تُشير دلائل مختلفة إلى أنّ الجزائر تقترب من “ربيعٍ عربي” جديد؛ فالإضطرابات الاجتماعية والاقتصادية آخذةٌ في التنامي، فضلاً عن إحباط الشباب بسبب جهلهم لما يحمله لهم المستقبل. سببٌ مباشر لهذا التحول المفاجىء في الأحداث، ميزانية عام 2017 الجديدة.
فقد أقرّ البرلمان الجزائري الميزانية الجديدة لعام 2017 في نهاية شهر نوفمبر من عام 2016 مع نية تنفيذها في يناير 2017. وفي الثالث من يناير 2017، أقرّ البرلمان قانوناً مالياً، والذي، بالرغم من أنه كان متوقعاً، أتى كالصفعة. رافق هذه الميزانية مجموعتين من التدابير: زيادة ميزانية الحكومة استجابةً لصدمة إنخفاض أسعار النفط، وإدخال تدابير تقشفية، إذ سيتم رفع أسعار النفط المدعوم، والديزل، والكهرباء، والتبغ، والكحول، لتمويل هذه الزيادة في الميزانية. وعلاوة على ذلك، ستخضع السلع والوقود لضرائب جديدة، مع زيادة كبيرة في ضريبة القيمة المضافة (VAT) من 2% إلى 19%. كما سترتفع إيجارات العقارات بنسبة 10%.
يكمن السبب في هذه الإجراءات التقشفية في الإنخفاض الأخير في أسعار النفط الذي ضرب البلاد بشدة. فقد كان للإنخفاض المفاجىء في أسعار النفط والغاز آثارٌ سلبية مباشرة على اقتصاد البلاد. ويمثل النفط والغاز حوالي 95% من صادرات الجزائر و60% من الميزانية العامة للدولة. فالجزائر التي تصنف في المركز العاشر للدول المنتجة للغاز والمركز التاسع عشر للدول المنتجة للنفط على مستوى العالم، وفقاً لوكالة المخابرات المركزية الامريكية، تعاني الأمرين من انهيار قوتها الاقتصادية وتواجه مستقبلاً مظلماً على هذه الجبهة. فقد حدث الإنخفاض المفاجىء في إنتاج النفط بين يوليو 2014 ويناير 2015: وخلال تلك الفترة، انخفضت أسعار هذه المنتجات بنسبة 55%.
وعلى صعيدٍ آخر، لا يشجع المناخ الاقتصادي الجزائري الاستثمار الأجنبي في الشركات الأجنبية كثيفة العمالة. كما خسر الدينار الجزائري 40% من قيمته منذ عام 2014. وعلى الرغم من الحوافز الحكومية، فقد القطاع الخاص الثقة في الاقتصاد الجزائري الضعيف. وحتى عندما تستأنف أسعار النفط نموها، لن تنتهي مشاكل الجزائر: فإنتاج البلاد من النفط منخفض، والاستهلاك المحلي آخذٌ في الإرتفاع، وانخفض أيضاً الجزء المخصص للصادرات. ويُقدر الخبراء أنه في حال استمر الوضع على ما هو عليه، لن تمتلك سوناطراك، الناقل الوطني للنفط، شيئاً لتصديره بحلول عام 2025. وبالتالي، صدرت أوامر من قمة الدولة بتسريع استكشاف موارد الغاز الطبيعي. كما شجعت القمة أيضاً على استشكاف الغاز الصخري في الجزائر، الذي يمكن أن تكون احتياطاته أكبر بكثير من احتياطيات الغاز الطبيعي. ففي الماضي، ساعدت شعبية جبهة التحرير الوطني في تخفيف أزمات النفط الخطيرة، مثل الإنهيار الاقتصادي في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، الناجمة عن انخفاض أسعار النفط بنسبة 50% عام 1986. ولكن اليوم، تمتلك جبهة التحرير الوطني “تأثيراً أقل بكثير، بل وأثارت الشكوك بين الأجيال الصاعدة،” كما أشارت شركة مراجعة السياسة العالمية في أكتوبر 2016.
وسرعان ما أشعلت التدابير التقشفية الاحتجاجات، ففي 6 يناير 2017 أضرب أصحاب المحال التجارية في بجاية والبويرة وبومرداس في شمال الجزائر. بدأت الاحتجاجات بشكلٍ سلمي لكن سرعان ما تحولت إلى مواجهاتٍ عنيفة عندما أشعلت الإطارات المشتعلة، ونهبت المحلات التجارية، واعتقلت الشرطة العديد من المتظاهرين. كما تعرض متظاهرون آخرون لإصاباتٍ عندما استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع. وندد المحتجون بالقانون المالي الجديد باعتباره يشكل تهديداً للإيرادات من المبيعات والقوة الشرائية للأسر الجزائرية.
ولم يعد بإمكان السلطات الجزائرية، بعد اليوم، السيطرة على الاضطرابات عن طريق إدخال سياسات الدعم المكلفة، كما حدث في عام 2011 للطحين والحليب والسكر. وعلى الرغم من تصريح وزير الداخلية نور الدين البدوي أن الوضع في بجاية تحت السيطرة، يتزايد القلق من أن هذه الاحتجاجات هي مجرد غيضٍ من فيض، وأن الاضطرابات الاجتماعية ستبقى مشكلةً إلى أن يتم التوصل إلى حلٍ اقتصادي وسياسي أكبر.
ويبدو أن المجتمع الجزائري على وشك الانفجار، ويمكن رؤية دعوات التنديد بتدابير التقشف الجديدة في كل مكان، كما صعدّت المنظمات المدنية من تحذيراتها بالإنجرار إلى المزيد من العنف والتخريب إذا لم يتم توفير حلول. وعلاوة على ذلك، لا تزال الحرب الأهلية التي اندلعت في تسعينيات القرن الماضي في أذهان الناس، إذ يخشون الفوضى التي من شأنها أن ألا تخدم سوى القوى الحاكمة. كما نددت هذه الأصوات أيضاً بالسياسات الشعبوية للحكومة، التي لم تؤدِ سوى للتهميش والإفقار.
أما على الصعيد الاجتماعي، تعاني الجزائر من مشاكل اجتماعية خطيرة تؤثر، في المقام الأول، على الشباب. فبالإضافة إلى إرتفاع معدلات التضخم الناجم عن المشاكل الاقتصادية، أعلنت الحكومة الجزائرية احتمالية فقدان مليون وظيفة حكومية تبعاً للإنهيار المفاجىء الأخير في النفط، وهذا يُمثل 40% من جميع الوظائف الحكومية. وعلاوة على ذلك، يولد التضخم والبطالة المزيد من البطالة، التي وصلت رسمياً إلى ما نسبته 10,5% في سبتمبر 2016، حيث أن ربع العاطلين عن العمل من الذين تتراوح أعمارهم بين بين 16 و24 عاماً، وهي مجموعة ضعيفة جداً، إذ يصل معدل البطالة بين الشباب إلى ما يقرب من 30%. إن قضية كيفية توليد المزيد من الاستثمارات وتوفير فرص العمل ليست جديدة في الجزائر، إلا أنها أصبحت أكثر إلحاحاً على نحوٍ متزايد.
وعلى الرغم من توقف العنف، إلا أن الاحتجاجات متواصلة بشكلٍ يومي ضد شركة النفط والغاز الحكومية، سوناطراك، وشركائها الدوليين. ومنذ عام 2015، عارض المتظاهرون أيضاً مشروعاً حكومياً لفحص الغاز الصخري بواسطة التكسير الهيدروليكي قرب عين صلاح في جنوب الجزائر. انتشرت هذه الاحتجاجات إلى مدنٍ أخرى مثل الجزائر ووهران، إذ اعتبرت احتجاجاتٍ ضد الإجراءات الحكومية المعادية للبيئة.