تقول الحكومة التركية أنّ البلاد ببساطة لا تستطيع التعامل مع تدفقٍ جديدٍ للاجئين، وبالتالي، يتوجب على ما يقرب من 50,000 سوري، الذين يطرقون بابها عند معبر باب السلامة في فبراير 2016 ، البقاء في المخيم الذي بُنيّ على الأراضي السورية من قِبل منظمة الإغاثة التركية، مؤسسة الأغاثة الإنسانية التركية. هناك، يوجد عدد قليلٍ جداً من الخيام، حيث يُجبر اللاجئون على النوم في العراء، فضلاً عن الحاجة إلى البطانيات، ودورات المياه، والطعام، وبخاصة للرضع والأطفال. وفي الوقت نفسه، يواصل السوريون الذين هربوا من براثن الحرب الأهلية المدمرة في وقتٍ سابق، والذين يعيشون في الوقت الراهن في تركيا، الرغبة في الخروج من تركيا. ومن المفترض أن توقفهم تركيا، إلا أنه حتى لم يكن بيدها أي حيلة.
تركيا بالفعل تستضيف عدداً مهولاً من اللاجئين السوريين يصل إلى مليونين ونصف لاجىء. وكلما طال أمد الحرب الأهلية، كلما ازدادت أعداد أولئك الذين يرغبون في مغادرة تركيا. كان السبب المبدئي للهروب من سوريا هو السلامة، ولكن بما أنّ الأمل بانتهاء الحرب الأهلية في القريب العاجل قد تبخر، يسعى الناس إلى منح أنفسهم وأطفالهم مستقبلاً، وهذا أمرٌ غير ممكن في تركيا، على الرغم من التدابير التي اتخذتها الحكومة التركية لتخفيف معاناة اللاجئين.
فهناك على سبيل المثال، نقصٌ في المدارس للأطفال السوريين. فقد تعهدت الحكومة التركية بفتح عشر مراكز تعليمية جديدة في منطقة الريحانية، على مقربةٍ من الحدود السورية، حيث يعيش ما يقرب من 65,000 سوري، منهم حوالي 40,000 طفل. ستساعد هذه الخطوة، ولكن جزئياً فقط؛ إذ أن أكثر من نصف مليون طفل سوري لا يحصلون على التعليم. هذا وتعمل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على تنسيق خطة دعم وصمود اللاجئين الإقليمية، إلا أنها مؤخراً، ناشدت المجتمع الدولي مجدداً توفير الأموال التي تعهدت بها مسبقاً، حيث أنّ الموارد المالية لم تتجاوز حتى الآن الـ 33% فقط من الرقم المستهدف.
كما وعدت تركيا في يناير 2016 أنها ستفتح سوق العمل أمام اللاجئين السوريين. وقال فولكان بوزكير، وزير الشؤون الأوروبية للصحفيين، ” نحن نحاول تخفيف الضغط عن الهجرة غير الشرعية من خلال منح السوريين في تركيا تصاريح للعمل. ” ومع ذلك، فإنّ هذه التدابير تخفي العيب ولا تصلحه. فحماية تركيا، بحكم تعريفها، مؤقتة، ذلك أنّ قوانينها لا تسمح باعتبار السوريين أو أي لاجئين آخرين أتوا إلى تركيا، لاجئين والحصول على تصريح إقائمة دائم. فتركيا تراعي ” الحد الجغرافي ” في اتفاقية عام 1951 للاجئين، وهذا يعني أنها لا تقبل اللاجئين إلا إذا أتوا من بلدان أوروبية.
وما دام هذا الحد الجغرافي في مكانه، ويبدو أنه سيبقى كذلك لسنواتٍ قادمة، فيبدو أن كل محاولة لايقاف اللاجئين من التوجه إلى أوروبا غير مجدية. ومع ذلك، هذا ما تحاول اتفاقية نوفمبر 2015 بين تركيا والاتحاد الأوروبي تحقيقه : يدفع الاتحاد الأوروبي لتركيا ثلاثة مليارات يورو للمساعدة في تحسين ظروف السوريين في تركيا، مقابل أن تحاول الحكومة التركية ايقاف تدفق اللاجئين إلى أوروبا. إلا أنها صفقة محكومٌ عليها الفشل، ذلك أن الساحل التركي طويل وغير منتظم، مع شواطىء لا تحصى تخرج منها رحلات الموت المتجهة إلى الجزر اليونانية. في الواقع، قد تؤدي هذه الاتفاقية إلى المزيد من الوفيات في البحر، لأن أقصر وأكثر الطرق شعبية ستكون تحت الحراسة المشددة، مما سيجبر فاقدي الأمل سلك مساراتٍ أطول وأكثر خطورة.
وبحلول فبراير 2016 ، لم يدفع الاتحاد الأوروبي ولو سنتاً واحداً لتركيا، متذرعاً بعدم الرضى عن الجهود التي تبذلها تركيا لإغلاق طريق اللاجئين في بحر ايجه. وفي ضوء ذلك، هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بفتح أبواب دول الاتحاد الأوروبي أمام اللاجئين عن طريق فتح الحدود البرية إلى اليونان وبلغاريا، المغلقة فعلياً في الوقت الراهن. في البداية، كانت هذه مجرد شائعة نشرها موقعٌ الكتروني يوناني، إلا أنّ أردوغان أكد تهديداته في خطابٍ له في 11 فبراير عندما قال، ” أنا فخورٌ بما قلته. دافعنا عن حقوق تركيا واللاجئين. وأخبرنا الأوروبين : عذراً، سنفتح الأبواب ونوّدع اللاجئين. ” وبعد ذلك، استشاط أردوغان غضباً بوجه الأمم المتحدة، التي دعت تركيا لفتح حدودها الجنوبية أمام عشرات الآلاف من السوريين القابعين هناك، والتي كان عليها عوضاً عن ذلك، كما أصرّ أردوغان، الطلب من الدول الأعضاء استقبال اللاجئين من تركيا، مضيفاً ” عارٌ عليكم !” باختصار، تركيا ومواطنيها على حد سواء، ساخطين بشكلٍ متزايد من دعوات المجتمع الدولي لتركيا بذل المزيد من الجهود من أجل اللاجئين السوريين، في حين لا يقومون سوى بأقل القليل للمساهمة في رعايتهم.
وفي الوقت نفسه، يبدو أن تركيا تمتلك أيضاً سبباً سياسياً لعدم استقبال اللاجئين الذين يفرون في الوقت الحالي من الغارات الجوية الروسية الداعمة لقوات الأسد في ريف حلب. وفي زيارة قام بها مؤخراً إلى لاهاي للحديث عن أزمة اللاجئين مع هولندا، التي ترأس الاتحاد الأوروبي خلال الفترة من يناير إلى يونيو 2016 ، ادعى رئيس الوزراء داود أوغلو أن الرئيس السوري الأسد وروسيا يحاولون فرض تطهير عرقي في منطقة شمال حلب، إذ لم يتبقى سوى مؤيدي الأسد في المنطقة. صرّح داوود أوغلو قائلاً ” كل لاجىء نقبل دخوله يساهم في سياسة التطهير العرقي. “
يرتبط هذا أيضاً بخوف تركيا من أنّ الجزء الأخير من المنطقة الحدودية الذي لا يزال بين أيدي تنظيم الدولة الإسلامية ” داعش، ” والجيش السوري الحر قد يقع تحت أيدي الأكراد. ففي نهاية المطاف، تدعم الولايات المتحدة وروسيا وحدات حماية الشعب الكردية السورية، إذ لا تزال وحدات حماية الشعب تواقةً لربط كانتونات الجزيرة وكوباني بالكانتون الثالث، عفرين، شمال غرب البلاد. ويشكّل هذا بالتأكيد أسوء كابوسٍ لتركيا، ذلك أنّ وحدات حماية الشعب الكردية تنتمي لحزب العمال الكردستاني ( بي كا كا ) ، الذي يقاتل الحكومة التركية منذ عام 1984. فضلاً عن ذلك، تحقق قوات سوريا الديمقراطية، وهي ائتلاف من جماعات المعارضة بقيادة وحدات حماية الشعب، تقدماً حول أعزاز، وفي 13 فبراير الجاري، بدأت تركيا قصف مواقع لوحدات حماية الشعب هناك. وتُشير التقارير إلى أنّ تركيا توسّع نطاق القصف إلى عفرين، وهو المكان الذي، من سخرية القدر، يتجه إليه العديد من اللاجئين السوريين، بعد أن أغلقت تركيا أبواب معبر باب السلامة. ولا تزال عفرين آمنة نسبياً، تماماً مثل الجزيرة وكوباني، ولكن إلى متى؟
الحرب السورية تزداد تعقيداً كل يوم، وأكبر الضحايا، موطنوا سوريا، يستخدمون بشكلٍ متزايد كورقة مساومة سياسية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.