وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

برنامج إسرائيل النووي

مفاعل نووي في ديمونا بإسرائيل

بدأ انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط من خلال الجهود النووية التي تبذلها إسرائيل. يعود برنامج إسرائيل النووي إلى السنوات الأولى من إنشاء الدولة. وبصرف النظر عن البحث العلمي، تكاد طبيعة البرنامج أن تكون عسكرية بالكامل. استناداً إلى محادثة مع الرئيس الإسرائيلي الحالي شمعون بيريز، يذكر الصحفي الأمريكي سيمور أن عام 1952 كان العام الحاسم. يبدو أن رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون أخبر مجموعة منتقاة من وزراء ومسؤولين بأن السبيل الوحيد لردم الهوة الديموغرافية والاقتصادية والعسكرية السحيقة على المدى البعيد بين إسرائيل وجيرانها العرب المعادين لها كانت عن طريق بناء أسلحة نوَوية.وبالتالي، ترأس بن غوريون مشروع إسرائيل النووي، وعام 1952 قام بتأسيس هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية (IAEC).

عام 1955، في ظل المبادرة الأمريكية “الذرة من أجل السلام”، سعت إسرائيل إلى الدعم النووي ووقعت اتفاقية تعاون نووي مع الولايات المتحدة الأمريكية، مما وفّر لإسرائيل الحصول على مفاعل أبحاث صغير. حتى أن التنقيب عن اليورانيوم كان قد بدأ في صحراء النقب قبل ذلك. خلال الخمسينات بحث العلماء الإسرائيليون بنشاط عن طرق جديدة لتخصيب اليورانيوم. في سنة 1956، وكجزء من اتفاق سيفر الذي أدى إلى حملة السويس، وافقت فرنسا على تزويد إسرائيل بمفاعل فضلاً عن مصنع لفصل البلوتونيوم. من غير المعروف سبب إقدامها على فعل ذلك، وعما إذا كان البريطانيون على علم بالسرّ، أما الجواب على السؤال الثاني فهو يكاد يكون نفياً. نتج عن الاتفاق الفرنسي الإسرائيلي منشأة ديمونة النووية، والتي زودتها النرويج بالمياه الثقيلة اللازمة لتبريد مفاعل ديمونة. يبدو أن المفاعل بدء العمل عام 1964. واستناداً إلى مذكرات شمعون بيريز، من المحتمل أن إسرائيل كانت تملك أول قنبلة نوويَة بدائية جاهزة في ذلك الوقت. وأوصى بيريز باستعراض بعض الأسلحة الخاصة التي كانت في حوزة إسرائيل قبل حرب حزيران/يونيو 1967.

عام 1964، وفي اجتماع بين رئيس الوزراء ليفي إشكول والرئيس الأمريكي ليندون جونسون، تم الاتفاق على عدم قيام إسرائيل بتجربة القنبلة ولا الاعتراف رسمياً بوجودها. وفي المقابل، تتظاهر الولايات المتحدة بعدم معرفة ما يجري. هذه السياسة، والمعروفة باسم “القنبلة في القبو”، لا تزال ساريَة المفعول. مكّن هذه السياسة إدخال معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) عام 1968 وصفقة نيكسون – مائير (الرئيس ريتشارد نيكسون رئيسة الوزراء غولدا مائير) السرية في أيلول/سبتمبر 1969. تهدف معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية إلى منع انتشار وتقنية الأسلحة النووية. لم تصادق إسرائيل على هذه المعاهدة، ذلك لأن إسرائيل اشترطت قبل التوقيع ضمان الولايات المتحدة الأمريكية أمن إسرائيل في أي وقت، وعدم ربط عملية السلام في المنطقة بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة. في ذلك الوقت، كانت الحكومة الإسرائيلية تعتبر الأسلحة النووية أمراً أساسياً لتوفير الأمن لإسرائيل – فالتخلي عن البرنامج سيكون أكثر ضرراً لإسرائيل من خسارة قسط من الدعم من الولايات المتحدة الأمريكية.

عام 2009، طلبت روز جوتمولر، مساعدة وزير الخارجية وكبيرة مفاوضي الأسلحة النووية في واشنطن، من إسرائيل التوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. كسرت جوتمولر التقاليد الأمريكية بشأن التكتم عن ترسانة إسرائيل النووية، وذلك بضمها إلى قائمة البلدان المعروفة بامتلاك الأسلحة النووية. ومع ذلك، رفضت إسرائيل التوقيع على المعاهدة. وتتبنى الحكومة الإسرائيلية الحالية ذات موقف عام 1968، الأمر الذي يعني أن إسرائيل هي الآن أقل اعتماداً على دعم الولايات المتحدة فيما يتعلق بأمنها.

خلال السبعينات، قامت إسرائيل بتحسين ترسانتها النووية العاملة، وبمساعدة من جنوب أفريقيا بشكل رئيسي. وفق مبادرة التهديد النووي (NTI)، بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، حصلت إسرائيل “على 10 أطنان من اليورانيوم (الكعكة الصفراء) خاضعة للتفتيش السنوي من قبل هيئة الطاقة الذرية في جنوب أفريقيا. عام 1976، ألغى البلدان الضمانات الثنائية وتم تحرير 500 طن إضافية من اليورانيوم لاستخدامه في مفاعل إنتاج البلوتونيوم في ديمونة، وقامت جنوب أفريقيا ببيع 100 طن إضافية من اليورانيوم إلى إسرائيل مقابل 30 غراماً من التريتيوم”.

في 5 تشرين الأول/أكتوبر عام 1986، أطلق مردخاي فعنونو صافرة الإنذار بتقديم صور تظهر مصنعاً للأسلحة النووية الإسرائيلية غير القانونية تحت مفاعل ديمونة.  وأكد ذلك وجود مصنع لإعادة التجهيز، فضلاً عن نموذج كامل النطاق لقنبلة هيدروجينية وصناديق قفازات حيث أقراص من البلوتونيوم موضوعة في تجاويف.

وفق الخبير الأمريكي أنتوني كوردسمان، من المحتمل أن تكون الترسانة النووية الإسرائيلية قد تجاوزت الآن المئة، وتتراوح الأسلحة النووية من تكتيكية إلى أخرى بقوة مليون طن من المواد المتفجرة. وتشمل الأسلحة الأخيرة الصواريخ البالستية والقاذفات المقاتلة والغواصَات، وربما أيضاً صواريخ كروز. وتدعى مجلة “Jane’s Defence Magazine” أن إسرائيل، من حيث حجم ترسانتها، تعتبر الآن القوة النوويَة الخامسة في العالم. وقواتها قادرة على تحويل جزء كبير من منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك المدن البعيدة مثل طرابلس (ليبيا) وطهران، إلى أكوام من الأنقاض المشعة في أقل من ساعة من إعطاء الأمر بضربها.

رغم إنكار إسرائيل امتلاكها للسلاح النووي، إلا أنها تنفذ ضربات وقائية على منشآت نويية في بلاد أخرى. في 7 حزيران/يونيو عام 1981، نفذت اسرائيل عملية أوبرا على مفاعل أوزيراك في العراق، بحجة أن المفاعل تم تصميمه لتصنيع الأسلحة النووية. ألمحت إسرائيل إلى أن الضربة كانت ضرورية لحماية وجودها.

في 6 أيلول/سبتمبر 2007، شنت اسرائيل عملية بستان الفواكه ضد منشأة يشتبه في أنها لمفاعل نووي سوري بالقرب من الكبر. وأكد متحدث الوكالة الدولية للطاقة الذرية في نيسان/أبريل 2011 وجود مادة اليورانيوم ومواد أخرى تستخدم في مفاعل نووي.

وقّعت إسرائيل على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، والتي توافق الدول الأعضاء من خلالها على حظر جميع التفجيرات النووية فوق الأرض للأغراض العسكرية أو السلمية، وذلك في 25 أيلول/سبتمبر عام 1996، إلا أنها لم تصادق عليها حتى الآن. هناك محطتان لرصد الزلازل في إيلات وجبل ميرون، إلى جانب منشأة النويدات المشعة المخطط لها في مركز سوريك للأبحاث النووية للكشف عن التجارب النووية.

قررت إسرائيل عدم المشاركة في مؤتمر نزع السلاح في آب/أغسطس 1998 للبدء بمفاوضات بشأن معاهدة وقف إنتاج المواد الانشطارية، وهي معاهدة دولية مقترحة لحظر إنتاج المزيد من المواد الانشطارية لصنع الأسلحة النووية أو الأجهزة المتفجرة الأخرى.

في 18 أيلول/سبتمبر 2009، عبّر قرار الامم المتحدة “قدرات إسرائيل النووية” الذي اعتمده المؤتمر العام الـ 53 “عن قلقه إزاء قدرات إسرائيل النووية”، و دعا “إسرائيل إلى الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وإخضاع جميع منشآتها النووية لرقابة شاملة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية”. إلا أن إسرائيل رفضت الالتزام.  أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً مماثلاً عام 2012 (القرار رقم 67/73) الداعي لإجراء تفتيش على منشآتها

؛ إلا أن إسرائيل رفضت مرة أخرى السماح للمفتشين بذلك.

في التسعينات، كان هناك نقاش متزايد حول إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط (MEWMDFZ). وفي وقت لاحق، خلال مؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 1995، اعتمدت الدول الأعضاء قراراً بشأن الشرق الأوسط داعياً جميع دول المنطقة إلى الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وإخضاع المنشآت النووية لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.  يتبنى القرار “أهداف عملية السلام في الشرق الأوسط ويعترف بالجهود المبذولة في هذا الصدد، بالإضافة إلى الجهود الأخرى، والمتعلقة – من جملة أمور أخرى – بمنطقة خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط”. بالنسبة إلى تل أبيب، تعتبر المنطقة الخالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط شرطاً مسبقاً لعملية السلام في المنطقة، بينما تؤكد الدول العربية أنه لا يمكن للسلام أن يتم إلا بعد أن تتخلى إسرائيل عن حقها في امتلاك الأسلحة النووية. إلا أن إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، تقاوم قبول الرقابة الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل التوصل إلى تسوية سلمية شاملة.

شددت الوثيقة النهائية لمؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 2010 على التالي: “ضرورة انضمام إسرائيل إلى المعاهدة” و “أهمية البدء بعملية تؤدي إلى التنفيذ الكامل لقرار عام 1995 بشأن الشرق الأوسط”، ونصّت على “أن الأمين العام للأمم ال

متحدة والمشاركين في صنع قرار عام 1995، وبالتشاور مع دول المنطقة، سيعقدون مؤتمراً عام 2012 يحضره جميع دول الشرق الأوسط، وذلك لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وجميع أسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط، على أساس ترتيبات يتم التوصل إليها بحرية من قبل دول المنطقة، وبدعم ومشاركة كاملة من جانب الدول الحائزة للأسلحة النووية”.

بمناورة منها تحت ضغوط دولية، سمحت إسرائيل لبعثة التقييم المتكامل لأمان مفاعلات البحوث (INSARR) التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية من 7-11 تموز/يوليو 2013. وكان الغرض من البعثة إجراء تفتيش على سلامة مفاعل IRR -1  الواقع في مركز سوريك للأبحاث النووية. لكن الزيارة استثنت ترسانة الأسلحة النووية لإسرائيل، مثل مفاعل ديمونة النووي الذي لا يخضع لرقابة دولية.

[/vc_row]