وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

وباء كورونا في الشرق الأوسط وشمال افريقيا: مصاعب جمّة وفرصٌ للنساء

 كورونا وفرص للنساء
نساء فلسطينيات يرتدين أقنعة واقية بسبب جائحة فيروس كورونا يملأن الصناديق بالتمر خلال موسم الحصاد السنوي في أحد بساتين النخيل في دير البلح وسط قطاع غزة، في الأول من أكتوبر 2020. Photo: MOHAMMED ABED / AFP

فلورنس ماسينا

غيّر فيروس كوفيد- 19 حياة كل من يعيش على هذا الكوكب، تقريباً، في غضون أشهر، وأثر على الفئات المستضعفة أكثر من غيرهم في ظل الصعوبات الاقتصادية، ولكن، بالنسبة للنساء، تضاعفت تلك المشقة بسبب ارتفاعٍ ملحوظ في معدلات العنف الأسري. أما في البلدان التي تتجلى فيها مظاهر عدم المساواة بين الأنواع الاجتماعية، كحال منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، فقد ازداد الوضع سوءاً بشكلٍ كبير، على الرغم من الفرص الجديدة التي أتيحت لهنّ.

كشف تفشي الوباء عن التصدعات الداخلية التي يعاني منها المجتمع، إلا أنه أيضاً وضع النساء في الخطوط الأمامية بينما فقدنّ الاستقلالية والأمان والاستقلال الاقتصادي. فقد نشر الباروميتر العربي دراسةً استقصائية في ديسمبر 2020، قدّر فيها أن “النساء يتحملن نصيباً غير متناسب من خسارة وظائفهن” في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث بلغ الفارق بين النساء والرجال الذين خسروا أعمالهم بصورة دائمة 8 نقاط مئوية في المغرب، فيما بلغت النسبة في الجزائر وتونس 4 نقاط. كما أثر الوباء أيضاً على الحياة الاجتماعية للمرأة: “كان للمخاوف الصحية بسبب كوفيد، وفرض حظر التجوال، وإغلاق المدارس وزيادة المتطلبات في الأسرة والبيت – وهي في الأغلب الأعم مسؤوليات النساء في المنطقة – آثار بليغة على النساء العربيات.” وعلاوةً على ذلك، أثر أيضاً على سلامتهنّ بشكلٍ كبير، فقد أجبرت النساء على سبيل المثال على البقاء في علاقاتٍ عنيفة أو لم يكن بمقدورهنّ طلب المساعدة: “كانت أعلى نسبة مواطنين رأوا أن الإساءة والعنف ضد النساء زادا، في تونس (63%) ثم الجزائر والمغرب (41%)، في حين بلغت نسبة من يتصورون أن العنف الجنساني قد زاد في الأردن 27%، وبلغت النسبة 20% في لبنان.”

وفي هذا الصدد، قالت لينا أبو حبيب، المديرة المؤقتة لمعهد الأصفري في الجامعة الأمريكية في بيروت في لبنان، لفَنَك: “ما كان واضحاً أثناء الوباء هو أنه، كحال أي كارثةٍ أخرى، لا يؤثر على الناس بنفس الطريقة.” وتابعت القول، “ببساطة لأن الأشخاص محددون بمواضع مختلفة من حيث القوة والموارد والقدرة على اتخاذ القرار، فقد أدى الوباء ببساطة إلى تفاقم التفاوتات الموجودة بالفعل. كما وثقت المنظمات النسائية والعلماء والباحثين أن الوباء كان له تأثير كبير على النساء والفتيات.”

أكدت أبو حبيب بشكلٍ خاص على العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الأسري، مع الأخذ في الاعتبار بلدها لبنان، قائلة إن هناك 6 حالات لنساء قُتلنّ في شهر واحد في أبريل 2020، وهو أول شهر من الإغلاق، على يد أزواجهن بشكلٍ أساسي. وفي هذا التقرير الصادر عن منظمة نسوية لبنانية تحمل اسم “كفى” يسلط الضوء على مسؤولية البقاء في المنزل في ظل تصاعد العنف: “خلال شهر نيسان، استقبل الخط الساخن لكفى 105 حالات جديدة، مقابل 75 خلال شهر آذار. أبلغت النساء اللواتي يتصلنّ لأول مرة عن أعمال عنف كانت تحدث لفترة من الوقت ولكنها أصبحت أكثر حدة أو أكثر تواتراً بسبب وجود المعتدي في المنزل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.” وهذا ينطبق أيضاً على عاملات المنازل في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، اللواتي غالباً ما لا يكون لديهنّ أي سبيل للانتصاف في حالة التعرض للإساءة في الأوقات العادية، ناهيك عن أوقات الأزمة.

علاوةً على ذلك، تعتبر النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا أيضاً من مقدمي خدمات الرعاية الرئيسيين، وهو الأمر الذي يُلقي على كاهلهنّ ضغوطاتٍ أكبر. ووفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن “نساء منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في صميم الاستجابة للطوارئ الصحية حيث يشكلن غالبية العاملين في قطاع الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية في جميع أنحاء المنطقة، مما يعرضهن لمخاطر أكبر للإصابة بالفيروس.” كما أنه يؤثر عليهنّ في المنزل من خلال أعمال رعاية غير مدفوعة الأجر مثل التعليم عن بعد ورعاية الأقارب المرضى و/أو كبار السن. وهنا، قالت أبو حبيب: “هذا هو العمل الذي يتعين عليهن القيام به للآخرين، دون تقدير، ودون إعطاءهنّ أي قيمة، وأيضاً يتوجب عليهنّ أن يكنّ قادراتٍ على التوفيق بين العمل وحياتهنّ الخاصة.” وأضافت “زاد هذا الوضع بشكلٍ كبير مع الوباء، فلا يقتصر الأمر على وجود معظم أفراد الأسرة دائماً في المنزل، بل يتعين على النساء أيضاً متابعة الإرشادات المتعلقة بالصحة لاكتساب المعرفة وحماية أسرهن من الأذى.”

وضمن القائمة الطويلة لكيفية تأثير الوباء على النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، تجدر الإشارة أيضاً إلى التسرب الكبير للفتيات من المدارس، مما يؤدي إلى تضخم ظاهرة زواج الأطفال في بعض البلدان، وإغلاق محاكم الأسرة الدينية، مما يعرقل بعض الشؤون مثل الطلاق من الحدوث، فضلاً عن الضغوطات على المجتمعات الموصومة بالعار مسبقاً مثل مجتمع المثليين، والعاملين في الجنس، والعاملات في المنازل، واللاجئات، اللائي لا يجدنّ في كثير من الأحيان مكاناً يلجأن إليه للحصول على المساعدة في المجتمعات التي ترفضهم في الغالب. فعلى سبيل المثال، في لبنان، ألقيت عاملات المنازل في الشوارع عندما لم يعد أصحاب العمل قادرين على إطعامهن بعد أسابيع وأحياناً شهور من العمل غير المأجور.

وهنا، علّقت أبو حبيب بالقول: “يعكس هذا بشكلٍ أساسي للعالم حقيقتنا ومن نحن وما نستطيع فعله،” وتابعت القول، “في تونس، ووفقاً لزملاء في منظمة للمثليين اسمها “موجودين،” فقد عملوا بجد لدعم العاملين بالجنس الذين فقدوا مصدر رزقهم، والذين حرموا من أي نوعٍ من المساعدة، ووصموا بالعار، وبحاجةٍ ماسة للمؤن الرئيسية وحتى وسائل النظافة الصحية من الطمث وما إلى ذلك. ما أعنيه هو أن الوباء أظهر أسوء ما في عقولنا وما يمكن أن تفعله مجتمعاتنا الذكورية، وهو المزيد من القمع للأشخاص المضطهدين بالفعل.”

لكن على الرغم من المواقف التي تبعث على التشاؤم، يمكن زيادة الفرص للنساء والفتيات إذا ما كانت الحكومات على استعدادٍ للاستثمار فيها. فعلى سبيل المثال، قالت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، “لتعزيز النمو، وتوظيف المزيد من النساء، يمكن أن تستفيد بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا من الحد من الفوارق بين الأنواع الاجتماعية.” ففي عام 2014، قدّر كلٌ من الباحثين تينييه وكوبيرز أن الناتج المحلي الإجمالي لمصر يمكن أن يكون أعلى بنسبة 29% مع القضاء على الفجوة الاقتصادية بين الجنسين، والإمارات العربية المتحدة بنسبة 31%، ولبنان بنسبة 28%، وإيران بنسبة 32%. بعبارةٍ أخرى، يمكن أن يساعد الحد من أوجه عدم المساواة إلى حد كبير الاقتصادات المعرضة للخطر، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق إزالة الحواجز التي تمنع النساء من الوصول إلى الوظائف وإزالة السقف الزجاجي، والاستثمار في مجالات جديدة. ووفقاً لرويترز، يمكن أن يكون التسويق الرقمي والتجارة الإلكترونية ودعم العملاء عبر الإنترنت المجالات التالية التي ستعمل بها النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. كما أظهرت دراسة نُشرت في سبتمبر 2020 بواسطة شركة مكينزي للاستشارات أن ذلك قد يؤدي إلى مضاعفة فرص العمل للنساء في المنطقة بحلول عام 2030.

ومع ذلك، هذا ليس بصيص الأمل الوحيد في نهاية النفق للنساء والفتيات، فقد أضافت أبو حبيب: “كان هذا وقتاً [منذ بداية الوباء] للتنظيم المذهل من قبل النساء والمنظمات النسوية، والتفكير الإبداعي المذهل، واستخدام هذه اللحظة ليس فقط لتقديم المساعدة، ولكن أيضاً لتضخيم الضغط.” وتابعت، “إن ما فعلوه وما زالوا يفعلونه في المنطقة هو تضخيم أصوات النساء واحتياجاتهن ومطالبهن بالمساواة الجنسانية. ومن خلال جمع البيانات ونشر القصص والروايات والأصوات، ومن خلال تذكيرنا جميعاً بأن العنف ضد المرأة، وأعمال الرعاية، والنظام الذكوري هي قضايا مهمة. بطريقةٍ ما، عزز الوباء التعبئة النسوية، ولهذا السبب أنا متفائلة نوعاً ما.”

في ضوء العواقب الوخيمة على النساء والفتيات في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، أعطى الوباء زخماً للمنظمات للضغط لفرض المزيد من الإجراءات الحكومية والتغييرات الاقتصادية التي يمكن أن تؤدي، إذا تم أخذها في الاعتبار، إلى مجتمعاتٍ أفضل للجميع.