بقلم: بشارة سمنة و د. شربل ميدع
في لبنان، البلد الذي يتأصل فيه بعمق النظام الذكوري والتوافق المعياري، يُنظر إلى أي نظامٍ آخر باعتباره تهديداً تتم مهاجمته وإيقافه. وعلى هذا النحو، يعدّ أفراد مجتمع الميم عين عموماً معرّضون بشكلٍ أكبر لخطر مواجهة الصعوبات الاقتصادية، نظراً لقلة فرص العمل- بسبب الوصم بالعار والتمييز- لا سيما عندما لا تتوافق التعبيرات الجنسانية.
لم يجعل تفشي فايروس كورونا الأمور أسهل، إذ كان له تأثيرٌ كبير على مجتمع الميم عين في لبنان. فالمجتمع يواجع بالفعل الكثير من التحديات لتحمّل الاحتياجات الأساسية للحياة اليومية، بيد أن الأمور ازدادت سوءاً فحسب في ظل جائحة كورونا.
يحتاج العديد من أفراد مجتمع الميم عين بشكلٍ دائم إلى ملجأ آمن، إذ تفاقمت هذه المشكلة مع إنتشار جائحة كورونا. ومنذ الإغلاق، لم يتمكن العديد منهم من تغطية نفقاتهم، ناهيك عن دفع الإيجار. ومع غياب خيارات المسكن الآمن، نظراً للآليات البيروقراطية اللبنانية المناهضة، من دون قصد، لمجتمع الميم عين، لم يعد أمام الكثير من أفراد المجتمع خيارٌ آخر سوى الإنتقال للعيش في بيئاتٍ غير آمنة أو باتوا بلا مأوى.
وعليه، اختار البعض الانتقال ليخضعوا للحجر مع مجموعاتٍ من الأصدقاء أو التنقل من مكانٍ إلى آخر للبقاء في منازل صديقة لمجتمع الميم عين. ومع ذلك، تتعارض مثل هذه الممارسات مع جهود التباعد الاجتماعي وتعرض هؤلاء الأفراد لخطر أكبر للإصابة بالفيروس، الذي يعدّ أمراً خطيراً على نحو خاص لأولئك الذين يعانون من ظروف طبية مسبقاً مثل فيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز).
بينما اضطر البعض الآخر للبقاء مع والديهم أو أفراد أسرهم أو شركائهم. وبالتالي، شهد لبنان زيادةً كبيرة في عدد الحالات المبلغ عنها لضحايا العنف الأسري.
تأتِ هذه الأشكال من الإعتداءات الصغيرة والعنف- سواء كانت لفظية أم جسدية- من الأهل الذين يعانون من رهاب المثلية أو معاداة مغايري الهوية الجنسية أو من شركاء يُسيئون معاملتهم. وبحسب ما قالته باسكال كولاكيز، مستشارة الصحة العقلية في منظمة الشرق الأوسط للخدمات والدعوة والتكامل وبناء القدرات (موزاييك)، لنا في فَنَك: “أن تعلّق في المنزل مع الأهل يُضيف المزيد من التوتر نظراً لكونهم لا يُفصحون صراحةً عن ميولهم لهم، وإلى جانب العيش مع الخوف من فايروس كورونا، يتعين عليهم الآن إخفاء حقيقتهم على مدار الساعة طوال الوقت.” أما الأعضاء الآخرون الذين اضطروا إلى البقاء برفقة شركائهم، المسيء بعضهم، لا يزالون أيضاً غير قادرين على مغادرة المنزل ذلك أنه لا يوجد مكانٌ آخر يذهبون إليه. ومع اضطرار الخطوط الساخنة للمنظمات غير الحكومية إلى الرد على المكالمات المتزايدة “كان هناك ارتفاع في إساءة معاملة الشريك في مجتمعات المثليين… تلقينا أيضاً العديد من الاستفسارات حول الإساءة التي كانت تحدث عبر الإنترنت مثل الابتزاز الذي شهد أيضاً ازدياداً خلال هذه المرحلة،” توضح السيدة كولوكيز.
وإلى جانب خطر التشرد أو العنف المنزلي، كان العديد من أفراد مجتمع الميم عين ممن يعانون من ظروف إجتماعية- اقتصادية متدنية يكافحون لتأمين قوت يومهم. ينبع هذا من سوق العمل الذي كان يستبعد ويستغل بشكلٍ منهجي هذا المجتمع، وبالتالي كان أفراد مجتمع الميم عين من بين أوائل من تم تسريحهم خلال هذا الوباء. لا يعني هذا فقط أنهم يفتقرون إلى المرافق الأساسية والمواد الغذائية الأساسية ومنتجات ومواد النظافة الأساسية للوقاية وأخذ الحيطة والحذر من الوباء، بل يعني أيضاً أن يظلوا عالقين في المنزل طوال اليوم في بيئة مسيئة دون أن يفعلوا شيئاً أو يعملون فقط عبر الإنترنت، مما يضيف المزيد إلى محنتهم.
بالإضافة إلى ذلك، يعتمد أفراد مجتمع الميم عين المُقيمون في لبنان (المُضيفون والمهاجرون واللاجئون) غالباً على دعم منظمات المجتمع المدني للحصول على قوتهم يوماً بيوم والحصول على الخدمات الرئيسية. فقد اعتاد العديد من الأفراد منهم الاعتماد على الأنشطة الجماعية التي اعتادت المنظمات عقدها في مراكزهم، من الخدمات والمساعدات النقدية الصغيرة والدعم النفسي والاجتماعي وخدمات الصحة العقلية والمواد الغذائية ورسوم النقل التي كانت تعدّ شكلاً من أشكال شريان الحياة بالنسبة لهم.
وفي ضوء الوضع الحالي، توقفت جميع الأنشطة الجماعية منذ أوائل مارس 2020 مع تدابير الإغلاق، مما أثر على سبل عيش مجتمع الميم عين وحصولهم على الاحتياجات الأساسية. فقد تم تحويل العديد من تمويل المشاريع إلى دعمٍ عاجل لاستبدال جهود الحكومة المفقودة وتوفير المساعدة السكنية اللازمة والطرود الغذائية والأدوية والمستلزمات الصحية. كما تم إغلاق المساحات الآمنة والشاملة لمجتمع الميم عين مما أدى إلى نزع شبكات التضامن وأنظمة الدعم التي ربما كان هؤلاء الأفراد يمتلكونها، بيد أن هذا ليس كل شيء، إذ كان لإيقاف هذه الخدمات أيضاً تأثيرٌ كبير على صحتهم العقلية، ومع ذلك ، أخبرتنا السيدة كولاكيز أنه “ليس لديهم طريقة للتعبير عن هويتهم أو كيف يشعرون، سواء كان ذلك متعلقاً بميولهم الجنسية أو هويتهم الجنسانية التي جعلت من الصعب عليهم التأقلم مع ما يحصل طوال فترة إنتشار الفايروس.” بل إن الأنشطة والخدمات عبر الإنترنت كان لابد من إيقافها بسبب الافتقار إلى الخصوصية التي يعاني منها الكثيرون في المنزل وخوفاً على سلامتهم.
ونظراً لكون لبنان يستضيف أكبر عدد من اللاجئين للفرد الواحد في العالم (وفقاً لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) يشتكي العديد من اللاجئين من أن ملفاتهم قد تم تعليقها في بعض المنظمات الدولية غير الحكومية وفي مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين وبالتالي لا يمكنهم المغادرة. بالإضافة إلى ذلك، شكل التأخر في استلام المساعدة النقدية ومواعيد التسجيل مشكلةً متزايدة طوال فترة الوباء. ومع كون هذه الفئة المحددة من بين الأفقر وممن يجدون صعوبةً في الالتحاق بقطاع العمل الرسمي، إلى جانب العديد من أفراد مجتمع الميم عين المحليين الذين تم نبذهم، يجد الكثيرون أنفسهم يعملون في السوق غير الرسمي. وبسبب التباعد الجسدي، فقد معظم العاملين في الجنس من الذكور والإناث مصدر دخلهم، في حين أن أولئك الذين يستأنفون عملهم من أجل تلبية احتياجاتهم يتعرضون لخطر كبير للإصابة بفايروس كورونا.
علاوةً على ذلك، بالنظر إلى أن المثلية الجنسية لا تزال مُجرَّمة في لبنان بموجب المادة 534 من قانون العقوبات، لا تقدم الحكومة أي دعمٍ يستهدف على وجه التحديد مجتمع الميم عين، ولا سيما لاجئي هذا المجتمع. ولا تزال قوات الأمن تتصرف بموجب هذه المادة، على الرغم من عدم ذكر المثلية الجنسية بشكل صريح، لاحتجاز الأفراد والقيام بحملات القمع واضطهاد مجموعات مجتمع الميم عين تحت ذريعة البنود الأخلاقية. وهذا يترك الأفراد بلا نظام حماية يلجأون إليه للحماية من المضايقات وسوء المعاملة التي يتعرضون لها في السجن ويفتح المجال لمزيد من التجاوزات والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
ومع استبعاد العديد من أفراد مجتمع الميم عين من سوق العمل، أو كونهم بلا عمل أو تعرضوا للتسريح من العمل، يظلون دون رعاية طبية أو ضمانٍ إجتماعي في بلدٍ لا تزال فيه مؤسسات الرعاية الصحية معادية للمثليين ومغايري الهوية الجنسية، مما يخلق مشكلة خطيرة في أوقات الجائحة.
كما أن الانفجار، سيء الذكر، الذي حصل في مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020 يزيد الأمور سوءاً. لم تضر عواقب الإنفجار بمنازل وملاذات الناس الآمنة فحسب، بل أثرت أيضاً على أشغالهم وأعمالهم، وبالتالي، على سُبل عيشهم. وبحسب قاعدة بيانات موزاييك، كما كشف السيد ريبال معتوق، مدير البرنامج لفَنَك، فإن العديد من أفراد مجتمع الميم عين يقيمون في أحياء الأشرفية والجميزة ومار مخايل وبرج حمود والجعيتاوي والكرنتينا، التي تضررت بشدة من جراء الانفجار. ومع تدمير هذه المناطق الصديقة لمجتمع الميم عين، دُمرت كذلك المساحات الآمنة للمجتمع.
“أجرينا الكثير من المكالمات في موزاييك للإطمئنان على الجميع وعلى أوضاعهم فيما يتعلق بالمسكن والأوضاع بشكلٍ عام، وكان هذا مفيداً للغاية بمعنى أنه يمكنهم سرد قصصهم والتفكير بصوت عالٍ بما حصل معهم مع أحد المختصين… لكن هذا لم يكن كافياً لأن متطلباتهم الرئيسية كانت ذات طبيعة مالية،” بحسب ما قالته السيدة كولاكيز لنا في فَنَك. فقد أعرب المستفيدون الذين تم التواصل معهم عن حاجتهم إلى النقود حتى يتمكنوا من إيجاد أماكن للإقامة أو ترميم منازلهم المتضررة، ويشمل ذلك تركيب الزجاج وأدوات المطبخ والمعدات والأبواب والستائر والأثاث.
إن العديد من برامج الإغاثة التي تقدمها مختلف المنظمات غير الحكومية أو حتى القطاع الحكومي غير مخصصة أو حتى تشمل مجتمع الميم عين، أو بالأحرى أولئك الذين يواجهون مخاطر تهدد حياتهم لا سيما المتحولون جنسياً بسبب مظهرهم الواضح الذي لا يمكن تفاديه. وبالتالي، يصعب على المرأة المتحولة جنسياً طلب الطعام أو المال بسبب الوصم بالعار والتمييز الذي تخضع له في المجتمع.
كانت الاستجابة لجائحة كورونا من قبل المنظمات غير الحكومية المحلية لمجتمع الميم عين والجهات الفاعلة المستقلة فورية واشتدت بعد الانفجار، فقد أجرى العديد منهم تقييماً لاحتياجات الأفراد وقاموا بزيارات ميدانية إلى جانب تقديم الطرود الغذائية والأدوية، وتقديم المساعدة بتوفير مأوى، وإطلاق مبادرات التمويل الجماعي للمساعدة في تخفيف الضرر. بل تم تحويل اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية الجنسية، ورهاب التحول الجنسي، ورهاب إزدواجية الميل (IDAHOBIT) السنوي إلى سلسلةٍ من الأحداث عبر الإنترنت تحت عنوان “كسر الصمت” للحفاظ على شبكة الدعم والتوعية التي يعتمد عليها العديد من أعضاء المجتمع.
ومع ذلك، على الرغم من الحجم الهائل للطاقة والموارد الموجهة لجهود الإغاثة، تلوح في الأفق سحابة من اليأس فوق قوس قزح مجتمع الميم عين في لبنان. ففي ظل الأزمة الاقتصادية، والوباء العالمي، والانفجار، يتساءل الكثيرون عن كيفية الاستمرار في المضي قدماً عندما يصبح توفير المأوى والطعام امتيازاً أكثر من كونه حاجةً أساسية.