وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

صداقة روسيا وإيران المتنامية دليل ضعف لا قوة

صداقة روسيا وإيران
صورة تم التقاطها يوم ١٩ يوليو ٢٠٢٢ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء لقائه نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في العاصمة الإيرانية طهران. المصدر: Sergei Savostyanov/ POOL/ Sputnik via AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالة سلّطت الضوء على محاولات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للخروج من عزلته الدولية عبر زيارة إيران. ويتناول سكوت لوكاس، أستاذ السياسة الدولية بجامعة برمنغهام، ما يجمع روسيا وإيران حالياً من مصالح في مقالته. كما أنه يعرّج على مساعي الرئيس الروسي لتشكيل تحالف مع طهران وأنقرة قد لا يغني ولا يسمن من جوع في مواجهة حالة العزلة الراهنة التي تعيشها موسكو.

وفي الوقت الذي يواجه مصاعب اقتصادية وعسكرية في غزوه لأوكرانيا، ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الأسبوع في العاصمة الإيرانية طهران. وقصد بذلك أن يظهر للعالم أنه ليس معزولاً دولياً بسبب العقوبات على بلاده والدعم الدولي للمقاومة الأوكرانية.

وانتهز بوتين الفرصة لالتقاط صورة مع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الذي هاجم الولايات المتحدة وحلف الناتو مؤكداً على أنه “لو لم تبدأ روسيا الحرب، لبدأها الطرف الآخر”. كما التقط بوتين صوراً مع الرئيسين الإيراني والتركي إبراهيم رئيسي ورجب طيب أردوغان.

وكان هذا دليلاً عند المواقع الإخبارية “المعادية للإمبريالية” والمؤيدة للكرملين، مثل ذا كرادل، على بزوغ كتلة جديدة. في الوقت نفسه، شارك إدارة بايدن هذه المواقع الإخبارية في رؤية احتمال ظهور محور جديد. وأعلنت الإدارة الأمريكية عن تحضير إيران لإرسال مئات الطائرات المسيرة إلى موسكو في خضم المصاعب والخسائر العسكرية الروسية.

لكن الواقع عادي تماماً بعيداً عن الصور والمواقف بحسب ما يراه لوكاس. فعلاقة روسيا بإيران ليست تحالفاً، وإنما التقاء مصالح في وقت تمرّ فيه الدولتان بأزمة. وليست القوة هي ما تقود هذا الالتقاء بل الضعف، فغطرسة بوتين وخامنئي هي ردّ فعلٍ مغرور على العقوبات الدولية، وردّة سياسية عن مغامراتهما، واستجابة لحدود قواتهم المسلحة.

فكان اتفاقهما اتفاق معزولين.

الدافع السوري

كانت العلاقات بين إيران بعد عام 1979 وموسكو متقلبة. فرغم اعتراف الأخيرة بالجمهورية الإسلامية، زود السوفييت صدام حسين بالسلاح خلال الحرب الإيرانية العراقية بين عامي 1980 و1988. وبعد انتهاء الحرب وانهيار الاتحاد السوفيتي، عادت الصلات الاقتصادية وصفقات الأسلحة، واتفقت روسيا وإيران على بناء مفاعل بوشهر، أول مفاعل نووي إيراني.

لكن اتسم دور بوتين، الذي كان يوطد حكمه داخل روسيا، بالحذر في الشرق الأوسط في فترة ما بعد 11 سبتمبر وغزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. فقد ترك الولايات المتحدة تورط نفسها في المنطقة، لكنه شاركها والأوروبيين المخاوف بشأن برنامج إيران النووي.

وكانت روسيا واحدة من مجموعة 5+1 (روسيا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، والصين) التي تفاوضت على الاتفاق النووي مع طهران. كما دعمت موسكو عقوبات الأمم المتحدة على طهران، وأوقفت صفقة مع إيران لتزويدها بمنظومة صواريخ S-400 أرض-جو المتطورة. وقرّع الإيرانيون الروس بسبب تأخرهم في استكمال العمل في مفاعل بوشهر النووي.

لكن الانتفاضة السورية في مارس عام 2011 كانت الدافع وراء توثيق العلاقات بين روسيا وإيران. وقدّمت الدولتان الدعم اللوجيستي والاستخباراتي والدعائي لنظام الأسد منذ بداية قمعه المظاهرات الشعبية. ولما واجه جيش الأسد خطر التفكك، ألزمت طهران نفسها في سبتمبر عام 2012 تأسيس ميليشيا سورية قوامها 50 ألف جندي، وجلبت مقاتلين من العراق وباكستان ولبنان.

أما روسيا فقد شنّت في سبتمبر 2015 تدخلها العسكري الشامل بقوات خاصة. وفرضت موسكو الحصار على مناطق المعارضة وقصفتها حتى تواجه سيطرة المعارضة والجماعات الكردية وتنظيم “الدولة الإسلامية” على أغلب المناطق السورية. وبعد دعم بشار الأسد، انقسمت سوريا إلى ثلاثة أجزاء: الجزء الشمالي الغربي وفيه المعارضة المدعومة من تركيا، والجزء الشمالي الشرقي الذي يسيطر عليه الأكراد، ومناطق النظام المدعوم من إيران وروسيا في بقية سوريا.

وبناءً على حساباتهما التي أفادت أن نظام الأسد معيب لكنه أداة نافعة للحفاظ على مواقعهما، أسست روسيا وإيران “ترتيباً أمنياً ضمنياً” قصير الأمد. وتعني “ضمنياً” هنا أن العلاقة بينهما محدودة، وغير رسمية، ومبنية على المصالح المشتركة.

وكثيراً ما عبّرت روسيا عن معارضتها العقوبات الأمريكية على طهران، لكنها ظلت في عملية 5+1 لإعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي وضمان وفاء إيران بالتزاماتها. كما تعاملت روسيا بحذر مع الصراعات بين الولايات المتحدة، وإيران، وبقية الأطراف من العراق إلى لبنان إلى اليمن إلى إسرائيل وفلسطين. وبقدر ما تسعى موسكو إلى تحقيق مصالحها من علاقتها مع إيران، فإن بوتين يسعى إلى تحقيقها كذلك مع خصومها مثل السعودية والإمارات.

الدافع الأوكراني

في 24 فبراير 2022، أرسل بوتين معظم قوات روسيا المسلحة إلى جارتها أوكرانيا.

وظهرت التعقيدات المتعلقة بإيران على الفور. فمع اقتراب مفاوضات تجديد الاتفاق النووي الإيراني من نهايتها، هددت روسيا بإخراجها عن مسارها من خلال المطالبة برفع العقوبات التي فُرضت عليها بعد الغزو كما ستُرفع عن طهران.

وسرعان ما تراجع الروس بعد الاعتراضات الإيرانية. لكن تلت ذلك صعوبة أخرى، فقد فشلت موسكو في السيطرة على كييف والإطاحة بحكومة زيلينسكي سريعاً، وتكبدت خسائر فادحة في أثناء عملياتها. لذلك اضطُرت روسيا إلى تخفيض مواقعها العسكرية في سوريا. وأثار ذلك أسئلة حول الانتشار الإيراني هناك، وما إن كانت ستتولى إيران تلك المواقع خلفاً لروسيا. كما فتحت المجال أمام تهديد الرئيس التركي أردوغان العمليات العسكرية المتجددة في الشمال السوري.

والأهم من ذلك أن رد الفعل الدولي على الغزو وضع ضغطاً كبيراً على الاقتصاد الروسي الذي كان يعاني بالفعل. واعتادت موسكو مخالفة وعودها المتكررة بمنح طهران قروضاً بمليارات الدولارات لمساعدتها في مواجهة العقوبات الدولية. والآن باتت موسكو على نفس القارب مع طهران.

ولا يبدو أن الخلاص سيكون قريباً. فالصين والهند مسرورتان بالاستفادة من أسعار النفط الروسي والإيراني الرخيصة، لكنهما تبقيان على الحذر من أي خطة إنقاذ لروسيا بمساعدتها اقتصادياً أو عسكرياً. أما بايدن فقد أصلح موقف الولايات المتحدة مع السعودية والإمارات خلال زيارته إلى المنطقة. وكلتاهما تعتبران إيران عدواً لهما، وذلك رغم حديث الإمارات عن توسعة الحضور الدبلوماسي في طهران.

بوتين وحده

لم تكن صورة بوتين في طهران مع القائد الأعلى ولا صورته مع نظيريه التركي والإيراني مثيرة بقدر ما كانت في مقطع فيديو مدته دقيقة يظهر فيه بوتين ينتظر وحده مقابلة الرئيس التركي. وكان بوتين قد حاول إهانة أردوغان في مارس 2020 بتركه ينتظره لعدة دقائق في الردهة. أما الآن فقد ثأر أردوغان لنفسه عندما جعل بوتين ينتظره متململاً أمام الكاميرات.

ما حدث تذكيرٌ بليغ بأن أي زيارة مخصصة لتحسين العلاقات العلامة لن تغطي آثار الغزو الذي يدخل شهره السادس. كما أنه علامة على أن المكان الذي وجد فيه بوتين عزاءه – حيث بدا متضائلاً يقعد على كرسي بجانبه منضدة صغيرة ويخاطبه القائد الأعلى من بعيد – كان في القيادة الإيرانية المعزولة دولياً مثله بالضبط.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com/global في 21 يوليو 2022