قامت المملكة العربية السعودية بتهميش واضطهاد سكانها الشيعة منذ إنشاء البلاد في عام 1932. فقد حدثت آخر أزمةٍ خلال صيف عام 2017 عندما دمرت قوات الأمن السعودية مدينة العوامية في محافظة القطيف الشرقية التي يغلب عليها السكان الشيعة. ووصفت صحفية هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) سالي نبيل، التي مُنحت إذناً استثنائياً بالدخول إلى المنطقة، المدينة بمنطقة النزاع، والتي عكست صور الدمار في الموصل (العراق) وحلب (سوريا).
فقد نُثرت بذور النزاع عام 2016، عندما أعلنت السلطات عن خططٍ لهدم حي المسورة، الحي القديم في العوامية، وبناء مركزٍ تجاري مكانه. وفي العام التالي، في 19 مايو 2017 بالتحديد، رافقت قوات الأمن الحكومية الجرافات إلى المسورة، إلا أنها قوبلت بمقاومةٍ من قبل مسلحين مجهولين، وسرعان ما اندلعت الاشتباكات في قتالٍ عم المنطقة بأكملها.
وبحلول أغسطس 2017، قالت مصادر حكومية لشبكة سي إن إن، إن الشوارع الضيقة في الحي والمباني الصغيرة كانت بمثابة ملاذٍ آمنٍ لـ”المجرمين.” وعليه، فر جميع سكان حي المسورة تقريباً بسبب القتال، إذ أفاد غالبيتهم للناشطين والصحفيين إنهم يعارضون خطة الحكومة الرامية إلى هدم أحياءهم وترحيلهم. كما حذرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة في مجال الحقوق الثقافية، كريمة بنون، من أن ذلك سيؤدي إلى محو التراث الفريد للعوامية.
ومن الواضح أن السلطات السعودية لم تهتم لذلك الأمر، وعلى الرغم من نفيها وجود أي دافع سياسي لترحيل السكان بقوة، إلا أن سيباستيان سونس، خبير الشرق الأوسط من المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، قال لدويتشه فيله إنه يشكك في ذلك. فقد قال للصحيفة في أغسطس، أثناء اندلاع القتال:”[أعتقد] أن [السعوديين] يحاولون تشتيت وحل الأقلية الشيعية المهيمنة في المنطقة عن طريق إزالة قاعدتها.”
ولطالما كانت المقاومة متفاقمةً في العوامية. فخلال أحداث الربيع العربي عام 2011، دافع الشيخ نمر النمر، الذي يحظى بشعبية كبيرة، عن المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في البحرين، وهي دولة ذات أغلبية شيعية تحكمها أسرة مالكة قمعية. كما ندد أيضاً بالتمييز المنهجي الذي تمارسة المملكة العربية السعودية ضد مواطنيها الشيعة.
فقد قال في خطابٍ أثناء الانتفاضات، “من اليوم الذي ولدت فيه وحتى يومنا هذا، لم أشعر بالأمن أو الأمان في هذا البلد. نحن لسنا موالين لدولٍ أو سلطاتٍ أخرى، كما لسنا مخلصين لهذا البلد.” وأضاف “ما هو هذا البلد؟ النظام الذي يقمعني؟ النظام الذي يسرق أموالي، يهدر دمي وينتهك شرفي؟”.
علّت شجاعة النمر من مكانته. ومع نمو قاعدة أتباعه، نمت أيضاً رغبة آل سعود في التخلص منه. وفي عام 2012، تحركت السلطات لاعتقاله غير أنها تعرضت لإطلاق نارٍ عند دخلوهم العوامية. بل أن النمر أصيب برصاصةٍ في ساقه قبل أن يتم اعتقاله في نهاية المطاف. وفي وقتٍ لاحق حكم عليه بالإعدام، ليقطع رأسه مع 46 شخصاً آخر في 2 يناير 2016.
وقال طه الحاجي، أحد الشيعة المدافعين عن حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، لفَنك، إنه حاول إقناع السلطات بعدم المساس بالنمر قبل أشهرٍ من إعدامه. كما يذكر حضوره تجمعاً داخل المسجد الذي اعتاد النمر أن يلقي مواعظه فيه.
وقال لنا الحاجي، الذي يعيش في ألمانيا عبر الهاتف “لم يكن احتجاجاً، بل كان التجمع وسيلةً لإظهار ترابطنا ودعمنا للشيخ النمر. حصل التجمع قبل مقتله.”
لم تُثني وفاة النمر الناس عن مقاومة قمع الدولة. ومع ذلك، يقول الحاجي إن معظم الشيعة السعوديين لا يتغاضون عن العنف تحت أي ظرفٍ من الظروف. كما يقول إنه لا يعرف الانتماء السياسي للمسلحين الذين اشتبكوا مع القوات السعودية في الصيف الماضي، ولكنهم كانوا جميعاً مطلوبين من قبل الدولة.
إذ قال “حارب هؤلاء الرجال ضد القوات السعودية عندما جاءوا لجرف المنطقة، لأنهم كانوا يخشون أن يتم القبض عليهم وتعذيبهم وقتلهم إذا ما تم القبض عليهم. كانوا يعتقدون أن من الأفضل القتال حتى النهاية.”
ويدعي الحاجي أن هؤلاء المقاتلين عادةً ما يُشار إليهم من قِبل سكان العوامية إما بالمطلوبين أو المطاردين. وللقبض عليهم، لجأت الدولة السعودية إلى العقوبة الجماعية من خلال اعتقال أقاربهم. وفي الوقت نفسه، تم استئصال جميع المدنيين تقريباً من حي المسورة بشكلٍ دائم. وعلى الرغم من تعويضهم مالياً ومنحهم مساكن بديلة، قال الحاجي إن الكثيرين اشتكوا من أن ظروفهم المعيشية باتت اليوم أكثر صعوبة، وأشار إلى أن عدة أسرٍ تعيش في نفس الشقة لأنها لا تستطيع تحمل النفقات.
ومع ذلك، تلوم الحكومة الإرهابيين على تدمير الحي القديم في العوامية، على الرغم من أن جذور الصراع أعمق من ذلك بكثير. ومن أكثر المفارقات وضوحاً هو أن التعصب الديني جزءٌ من تعاليم المؤسسة الوهابية، فرجال الدين المدعومون من الدولة يغذون الكراهية ضد الشيعة من مساجدهم. بل إن بعض الشيوخ أدانوا حتى الزواج بين المسلمين من الطوائف المختلفة، فضلاً عن وصفهم الشيعة بمصطلحاتٍ ازدرائية.
كما تم إضفاء الطابع المؤسسي على الكراهية تجاه الشيعة، فكثيراً ما تصور الكتب المدرسية السعودية الشيعة باعتبارهم منشقون عن العقيدة، في حين يُميّز معلموا المدارس، بشكلٍ روتيني، ضد أطفال المدارس الشيعة في مدينة الدمام الشرقية، وفقاً لتقرير الصحفي سيد جعفر من السي إن إن. وعلاوة على ذلك، يُمنع الشيعة أيضاً من تقلد المناصب الوزارية والأمنية العليا.
والأسوأ من ذلك، فقد ضاعف الجدل الجيوسياسي الإقليمي من اضطهاد الشيعة، وفقاً لما قاله الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، آدم غوغل، لهيومن رايتس ووتش. ووفقاً لما ذكره، فإن السلطات السعودية كانت قد اقترحت سابقاً أن مواطني المملكة الشيعة أكثر ولاءً لإيران من ولائهم لآل سعود.
ففي أبريل 2015، قال محافظ المنطقة الشرقية، الأمير سعود بن نايف آل سعود، إن المملكة ستقف متحدةً ضد أحفاد الصفوي عبد الله بن سبأ، الذين يحاولون تقسيم الأمة. وشرح غوغل أن السلالة الصفوية حكمت إيران من القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر، وأشرفت على تحويل الناس في المنطقة إلى الإسلام الشيعي. ويزعم أن الشيعة في السعودية فسروا كلمات نايف آل سعود باعتبارها اتهاماً بتصرفهم بالنيابة عن إيران من أجل إثارة الاضطرابات في المملكة. وجاء هذا التعليق بعد أن قتل مسلحون في القطيف ضابطين سعوديين.
وعليه، ينفي النشطاء السعوديون هذه الاتهامات الصريحة بكونهم جزء من مؤامرةٍ إيرانية أوسع. ويقول غالبيتهم إن طموحهم الوحيد يتمثل في أن تتم معاملتهم كمواطنين متساوين. وترى جماعات حقوق الإنسان أن تطبيق ذلك سيكون في مصلحة الحكومة السعودية. ووفقاً لغوغل، فإن السبيل الوحيد لإنهاء الاضطرابات في المنطقة الشرقية، هو منح كامل الحقوق للشيعة.