وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إنسانية إسرائيل تجاه الأوكرانيين ليست من دون شروط

إنسانية إسرائيل تجاه الأوكرانيين
علم إسرائيل ملون بالرموز باللونين الأزرق والأصفر لأوكرانيا في مجمع، حيث لجأ اللاجئون اليهود الأوكرانيون، في عاصمة مولدوفا كيشيناو في 13 مارس 2022. جيل كوهين ماجن / وكالة الصحافة الفرنسية

نور عودة

يعايش العالم منذ نحو أسبوعين مشاهد تدمي القلب بسبب معاناة الأوكرانيين ونزوحهم الجماعي للفرار من جحيم الغزو الروسي. وقد قدّرت “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” عدد اللاجئين الفارين من أوكرانيا بنحو 2 مليون لاجئ على الأقل، وتتوقع تضاعف العدد إذا استمر تدهور الأوضاع، ما يجعلها أقسى أزمة إنسانية أوروبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وبحسب المفوضية، فإن بولندا، التي تقع على الشريط الحدودي مع أوكرانيا، استقبلت أكثر من نصف المدنيين الفارين حتى الآن، وتوزعت أعداد أخرى على دول أوروبية أخرى كالمجر ورومانيا وسلوفاكيا. كما أشارت المفوضية إلى استقبال روسيا وبيلاروسيا نحو 100 ألف لاجئ أوكراني يُرجّح  أنهم  من سكان مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك اللتين أعلنتا استقلالهما عن أوكرانيا بدعم  روسي.

وحيال التزام  إسرائيل الصمت أمام  الغزو الروسي، استدعى  وزير الخارجية الأوكراني السفير الإسرائيلي في كييف وقال له: “إنكم تتعاملون معنا كما تتعاملون مع غزة“، غير أنّ هذا لم يفسد العلاقات الإسرائيلية الأوكرانية، وقد رحّب الرئيس الأوكراني بمبادرة رئيس الوزراء الإسرائيلي للتوسط بين روسيا وأوكرانيا.

استقبلت إسرائيل بعض اللاجئين الأوكرانيين،  لكن هذا التعاطف الإنساني جاء مشروطًا بتحديد أعداد  طالبي اللجوء من الأوكرانيين غير اليهود. وكانت “وزارة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية” قد أعلنت في بيان لها في بداية الأزمة استعدادها لاستقبال 10 آلاف يهودي أوكراني. وقال البيان “إننا ندعو يهود أوكرانيا للهجرة إلى إسرائيل” وهي دعوة تستند إلى “قانون العودة” المثير للجدل في إسرائيل، الصادرعام 1950، والذي يمنح المواطنين اليهود من  أية  دولة  كانوا  الجنسية الإسرائيلية  تلقائيًا، هم وزوجاتهم  وأبناؤهم وأحفادهم.

وتتهم منظمات حقوقية إسرائيلية ودولية هذا القانون بأنه عنصري، لا سيما ضد اللاجئين الفلسطينيين والنازحين الفلسطينيين داخل إسرائيل الذين تحرمهم إسرائيل من حق العودة إلى مدنهم وقراهم التاريخية. وهو واحد من 65 قانونًا  عنصريًا في إسرائيل موجّه ضد الفلسطينيين. وتضم القائمة كذلك قانونالدولة القومية، وقانون المواطنة، وقانون الدخول إلى إسرائيل، حسبما تفيد منظمات حقوق الإنسان. وقد أعربت لجنة القضاء على التمييز العنصري عام 2019 عن قلقها من عرقلة إسرائيل منع التمييز العنصري، مشيرةً إلى بعض هذه القوانين ومؤكدةً على ضرورة تفكيك “السياسات والممارسات التي تؤثر بشكل خطير وظالم على الفلسطينيين في إسرائيل وفي المناطق الفلسطينية المحتلة”.

كما يثير “قانون العودة” إشكالات وجدالات داخل إسرائيل وخارجها في المجتمعات اليهودية حول العالم. ويدور الجدل حول تبني القانون مفهومًا صارمًا لليهودي، ما يستثني العديد من المجتمعات اليهودية المحافظة والإصلاحية حول العالم على حد سواء، وقد وصل هذا الخلاف إلى المحكمة العليا في إسرائيل التي أصدرت حكمًا تاريخيًا  في مارس 2021، اعترفت فيه “بكل من اعتنق اليهودية عبر المحاكم الدينية الإصلاحية أو المحافظة في إطار قانون العودة”. وعلى الفور، عارضه زعيم حزب شاس المزراحي الأرثوذوكسي المتطرف، أرييه درعي، الذي غرد  قائلًا : “قرار المحكمة العليا مؤسف جدًا ويمسّ بصورة خطيرة بوحدة الشعب”.

وقد اضُطرت الأزمة الأوكرانية وزارة الداخلية الإسرائيلية إلى تعديل شروط التقدم لقانون “الحق في العودة” للّاجئات الأوكرانيات المتزوجات من يهودي، فقد منعت الحرب الأوكرانيين الذكور من سن 18 إلى 60 عامًا من مغادرة البلاد، لذلك أصدرت وزارة الداخلية الإسرائيلية تعليمات بالسماح للزوجات غير اليهوديات وأبناء اليهود الأوكرانيين بالهجرة إلى إسرائيل بشرط: “أن يكون الزوج أو الأب يهوديًا  طبقًا  للتشريع اليهودي، أي من أم يهودية”.

وحذرت وزيرة الداخلية الإسرائيلية، إيليت شاكيد، من أن أكثر من 90% من الأوكرانيين الذي يصلون إلى الحدود الإسرائيلية ليسوا يهودًا، وأن استمرار تدفق اللاجئين “لا يمكن أن يستمر“. وبينما تواجه الوزيرة اليمينية ضغوطًا للتنازل عن إجبار اللاجئين الأوكرانيين الذين لا تربطهم صلة قرابة من الدرجة الأولى بأقرباء إسرائيليين على دفع ما يعادل 3050  دولارًا كشرط  لدخول البلاد، أعلنت أن إسرائيل ستضع “غطاءً إنسانيًا ” للّاجئين الأوكرانيين من غير اليهود الذي لا يشملهم قانون العودة. ويُقدّر هذا الغطاء بنحو 5 آلاف دولار. وفي الوقت نفسه سمحت ببقاء 2000 أوكراني جاؤوا إلى البلاد قبيل اندلاع الحرب، إلا أن شاكيد أكدت على أن الأولوية تظل للّاجئين من أوكرانيا وروسيا والدول المجاورة الذين يشملهم “قانون العودة”. وأثار القرار غضبا عارما  في كييف ، حيث تعهد سفير الدولة في إسرائيل بذلك ورفع الأمر إلى المحكمة العليا الإسرائيلية

ورغم هذه العقبات، فإن حال اللاجئين الأوكرانيين أفضل من غيرهم من طالبي اللجوء في إسرائيل، لا سيما الهاربين من الحروب في إفريقيا. فمنذ عامين، أجلت إسرائيل عائلات دبلوماسييها من أثيوبيا وتركت ما يقرب من 8 آلاف  من يهود الفلاشا الأثيوبيين، المعروفين باسم “الفلاش مورا”، في مخيمات اللجوء في أديس أبابا وغوندر دون حق في اللجوء وفقًا  “لقانون العودة”، رغم كونهم على الأرجح من نسل يهود إثيوبيين.

وقد أعلن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي أنه لا توجد حاجة ملحة لإنقاذهم. لكن الحكومة وافقت على استقبال العدد المتبقي منهم في نوفمبر 2021 بعد الكثير من الوساطات والضغط الذي قامت به الجالية اليهودية الإثيوبية في إسرائيل.

أما بقية طالبي اللجوء من الأفارقة  فلم يحالفهم الحظ. ففي عامي 2012 و2013، عدّل المشرعون الإسرائيليون “قانون منع التسلل” الذي صدر عام 1954 لمنع اللاجئين الفلطسينيين من العودة، ليشمل طالبي اللجوء الأفارقة. وقد كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية لاحقًا  أن وزارة الدفاع الإسرائيلية استعانت برجال أعمال إسرائيليين يقيمون علاقات في إفريقيا لإبرام صفقات مع أنظمة غير مستقرة ولا ديمقراطية حتى تستقبل أولئك “المتسللين”. وفي عام 2018، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن خطط للترحيل القسري لطالبي اللجوء الإرتريين والسودانيين إلى بلاد لم تسمها في إفريقيا أو احتجازهم إلى أجل غير معلوم. وأعربت الأمم المتحدة عن “قلقها”، بينما اعتبرت منظمة العفو الدولية هذا القرار “قاسيًا“.

ثمة بُعد فلسطيني في اللفتة الإنسانية الإسرائيلية تجاه أوكرانيا. فعلاوة على منع إسرائيل حق اللاجئين الفلسطيين العودة إلى ديارهم، فإن إسكان اللاجئين الأوكرانيين سيكون على الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة وفي هذا انتهاك حقوقهم  التي يقرّها القانون الدولي.

وقد أعلن قسم الاستيطان في المنظمة الصهيونية العالمية عن نيته إنشاء 1000 وحدة سكنية استيطانية بهدف استيعاب اللاجئين الأوكرانيين على أراض تضم وادي الأردن وهضبة الجولان. ويُعتبر بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والتوسع فيها من خلال مصادرة الأراضي الفلسطينية وهدم منازل الفلسطينيين وتشريد عائلاتهم تصرّفًا  غير قانوني بموجب القانون الدولي. وقد هجّرت إسرائيل نحو 1204 فلسطينيًا  في الضفة الغربية خلال عام 2021 بحسب الأمم المتحدة. وما هذه إلا واحدة من المفارقات الساخرة التي تضج بها هذه المنطقة المنكوبة.