نشر موقع The Conversation مقالةً تتناول حياة اللاجئين في دول الرعاية الاجتماعية في شمال أوروبا. وتحلل داليا عبد الهادي، ومارتن يورمان، ونينا غرين، الباحثون في جامعة لوند بالسويد، إخفاق دول الرعاية الاجتماعية في معاملة اللاجئين. ويكشف أصحاب المقالة النقاب عن الإساءات التي تواجه بها البيروقراطية اللاجئين من مماطلة وتعسف في الإجراءات، مستندين في ذلك على مقابلات قاموا بإجرائها عددٍ من اللاجئين ونشروها في كتابٍ جديد.
حين نفكر في المشقة التي يتكبدها عادةً اللاجئون من أجل الوصول إلى أوروبا، نعود بالذاكرة غالباً إلى عام 2015، عندما فرّ من الخطر أكثر من مليون شخص بحثاً عن حياة أفضل.
ويمثّل الوصول إلى دول شمال أوروبا كألمانيا والسويد الهدف النهائي لكثير من اللاجئين. فمعروف بين الناس أن في دول الرعاية الاجتماعية تلك استقرار وديمقراطية وحقوق إنسان، وهذه غاية اللاجئين حتى يبدؤوا صفحة جديدة ويحققوا أحلامهم.
لكن غالباً ما تتكشف صورة مختلفة عند الوصول إلى هذه البلاد. فقد كانت الحكومات شيئاً ما عدائية في استجابتها الرسمية للاجئين الذين فرّ كثيرٌ منهم من الحرب في بلاد مثل سوريا وأفغانستان والعراق.
وفي كتابهم المنشور حديثاً بعنوان “اللاجئون وبيروقراطية الرعاية الاجتماعية في شمال أوروبا“، يحلل أصحاب المقال معاملة دول الرعاية الاجتماعية للاجئين ونتائج ذلك على حياتهم وتجاربهم.
أجرت إحدى المساهمات في الكتاب، ويندي بيرلمان، مقابلة مع محمود، وهو مهندسٌ شاب من دمشق يعيش في ألمانيا وقد فرّ من بلده وواجه ظروف توظيف سيئة وتعرّض للاستغلال في تركيا. وحين سُئل عن سبب مخاطرته بحياته والانتقال إلى أوروبا، أجاب عن اختياره لألمانيا قائلاً: “سمعت أن التعليم هنا مجاني. وهم يعلّمونك اللغة، ويوفرون لك منزلاً وما إلى ذلك… وكان عليّ الاختيار إما العيش ذليلاً في تركيا، وإما أن أبني مستقبلي في ألمانيا”.
إذن، ماذا الذي يحدث للاجئين الذين وصلوا إلى شمال أوروبا؟ ما هي تجاربهم، وهل وجدوا حياة أفضل كما كانوا يأملون؟
طالبو اللجوء بوصفهم خطراً
أظهر البحث الذي أُجري على السويد والدنمارك والنرويج وألمانيا وبريطانيا أن دول الرعاية الاجتماعية تعتبر عابري الحدود خطراً يجب السيطرة عليه من خلال عدة تدخلات. أي أنه ورغم منحهم حق اللجوء، فإن العديد من اللاجئين يواجه عقبات تؤدي إلى الإحباط بل إلى اليأس.
لقد رأى الباحثون كيف تطبق دول الرعاية الاجتماعية مستوى عالٍ من المراقبة والسيطرة على حياة الناس اليومية، خاصةً اللاجئين الوافدين حديثاً. ويوضحون في كتابهم هذه الأشكال المختلفة من العنف ليبينوا ما تسببه من صراع وأذى وقسوة. وتقدم الدنمارك وبريطانيا والسويد أمثلة من الاستعمال الفج للقوة في احتجاز وترحيل المهاجرين.
في البلاد الثلاثة المذكورة، فإن النساء اللائي تعرضن بالفعل للعنف المنزلي في أوطانهم يواجهون بعمليات الاعتقال والترحيل إلى مراكز الاحتجاز في حال رُفضت طلبات لجوئهن. ولا يمكن النساء الموجودات في مراكز الاحتجاز الدنماركية طهي طعامهن أو حتى مغادرة المبنى (حتى وإن كان ذلك من حقهن وفقاً للقانون)، ما جعل من الصعب على النساء اللواتي تحدثن إلى الباحثة فيكتوريا كانينج أن يجدن أي متعة في الأنشطة القليلة المتاحة لهن.
وتفرض مؤسسات مختلفة مثل منظمات خدمات التوظيف ومرافق الاستقبال ووكالات الهجرة قيوداً وإجراءات يومية تتعلق بالتعليم العالي والعمل والسكن والتنقل. ويكون لكل ذلك آثار طويلة الأمد على حياة اللاجئين ويجبرهم على البقاء في خانة التابع.
آثار الانتظار
قد يكون الانتظار أكبر مصدر للإحباط في تجربة اللاجئين. إذ يعاني اللاجئون من الانتظار لأجل غير مسمى قبل أن يتمكنوا من البحث عن وظيفة أو التسجيل في المؤسسات التعليمية.
وبالبحث في تجارب اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في السويد وألمانيا، فقد وجد أصحاب المقالة عقبات كبيرة أمام هؤلاء اللاجئين لدخول سوق العمل. وقد ذكر اللاجئون الذين تحدث إليهم الباحثون كثرة متطلبات برامج الاندماج والدراسة في الجامعات والتدريبات.
وتجبر مثل هذه العقبات اللاجئين على التخلي عن أحلامهم. فقد مُنح عدد كبير منهم حق اللجوء وتصاريح الإقامة في النرويج مثلاً، لكنهم ظلوا عالقين لسنوات في مراكز اللجوء حيث لا يمكنهم بدء دورات لتعلم اللغة، كما لا يمكن أن يجتمع شملهم بأسرهم ولا يُسمح لهم بالبحث عن وظائف. بل ينتظرون حتى تستقبلهم مجالس البلدية.
وفي أثناء الانتظار الإجباري، يكون الشعور بالعجز وعدم القيمة هو مآلهم عادة. وفي حالات أخرى لا تقتصر المعاناة على تأخر إجراءات اللجوء التي تعطل الحياة، بل يضاف إليها أيضاً انتظار المؤسسات الحكومية حتى تعتبر اللاجئين قادرين على بدء حياة جديدة.
اللاجئون غير مرحب بهم حقاً
كل تفاعل يومي مع ممثلي الدولة مثل الشرطة وموظفي مكاتب الهجرة ومسؤولي ملفات اللاجئين والإخصائيين الاجتماعيين هو بمثابة تذكير للاجئين بأنهم عبءٌ على دولة الرعاية الاجتماعية، بينما يُحرمون من فرصة المساهمة فيها.
وفي مقابلة أجرتها باحثة مع المنسق الوطني لمنظمة دعم اللاجئات في بريطانيا قال: “بالنظر إلى أخلاقيات نظام اللجوء… سواء أكانت تشتيت الناس أو منحهم مبالغ ضئيلة من المال، وصولاً إلى منعهم من العمل أو احتجازهم، يبدو واضحاً حقاً أن هذا النظام في كل مراحله لا يريد لهؤلاء الناس أن يكونوا هنا”.
وتسلط هذه المواجهات بين ممثلي الدولة والوافدين الجدد الضوء على الاختلاف بين الافتراضات الحالمة للاجئين عن شمال أوروبا وواقع القوانين المقيدة، وإجراءات اللجوء الطويلة، وبرامج الاندماج، فضلاً عن المزاج العام الرافض لهم عامةَ.
مرّ العديد من اللاجئين بتجارب تشهد على وقوف دولة الرعاية الاجتماعية عائقاً أمام استقرارهم في أماكن جديدة. إنه لأمر مؤسف وإهدار للموارد أن يخيّم هذا القبح المتأصل في الإدارة والبيروقراطية على حياة اللاجئين الوافدين حديثاً إلى أوروبا.
ملاحظة
الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.
* تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com في 01 فبراير 2021.