أثار قرارٌ صادرٌ عن الدولة السورية قلق أعداد كبيرة من ملايين السوريين النازحين داخلياً واللاجئين في الخارج حول مصير منازلهم وممتلكاتهم، ودفع بالبعض إلى اتهام الحكومة بمحاولة إحداث “تغيير ديموغرافي” من خلال تعديل قانون العقارات.
يُجيز القانون رقم 10، الصادر في أوائل أبريل 2018، إحداث “مناطق تنظيمية” يمكن إعادة تطويرها من قبل الحكومة. ويمنح القانون لأصحاب الأملاك في تلك المناطق 30 يوماً لإثبات ملكيتهم أو أن يكون لهم قريب أو ممثل عنهم للقيام بذلك، وإلا سيواجهون استيلاء الدولة على منازلهم وأعمالهم التجارية.
ولا يحدد القانون أماكن هذه المناطق التنظيمية. ومع ذلك، بالنظر إلى أن أغلبية الذين فروا من منازلهم أو البلاد لا يملكون وثائق تثبت ملكيتهم لمنازلهم، والكثير منهم مطلوبون من قبل الدولة لتورطهم في جماعات المعارضة – المسلحة وغير المسلحة – أو لفراراهم من الخدمة العسكرية، يفتح القانون الباب أمام الحكومة للاستيلاء على ممتلكات الآلاف إن لم يكن الملايين من النازحين السوريين.
فكرة القانون ليست جديدة كلياً، إذ تتبع القانون رقم 66، وهو قانونٌ صدر في عام 2012 يسمح بإعادة بناء منطقتين كبيرتين في دمشق كان قد احتلها، إلى حدٍ كبير، مؤيدوا المعارضة من الطبقة العاملة. فقد كان السبب الرئيسي لإقرار هذا القانون إزالة المنازل التي بُنيت بشكلٍ غير رسمي أو دون المستوى واستبدالها بمبانٍ حديثة تلبي قوانين البناء. وفي يناير 2018، وافق البرلمان على مشروع قانونٍ يسمح بتوسيع القانون ليشمل مناطق أخرى في سوريا.
وقد اتهم النقاد الحكومة باستخدام قوانين الملكية الجديدة كوسيلةٍ لجمع الأموال بينما يتم تحويل الملكية من الأفراد والجماعات المتحالفة مع المعارضة إلى أولئك الموالين للنظام.
ففي مقالٍ للمجلس الأطلسي، كتب الناشط والأكاديمي السويسري- السوري، جوزيف ضاهر، “يمكن أن يستخدم القانون رقم 66 وتوسعته على المستوى الوطني كأداة فعالة لمشاريع التنمية الضخمة والسريعة التي ستعود بالفائدة على أصدقاء النظام، بينما سيكون في الوقت نفسه آلية عقابٍ ضد السكان المعروفين بمعارضتهم للنظام. وعلى الأرجح سيتم استبدالهم بطبقات اجتماعية أعلى ونخب جديدة خرجت من الحرب، الذين هم بشكلٍ عام أقل ميلاً للإنتفاض ضد النظام.”
وأضاف المحامي والناشط الحقوقي السوري ميشال شماس أن “التهجير القسري” لسكان العديد من المناطق في سوريا من قبل قوات النظام “تم التخطيط له بعناية، بهدف إجراء تغييراتٍ ديموغرافية في البنية السكانية في المدن والمناطق التي دمرت،” وأن القوانين الجديدة المتعلقة بحقوق الملكية جزءٌ من تلك الخطة.
فإذا ما تم، على سبيل المثال، إقرار القانون رقم 10 عندما كانت سوريا دولة تنعم بالسلام والاستقرار، لما شكل الأمر معضلةً كبيرة. وكما يقول “ولكن في ظل الظروف الراهنة التي تعاني منها سوريا، فإن إصدار مثل هذا التشريع سيؤدي إلى نزوح الملايين من الناس عن ديارهم.”
في حين كان ناهيل المصري، وهو محامٍ آخر في دمشق، أقل انتقاداً، إذ قال أن القوانين الجديدة يمكن أن تساهم في عملية إعادة الإعمار. ومع ذلك، أعرب أيضاً عن مخاوفه بشأن تطبيق هذه القوانين، بما في ذلك الخلط بين التوفيق بين القانون الموسع رقم 66 والقانون الجديد رقم 10، وكذلك توقيت القرارات وصعوبة إثبات الملكية بالنسبة للأشخاص الذين فروا من البلاد.
وجادل المصري أنه من الأفضل أن تنظم الحكومة عملية إعادة إعمار البلاد بدلاً من تركها لأصحاب العقارات كمسألة خاصة، و”لكن بشرط الحفاظ على حقوق جميع المواطنين السوريين دون استثناء والحفاظ على الممتلكات التي يحميها الدستور.”
وكما يقول “تكمن المشكلة الوحيدة [للقانونين] بالتوقيت، حيث يرى المعترضون أن الوقت لا يزال مبكراً وأن الأزمة لم تنتهي بعد… ولأن معظم الناس الذين سيتأثرون بهذه المناطق غير موجودين في سوريا ليتمكنوا من الحفاظ على حقوقهم بالطريقة التي يتطلبها القانون.”
ومن المرجح أن يواجه العديد من النازحين السوريين مشاكل محتملة في استعادة ممتلكاتهم – أو ما تبقى منها – عند عودتهم، حتى دون القوانين الجديدة.
ووجد المجلس النرويجي للاجئين، الذي أجرى دراسةً استقصائية عن حالة وثائق الملكية بين اللاجئين السوريين الذين يعيشون في لبنان والأردن والعراق في عام 2016، “مستويات عالية من وثائق تأكيد الملكية التي لا تتوافق مع الوثائق الداعمة للملكية لمجموعة متنوعة من الأسباب، بما في ذلك فقدانها أثناء النزوح القسري والممارسات الثقافية والتاريخية فيما يتعلق بنقل الملكية داخل العائلات.”
وقال حوالي ثلثي اللاجئين الذين تمت مقابلتهم إنهم كانوا يمتلكون منازلهم الخاصة قبل أن يفروا من سوريا، وقال 19% منهم إنهم كانوا يعيشون في أراضٍ تابعة لأسرهم. ولكن 17% منهم فقط قالوا إن لديهم وثائق تثبت ملكيتهم لعقاراتهم في البلد الذي فروا إليه، في حين قال 10% منهم إنهم لا يعرفون أين كانت الوثائق، فيما قال 21% أن وثائق الملكية تعرضت للتدمير. وفي كثيرٍ من الحالات، كان يتم تسجيل الممتلكات باسم شخص آخر، مثل أحد الأقرباء الذكور الأكبر سناً، أو عن طريق وثائق أخرى غير سندات ملكية الأرض.
علاوة على ذلك، ومنذ بدء الحرب، كان تسجيل نقل الملكية في المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة أمراً صعباً للغاية ، وتم تدمير العديد من المباني أو احتلالها من قبل واضعي اليد. كما قال نشطاء المعارضة وغيرهم ممن فروا خارج البلاد إن ممتلكاتهم قد تم الاستيلاء عليها حتى من دون التبريرات القانونية التي ستوفرها القوانين الجديدة.
فقد قال أحمد فؤاد شميس، وهو رجل أعمال وأكاديمي دمشقي مؤيد للمعارضة والذي فر إلى مصر، أن قوات الأمن اقتحمت منزله واستولت عليه منذ عامين، إلى جانب مكاتبه التجارية الواقعة أسفل المنزل، دون أي مبرراتٍ قانونية. وأضاف شميس إنه لم يتمكن من معرفة ما حدث لممتلكات أسرته التي كانت في المنزل، بما في ذلك محتويات مكتبة كبيرة تحتوي على العديد من الكتب القديمة.
وتوقع شميس أن القانون رقم 10 سيؤدي إلى خسارة العديد من الأشخاص لمنازلهم، لا سيما أن “العديد منهم مطلوبين للدولة وسيتم إلقاء القبض عليهم فور وصولهم إلى دمشق،” ولأن العوائق البيروقراطية لإثبات الملكية من خارج البلاد ستكون تعجيزية بالنسبة للكثيرين.
وقال شميس لفَنَك: “استولوا على بيتي بشكلٍ غير قانوني، وسرقوه،” وأضاف أن القانون رقم 10 “هو قانونٌ لتسرق الدولة 12 مليون نازح.”