حركة حماس المقيد للحريات، وعليه، كان الانفجار والغضب الشعبي متوقعاً في أي لحظة. فالسؤال الذي كان يطرح نفسه منذ عدة شهور: أين سيتجه الانفجار؟ هل سيتجه نحو حركة حماس التي تتحمل المسؤولية الأولى كونها الحاكم الفعلي لقطاع غزة؟ ام هل سيكون الانفجار تجاه السلطة الفلسطينية التي تمارس العقاب الجماعي ضد قطاع غزة من خصمٍ للرواتب وقطعٍ للكهرباء؟ ام سيتجه الانفجار نحو الحدود المصرية لفتح معبر رفح مع مصر، المنفذ الوحيد لغزة مع العالم الخارجي والمغلق منذ سنوات ويفتح لعدة أيامٍ فقط طوال العام؟ ام سيتجه الانفجار نحو إسرائيل التي تمارس الخناق والحصار على قطاع غزة منذ استلام حركة حماس الحكم عام 2006؟

كانت حركة حماس ذكيةً بما يكفي لتستغل هبة مسيرة العودة الكبرى لتوجيه الغضب الشعبي تجاه إسرائيل. فمن ناحية لا يستطيع الشعب في قطاع غزة توجيه غضبه تجاه السلطة الفلسطينية بسبب عدم وجودها في قطاع غزة، ومن ناحيةٍ أخرى، لا تريد حماس ان تتأثر علاقتها مع الدولة المصرية سلباً، لا سيما وأن العلاقة تحسنت بشكلٍ ملحوظ بين الطرفين منذ العام الماضي.

فقد شعرت القيادة المصرية بان الحالة الفلسطينية في قطاع غزة في تدهورٍ مستمر، وعليه أرسلت في طلب الاجتماع مع قيادة حماس في قطاع غزة بتاريخ 13 مايو ليومٍ واحد، حيث ناقش إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، مع المسؤول المصري “تداعيات مسيرة العودة الكبرى” المقررة في اليوم الذي يليه بتاريخ 14 مايو، في الذكرى الـ 70 للنكبة (الهجرة الفلسطينية التي أدت إلى أول حرب عربية إسرائيلية في عام 1948)، والمتزامنة مع افتتاح السفارة الاميركية في القدس. وفي اليوم نفسه، تم اتخاذ قرارٍ من قبل الحكومة المصرية بفتح معبر رفح حتى اشعارٍ آخر، ومنذ ذلك التاريخ يعمل المعبر بشكل يومي عدا إغلاقه لمدة ثلاثة أيام في ذكرى الثورة المصرية نهاية يونيو. فقد ارتأت مصر أن لا تكون ضمن منظومة الحصار المفروض على قطاع غزة، خاصة وان الازمة الإنسانية في قطاع غزة في تفاقمٍ مستمر.

المصادر: Middle East Eye, UNRWA, UNOCHA, Palestinian Bureau of Statistics. إضغط للتكبير. @Fanack ©Fanack CC BY 4.0

ومع استمرار سقوط القتلى والجرحى في مسيرات العودة من كل يوم جمعة، وخاصة احداث 14 مايو 2018 حيث ارتكبت إسرائيل مجزرة بقتل أكثر من 60 فلسطيني اعزل، وجرح ما يقارب الـ3000 شخص، ازداد الضغط الدولي على إسرائيل. وعلى الرغم من أن تفاصيل “صفقة القرن” الوشيكة برئاسة الولايات المتحدة غامضة، إلا أن المؤشرات تدل على أن قيام دولةٍ فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة ليست الهدف الرئيسي. بل في واقع الأمر، تقترح الصفقة كياناً إدارياً ضعيفاً ومجزأً لا يتمتع بأي سيادة ويخضع للهيمنة السياسية والأمنية والاقتصادية لإسرائيل. فالرؤية الامريكية المتناغمة مع الرؤية إسرائيلية، ترى انه يجب على الفلسطينيين التنازل عن القدس الشرقية، وعن حق العودة للاجئين، وعن حقهم في تقرير المصير والدولة المستقلة، وعن أراضيهم التي تحولت الى مستوطناتٍ اسرائيلية، وذلك مقابل وعود باستثماراتٍ اقتصادية، تدفع من قبل الدول العربية مقابل تطبيعٍ كامل بين هذه الدول واسرائيل.

قطر، التي تعلب دور الوسيط بين حماس وإسرائيل عبر السفير القطري محمد العمادي، تنسق مواقفها وادوارها مع الإدارة الامريكية، وخاصة فيما يتعلق بنزع فتيل الازمة بين قطاع غزة وإسرائيل، وعدم انزلاق الوضع الحالي الى حربٍ جديدة على قطاع غزة، ولربما أيضاً فيما يتعلق بالتوصل إلى صفقةٍ لتبادل الاسرى. تصريحاتٌ عديدة تحدث عنها المبعوث الدولي الأمريكي جيسون غرينبلات، التي ذكرت أنه ينبغي دعم قطاع غزة بمشاريع إنسانية لا تصب في مصلحة حماس، وبضرورة الفصل بين ما هو انساني وسياسي. فهذا ما توافقت عليه عدة دول غربية بالتنسيق مع إسرائيل لتنفيذ مشاريع إنسانية حيوية في القطاع عن طريق الأمم المتحدة، بعيداً عن حركة حماس. وعليه من المتوقع أن تقر الأمم المتحدة سلسلة مشاريع بقيمة 600 مليون دولار في القطاع، تتعلق بخلق فرص عملٍ وتحسين شبكة الكهرباء والمياه.

وبحلول نهاية شهر يوليو، لم يطرأ أي تغييرٍ يُذكر حتى الآن. بل على العكس، أغلقت إسرائيل المعابر إلى غزة لعدة أيامٍ كعقابٍ من طرفها، مما أدى إلى تزايد تدهور الأوضاع. وبدورها تعهدت حركة حماس، التي وافقت على فصل الإنساني عن السياسي، من خلال دولة عربية يعتقد بانها قطر، بالحفاظ على الهدنة، ومنع شن هجماتٍ من القطاع على أهداف إسرائيلية في المستقبل.

في ظل هذه المعطيات وفي ظل التحرك الدولي لتخفيف حدة التوتر على الحدود مع إسرائيل، كان اللقاء بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء السابق سلام فياض من أجل أخذ زمام المبادرة بتشكيل حكومةٍ فلسطينية جديدة، تنهى ملف الانقسام السياسي بين قطاع غزة والضفة الغربية. ويهدف عباس إلى استغلال هذه المبادرة والوحدة الوطنية لمواجهة صفقة القرن الامريكية. وإذا ما كتب النجاح في تشكيل حكومة فلسطينية تحت إدارة سلام فياض، الذي يتمتع بمصداقيةٍ عالية في أمريكا وأوروبا، سيقدم فياض مبادرته التي عرضها لأول مرة قبل عامين من أجل إنهاء الانقسام الفلسطيني مرةً اخرى. وعليه ستتحقق أمور كثيرة في آن واحد، فبالإضافة الى حل الازمة الإنسانية في قطاع غزة، ستخف حدة التوتر على الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة ومن الممكن تحقيق تهدئة طويلة الأمد. وعلاوةً على ذلك، سيكون هناك مدخلٌ حقيقي للشراكة السياسية لجميع الفصائل الفلسطينية، وبالتالي، لن تتردد القيادة المصرية بإبقاء معبر رفح مفتوحاً، خاصة وأن معبر رفح سيكون تحت إدارةٍ شرعية معترف بها دولياً.