أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصريح العبارة بأن النظام الإيراني ومشروعه النووي من أخطر التهديدات التي تواجه إسرائيل، وعلى الحكومة أن تفعل كل ما في وسعها لمعارضة الصفقة قيد التفاوض بين مجموعة 5+1 وإيران. كيف يشعر الجمهور الإسرائيلي حيال القضية الإيرانية؟ وما رأي الجمهور بما يتوجب أن تفعله الحكومة؟
تروي انتخابات السنوات الأخيرة قصة مختلفة بعض الشيء. أولاً، ينظر الجمهور إلى البرنامج النووي الإيراني باعتباره تهديدا، ولا يؤمن الجمهور بأن المفاوضات النووية الإيرانية بقيادة أوباما، التي أفضت في أبريل 2015 إلى اتفاق بشأن معايير أساسية بشأن البرنامج النووي الإيراني، ستحيّد التهديد. وفي استطلاع للرأي نشرته صحيفة تايمز أوف اسرائيل على موقعها الالكتروني في فبراير، قال 72% من الجمهور أنه لا يثق بأن أوباما سيمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، وهي نسبة أعلى من استطلاع يناير 2014 الذي كانت نتيجته 64%. وشمل الاستطلاع اليهود الإسرائليين وعرب اسرائيل، مما يعني أن نسب اليهود الإسرائليين قد تكون أعلى من ذلك. وتتسق نتيجة صحيفة تايم أوف اسرائيل مع سنوات من استطلاعات الرأي التي أظهرت القلق العام الدائم والصريح من البرنامج النووي الإيراني. وفي ثلاث استطلاعات للرأي على الأقل، التي أجريت بين عامي 2012 و2013، وجد أن ما يقرب 75% من العامة ينظر إلى إيران المسلحة نووياً باعتبارها تهديد لوجود اسرائيل.
وعلى عكس نتنياهو، لا يرى العامة أن القضية الإيرانية المشكلة المهيمنة في البلاد. وفي فبراير 2015 أشار استطلاع للرأي أعده معهد دراسات الأمن القومي يطلب من المشاركين تسمية أخطر تهديد خارجي تواجهه إسرائيل، حيث جاءت القضية النووية الإيرانية في المركز الثاني بنسبة 21% فقط، وفي المقابل رأى 32% أن كل من حزب الله وحماس يشكلون أكبر تهديد يواجه اسرائيل (وجاء كل من الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، والعزلة الدولية، وتنظيم داعش/ القاعدة بسنب أقل). وفي استطلاع للرأي أجراه المعهد عام 2012، رأى المشاركين ضمناً أن فقدان دعم الولايات المتحدة لاسرائيل تهديد أكبر من إيران. إذ قال ما يقارب 63% أن بإمكان إسرائيل التعامل بنجاح مع إيران النووية، في حين أن 62% فقط قالوا أن بإمكان البلاد، بشكلٍ مماثل، التعامل مع فقدان دعم الولايات المتحدة الأمريكية. كما أظهرت استطلاعات أخرى للرأي أجريت في السنوات الأخيرة أن تأييد توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران، تنفذ دون دعم من الولايات المتحدة الأمريكية، قد انخفض بشكلٍ كبير.
كما قلت أهمية القضية الإيرانية عندما طُلب من الاسرائيليين ترتيبها ليس فقط من بين التهديدات الخارجية بل أيضاً من بين القضايا الداخلية. وفي استطلاع لصحيفة تايمز أوف اسرائيل، طلب من العامة تحديد القضية الأكثر إلحاحاً على جدول أعمال الحكومة القادمة. عشرة بالمئة فقط من المستطلعين سموا القضية الإيرانية، مقارنة بـ19% الذين اختاروا العلاقات مع الفلسطينيين، في حين اعتبر 48% القضايا الاقتصادية الأكثر أهمية. وعلى الرغم من القلق المستمر حول إيران، يرى غالبية الإسرائيليين أنّ تكاليف المعيشة والسكن والفجوات الاقتصادية والاجتماعية القضايا الأكثر إلحاحاً.
وبالتالي، يوافق الجمهور الإسرائيلي مع رئيس وزرائه بشأن الموقف الأساسي حول هذه القضية، إلا أنه يختلف معه حول القضايا النسبية الأكثر أهمية. وتنظر أغلبية كبيرة وقوية إلى البرنامج النووي الإيراني باعتباره تطوراً سلبياً يشّكل تهديداً، بل يُشكل تهديداً خطيراً لأمن اسرائيل، لكن العامة يختلفون مع نتياهو بمدى إلحاح القضية الإيرانية مقارنةً بالأولويات المحلية الأخرى.
وكان لكلا أبعاد الرأي العام تأثيرا على السياسة الإسرائيلية وعلى سياسة الحكومة. من جهة، اتفقت كل من الحكومة وكتلة اليسار الوسط المعارضة أنّ على اسرائيل الاعتراض على تفاهمات لوزان التي خرجت في 2 أبريل. وفي الأسبوع الماضي، أصدر حزب الاتحاد الصهيوني المعارض وثيقة تدعو الحكومة للضغط على واشنطن من أجل التشديد على صفقة لوزان في المفاوضات للتوصل إلى إتفاق شامل. وبالإضافة إلى ذلك، دعا الاتحاد الصهيوني لممارسة الضغط على إدارة أوباما للحصول على موافقة مسبقة لتوجيه ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران في حال انتهك الأخير بنود الإتفاق. وقد تكون هذه المواقف مخالفة للاعتراضات بالجملة التي أدلى بها نتنياهو، وبخاصة محاولته الصريحة دفع الكونجرس الأمريكي استخدام حق النقض الفيتو لعرقلة الاتفاقية. ومع ذلك، فهي بعيدة كل البعد عن تأييد اتفاق لوزان، وتُظهر عدم الارتياح حول العديد من المواقف التفاوضية لإدارة أوباما.
ومن جهة أخرى، وفي حين يتفق العامة مع نتياهو في رفضه الترحيب بالإتفاق، فإن معظم الجهات الفاعلة السياسية في إسرائيل لم تعره سوى القليل من الاهتمام. وركزت محادثات الائتلاف الجارية التي من المقرر أن تختتم قبل نهاية شهر أبريل، في جميع القضايا ما عدا القضية الايرانية. الميزانيات والوزارات ورواتب الأطفال والسيطرة على المجالس الدينية، جميعها قضايا تمت إثارتها. ويتمثل جوهر النزاع في أي حزب سيسيطر على مديرية التخطيط، والمنظمون الذين يتحملون المسؤولية عن قواعد تقسيم المناطق واستخدام الممتلكات. وإصلاح تلك الهيئة، في حال تم الأمر، قد يفتح سوق العقارات أمام البناء وبالتالي التخفيف من ارتفاع تكلفة السكن. تتصدر هذه القضية جدول أعمال الجمهور الإسرائيلي، وبالنسبة للأطراف التي تفاوض للدخول بالائتلاف، وكما هو حال ناخبيهم، تُعتبر القضية الأيرانية بعيدة كل البعد عن المركزية.