وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الإيرانيات ومعركة الحجاب الإجباريّ

الإيرانيات ومعركة الحجاب الإجباريّ
مئات النساء الإيرانيات يتظاهرن أمام مكتب الرئاسة ضد أمر رجال الدين لجميع الموظفات الإيرانيات في المكاتب الحكومية لارتداء الحجاب في العمل، في طهران 05 يوليو 1980. ملفات EPU/AFP

دانا حوراني

في 13 سبتمبر الحالي، اعتُقلت مهسا أميني الشابة الإيرانية الكردية البالغة من العمر 22 عامًا أثناء زيارة عائلية إلى طهران بحجة ارتداء حجاب “غير لائق“.

وبعدها بأسبوعين، أبلغ أبوها أمجد أميني عن وفاتها واتهم السّلطات بالتكتم على سبب موتها.

من جانبها، ادّعت السّلطات أن مهسا ماتت جرّاء نوبة قلبية أصابتها بالغيبوبة، وذلك رغم تأكيد عائلتها أنها لا تعاني من أي أمراض في القلب، وفقًا لموقع امتداد نيوز الإصلاحيّ الإيراني. وأفاد شهود العيان وأقارب الشّابة أنّها تعرضت للضرب المبرح وخصوصًا على رأسها، ما أفقدها الوعي وصارت بحاجة إلى رعاية طبية قبل وفاتها.

وأسفرت الحادثة عن مظاهرات ضربت طول البلاد وعرضها، انفجر فيها غضب النسّاء من تقييد حريتهن لما يزيد عن 40 عامًا. وبمزيج من الجرأة والغضب والشّجاعة، خلعن حجابهن ولوّحن به وصرخن “الموت للديكتاتور“، ثم أحرقن الحجاب ورقصن. كما أضرم المتظاهرون النار في لوحة إعلانية كبيرة عليها صورة للمرشد الأعلى علي خامنئي.

ومنذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، تتظاهر النسّاء الإيرانيات ضد فرض الحجاب. لكن يرى المراقبون للشأن الإيراني أن وسائل الإعلام الغربية بدأت مؤخرًا التنبه إلى هذه الأرقام في ظل هيمنة السّردية الأحادية.

وقال الكاتب والناشط الإيراني المقيم بالولايات المتحدة آراش عزيزي لفنك: ” لقد قلّ التضامن العالمي مع ضعف اليسار في العالم، وصار بإمكان الجماعات اليمينية اختطاف ذلك الخطاب. فلا بد من بذل مزيد من الجهد للفت الانتباه إلى المرأة الإيرانية”.

ليست الأولى ولن تكون الأخيرة

الإسلام هو دين غالبية الشّعوب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكن ممارسته تختلف من بلد إلى آخر، فبعض الثقافات تستهجن الحجاب، وبعضها تحبذه، وبعض الأنظمة السّلطوية مثل السعودية وإيران تجعله إلزاميًا.

والحجاب في جوهره رمز للحياء والتقوى والإخلاص لله. ورغم عدم تشدد العقيدة الإسلامية فيه، وأنه حرّي به أن يكون أداة تمكين، حولته الثورة الإسلامية من ممارسة دينية مقدسة إلى أداة للقهر والإخضاع.

ولزعيم الثورة الإسلامية، آية الله الخميني، تاريخ طويل من التشّنيع على النسّاء غير المحجبات. فقد قال في فبراير 1979 في مقابلة مع الصّحفية الإيطالية أوريانا فالاتشي إن: “النسّاء اللاتي ساهمن في الثورة كنّ وما زلن يلبسن ثيابًا محتشمة”.

وأضاف أن: “النسّاء الأنيقات المغناجات اللّواتي يضعن مساحيق التجميل وينزلن إلى الشارع ويعرضن أعناقهن وشعرهن ومظاهر أجسامهن لم يناضلن ضد الشاه. لم يفعلن أبداً شيئًا إيجابيًا. ولا يعرفن كيف يمكن أن يقدمن شيئًا إيجابيًا لا على المستوى الاجتماعي ولا السياسي ولا المهني. وذلك لأنهن عندما يتبرجن يصرفن اهتمام الناس ويغضبنهم”.

ويعتمد النّظام الإيراني على الشّريعة الإسلامية لتبرير أفعاله. لكن الآيات القرآنية المتعلقة بالحجاب مبهمة، إذ هي تحث على حجب جوارح الإنسان “عن كلّ ما يخدش حياءه“.

من جانب آخر، يرى النظام الإيراني أن الحجاب رمز للتمرد السّياسي ضد الغرب الذي وصفه الثوريون الإيرانيون “بالشيطان”. ولذلك تأسست “دوريات التوجيه” لتجوب الشوارع وتتأكد من “ملائمة” ملابس النساء. ومن يُقبض عليها تتعرض لعقوبات قاسية تتراوح بين السّجن والجلد المبرح.

ومع ذلك، حاربت النسّاء الإيرانيات قانون الحجاب وقاومته لأكثر من 40 عامًا من خلال حركات من قبيل “الأربعاء الأبيض” و”فتاة شارع انقلاب“. والأولى هي حملة على مواقع التواصل الاجتماعي ظهرت عام 2017 تحتج فيها النسّاء بنشر صورهن بالحجاب الأبيض. أمّا الثانية فهي موجة من التظاهرات المناوئة للحكومة أشعلتها فتاة خلعت حجابها ولوحت به في صمت وكأنّه علم في عام 2018.

“الموت لخامنئي”

الإيرانيات ومعركة الحجاب الإجباريّ
صورة حصلت عليها وكالة فرانس برس خارج إيران تظهر أشخاصا يتجمعون خلال احتجاج لمهسا أميني في طهران في 19 سبتمبر 2022. وكالة فرانس برس

ما إن ضجت شوارع إيران بهتاف الرّجال والنسّاء “الموت لخامنئي”، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية، قطعت الحكومة الإيرانية شبكات الهواتف وقيّدت الوصول إلى إنستغرام وواتساب.

وكانت الحكومة قد قطعت هذه الخدمات من قبل خلال الاحتجاجات عام 2019 جراء ارتفاع أسعار الوقود بنسبة 300%، وقيّدت الحكومة حينها الوصول لخدمة الإنترنت لتقطع الطريق على التغطية الإعلامية وتقوّيض الاحتجاجات.

وقُتل العشرات خلال الأسبوع الأول من المظاهرات الحالية، ويخطط النّظام لاتباع تدابير أشد حزمًا. لكن المتظاهرين لم يتراجعوا عن موقفهم، فأشعلت مجموعة منهم النار في تمثال خامنئي بمدينة مشهد مسقط رأسه، كما أحرقوا صورة على لوحة إعلانية للقائد المقتول قاسم سليماني في مدينة كرمان مسقط رأسه.

وقال عزيزي: “إن اضطهاد النسّاء أمر ضروري لإطالة عمر النظام. فالنسّاء يمثلنّ أكثر من نصف المجتمع، ولذلك فإن غاية قانون الحجاب هي التحكم في المساحات العامة، والسيطرة على أي معارضة محتملة لضمان أمن النظام”.

وأضاف أن النّظام لا يحظى بشعبية بين الأغلبية السّاحقة من المجتمع الإيراني، وأنه يدرك حاجته إلى توطيد حكمه بإجبار الشّعب على الخضوع له. وقد أعلن المسؤولون مؤخرًا عن خطط لتركيب كاميرات مراقبة في الأماكن العامة للتعرف على النسّاء اللاتي لا يلتزمن بالحجاب الإلزامي ومعاقبتهن. كما ستُحرم مَن تنشر صورًا لها دون حجاب على مواقع التواصل الاجتماعي من حقوقها الاجتماعية التي تتضمن على سبيل المثال لا الحصر المنع من دخول المصالح الحكومية، والبنوك، وركوب المواصلات العامة، وذلك لمدة تصل إلى عام.

وقال عزيزي: “يعتقد كثير من الرّجال الإيرانيين أن نهاية هذا النّظام ستكون على أيدي النساء. فهن يقاتلن على كافة الجبهات ويتصدرن الصّفوف. لك أن تتخيل حياتهن فهن مهددات دائمًا ويُجردن من إنسانيتهن من دون أن يحصلن على أدنى حقوقهن”.

وأضاف أن الاحتجاجات الحالية تبدو أكثر تنظيمًا، وربما تقابلها السّلطات بقوةٍ مفرطة. لكن يصعب التنبؤ بما ستسفر عنه، إذ تسارع السّلطات لاحتواء الموقف وذلك بتنظيم مظاهرات مضادة.

تشتت انتباه العالم

تُعد نسرین برواز من الجيل الأول الذي أطلق حركة معارضة لقانون الحجاب، وأدى نشاطها بعد الثورة إلى اعتقالها وتعذيبها وسجنها ثمان سنوات.

وكانت ابنة سبع سنين عندما أرغمتها أمّها على ارتداء الحجاب لتذهب إلى المدرسة. وكانت متمردة منذ صغرها، واستطاعت توجيه طاقتها إلى شوارع إيران. وبعد إطلاق سراحها عام 1990 طاردها الحرس الثوري، وضيقوا عليها، وأعدموا أصدقاءها. وهي تعيش منذ عام 1994 في لندن بعدما طلبت اللّجوء.

وقالت برواز لفنك: “الأمور مختلفة الآن عما كانت عليه والاحتجاجات أصبحت أكثر حدة. وأحد أهم التطورات التي حدثت هي وجود الرّجال إلى جانب النسّاء ودعمهن في الشّوارع. نحن لم نشهد ذلك، وأنا أحييهم على تنسيقهم وتعاونهم”.

وأضافت: “أرادت السّلطات في السابق أن يعترف النشطاء «بالخطأ الذي ارتكبوه» مقابل إطلاق سراحهم، لكن الكثيرمنهم قد رفضوا. و ما زالت إرادتنا ووحدتنا قويّة كما كانت في الثمانينيات. إنّها ليست حركة ضد الحجاب وإنمّا انتفاضة ضد نظام فاسد وليس الحجاب إلا ستارًا له”.

صمت الغرب

وبينما يعم الغضب شوارع إيران، اتجه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى نيويورك للمشاركة في الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة. وانتقد الناشطون الإيرانيون والصّحفيون تلك الزيارة، وطالبوا حكومة الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات ضد الوفد الإيراني، ولكن لا حياة لمن تنادي.

وقالت برواز: “عار على أي حكومة غربية أن توافق على مقابلة إبراهيم رئيسي. عليهم ألا يسمحوا له بدخول بلادهم وألا يرحبوا به، وعليهم أن يغلقوا السّفارات الإيرانية ويطردوا السّفراء، وإلا سيبدو أنهم شركاء في ظلم الناس”.

بدوره يرى عزيزي أن على الشّعوب أجمع في كلّ أنحاء العالم تنظيم مظاهرات أمام السّفارات الإيرانية، والانضمام إلى جهود النشّطاء ضد النظام. وأضاف أن هناك العديد من المبادرات لدعم المرأة الإيرانية، حتى لا يُترك الشّعب الإيراني وحيدًا في المعركة.

وأعلن المدير التنفيذي لشركة سبيس إكس إيلون ماسك أنه سيفعّل خدمة ستارلينك للإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية بعد تصريح وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن أن الولايات المتحدة ستخفف قيود الإنترنت المفروضة على إيران دعمًا للمتظاهرين.

كما ادّعت مجموعة “أنونيموس” للقرصنة أنها شنّت هجمات ضد مواقع حكومية إيرانية، وقد احتشد المتظاهرون من بيروت إلى العاصمة واشنطن دعمًا للتظاهرات في إيران.

ومع احتدام الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين في أنحاء البلاد، علا هتاف المتظاهرين في طهران “هذا العام عام الدم… سيسقط خامنئي”.

واختتم عزيزي بقوله: “لقد عانت نساؤنا طوال حياتهن بما فيه الكفاية، وحان الوقت لهن في نيل حقهم في العدالة”.