انتهى تطوير البرنامج النووي العراقي في عهد صدام حسين خلال السبعينات. بتمويل وتنظيم جيدين، كان طبقه الرئيسي يتألف من مفاعل نووي (Osiraq) فرنسي مزمع بناؤه غير بعيد عن بغداد. ولكن تكرر تأخير بنائه، من المحتمل بسبب عمليات تخريبيَة قامت بها الاستخبارات الإسرائيلية الموساد. وفي صيف عام 1981، وقبل الموعد المقرر لبدء عمل المفاعل وإنتاج البلوتونيوم، تم تدميره عن طريق هجوم نفذه سلاح الجوَ الإسرائيلي. ونظراً لأن القسم الأساسي الذي يحتوي على اليورانيوم لم يكن قد تم تركيبه بعد، ونظراً لأن الهجوم تم تنفيذه خلال عطلة نهاية أسبوع إسلامية، لم يكن هناك أيَ نشاط إشعاعي ولا خسائر في الأرواح.
مع أن صدام حسين لم يستسلم، استنزفت الحرب الطويلة والصعبة غير المتوقعة ضدَ إيران موارده وأعاقت تقدَم البرنامج. وخلافاً لإسرائيل وإيران أيضاً، لم يقم العراق أبداً بتطوير قواعد الإطلاق الضروريَة (كانت صواريخ الحسين التي استخدمت ضدَ طهران في عام 1988 وضدَ إسرائيل في عام 1991 بدائيَة لهذا الغرض إلى حد كبير). منذ الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، ونظراً لانهيار الاقتصاد العراقي، فقد تمَ تعليق برنامجه النوَوي.
البرنامج العسكري النووي العراقي
يعود البرنامج النووي العراقي إلى سبعينات القرن العشرين. تنوعت الطرق التي حاول فيها العراق على امتلاك أسلحة نووية. عام 1976، باعت فرنسا للعراق مفاعلاً تجريبياً، استطاعته 40 ميجا وات، يدعى تموز 1، أو أوسيراك Osiraq. كان المفاعل مصمماً للعمل على وقود يورانيوم عالي التخصيب صالح لصنع أسلحة نووية، إلا أن ذلك لم يقرع ناقوس الخطر في باريس منذ أن وقعت فرنسا على معاهدة حظر الانتشار النووي عام 1969. وكان النظام العراقي قد اعتمد على إمكانية تجنب أعين مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) العائدة للأمم المتحدة. ومن خلال تقنية فصل نظائر تم الحصول عليها من السوق السوداء، خطط العراق لإنتاج بلوتونيوم صالح لصنع أسلحة نووية، 5-7 كغ سنوياً. لم يعتمد الإنتاج على المفاعل فقط، وإنما أيضاً على الزيارات المتكررة للتقنيين الفرنسيين ومفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
في حزيران/يونيو 1981، وقبل أن يجهز مفاعل أوسيراك للعمل، دمرته غارة جوية إسرائيلية. وقد أوقف القصف البرنامج النووي لسنوات، إلا أنه لم يقضِ عليه نهائياً. وبالفعل، دفع الهجوم بصدام حسين إلى مضاعفة جهوده للحصول على قنبلة نووية. فقرر استبدال مفاعل تموز 1، أو تطوير مفاعل لتخصيب اليورانيوم قادر على فصل البلوتونيوم. ومن ناحية أخرى، تطوير طاقة إنتاج اليورانيوم المخصّب. تحركت كل هذه الجهود بسرية تامة وبعيداً عن عيون الوكالة الدولية للطاقة الذرية وغيرها.
البرنامج النووي
توصل العلماء العراقيون عام 1981 إلى أن فصل النظائر الكهرومغناطيسي (EMIS)، الطريقة التي استخدمتها الولايات المتحدة لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب لمشروع مانهاتن، كانت واعدة وأن طريقة الانتشار الغازي كانت ثاني أفضل الطرق. تم التخطيط لطريقة الانتشار الغازي لإنتاج اليورانيوم المنخفض التخصيب لتزويد طريقة فصل النظائر الكهرومغناطيسي التي يمكن عن طريقها إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب. واعتبرت تقنية النبذ صعبة الشراء أو معقدة التطوير للغاية. وفق مركز الأبحاث Globalsecurity.org، فإن برنامج بناء ترسانة صغيرة في العراق كان واسعاً وذا تمويل جيد. عام 1988، كتب مركز الأبحاث:
1) إنتاج محلي وشراء علني وسري لمركبات اليورانيوم الطبيعي. منشآت على مستوى صناعي لإنتاج مركبات يورانيوم نقي صالحة لتصنيع الوقود أو تخصيب النظائر؛
2) دراسة وتطوير كامل تقنيات تخصيب اليورانيوم التي ينتج عنها استغلال فصل النظائر الكهرومغناطيسي على مستوى صناعي وإحراز تقدم كبير نحو استغلال مماثل لتقنية التخصيب بعملية نبذ الغاز؛
3) دراسات تصميم وجدوى لمفاعل محلي لإنتاج البلوتونيوم؛ ورغم عدم وجود مؤشرات عن تخطيط العراق للحصول على مفاعل محلي لإنتاج البلوتونيوم شُرع به بعد دراسة الجدوى؛
4) دراسة وتطوير تقنية إعادة معالجة الوقود المشع.
5) دراسة وتطوير إمكانات التحويل إلى سلاح ذي انفجار داخلي في محطة A1 Atheer لتطوير وإنتاج الأسلحة النووية؛
6) برنامج مكثف الهدف منه تحويل وقود مفاعل أبحاث محمي واستعادة اليورانيوم عالي التخصيب لاستخدامه في سلاح نووي.
كما واجه هذا المشروع الطموح الكثير من العوائق، ومن الواضح أن بعضها لم يمكن التغلب عليها لإنتاج قنبلة عملية. تمكّن علماء الذرة العراقيون من شراء الأجهزة اللازمة لتحويل اليورانيوم المخصب إلى سلاح من السوق السوداء. حتى أن الزعيم العراقي صدام حسين عرض بشكل علني بعض “مفاتيح الكريتون” الخاصة والتي تستخدم لتفجير المفجرات التقليدية المستخدمة في تصميم القنبلة. بعد غزو الكويت عام 1990، لم يمكن للعراق الاعتماد على الاحتياطي الكبير الذي يملكه لصناعة قنبلة. وسرعان ما تضاءلت فرص الحصول على قنبلة. فقد قام المجتمع الدولي بعزل البلاد.
في صيف عام 1990، شرع العراق في برنامج مكثف لبناء قنبلة عن طريق عزل اليورانيوم المخصب كيميائياً عن الوقود المستخدم وغير المستخدم لمفاعل أبحاث روسي كان موجوداً في البلاد. وكان المفاعل تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أن المراقبين مُنعوا من دخوله. وقبل الانتهاء من عملية التخصيب – وفق العلماء العراقيين أنفسهم، استغرق ذلك حتى عام 1992 – بدأ القصف. أصيبت المنشأت في القصف، وبعد وقف إطلاق النار، دخل مفتشو المفوضية الخاصة للأمم المتحدة (UNSCOM) إلى البلاد. وحينها فقط اتضح الإطار العريض للبرنامج النووي العراقي.