وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التحالف الأمريكي – الأوروبي يواجه أزمة وجودية مع تنامي فرص انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران

Translation- Donald Trump
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتحدث عن الاتفاق النووي الإيراني من غرفة الاستقبال الدبلوماسية في البيت الأبيض بالعاصمة الأمريكية واشنطن دي سي يوم 13 أكتوبر 2017. وبالتزامن مع رفضه المصادقة على الاتفاق النووي الإيراني، فقد حذّر الرئيس الأمريكي من إمكانية انسحاب الولايات المتحدة مما وصفه بـ”واحدة من أسوأ الاتفاقيات” في التاريخ. المصدر: AFP.

نشر المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية مقالة هامة سلطت الضوء على السيناريوهات المحتملة لاقتراب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما قد يعود بنتائج سلبية كبيرة على أطر التعاون التي تجمع واشنطن بحلفائها الأوروبيين. وشاركت في كتابة هذه المقالة مجموعةٌ من الباحثين البارزين في أربعة مؤسسات بحثية وهي المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، والمعهد الملكي للشؤون الدولية “تشاتام هاوس”، والمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، ومؤسسة “RAND”.

وتضمنت قائمة الباحثين المشاركين في كتابة هذه المقالة كلاً من كورينتين بروستلاين، رئيس قسم الدراسات الأمنية في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، وجيمس دوبينز، الرئيس البارز لقسم الأمن والدبلوماسية في مؤسسة “RAND”، وداليا داسا كاي، مديرة مركز السياسات العامة للشرق الأوسط في مؤسسة “RAND”، وأوليفر ماير، نائب رئيس وحدة الأمن الدولي في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، وماركو أوفرهاوس، الباحث البارز في وحدة الأمريكيتين بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، ونيل كويليام، الباحث البارز في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “تشاتام هاوس”، وتشارلز رييس، نائب الرئيس الدولي لمؤسسة “RAND”، ودوروثي شميدت، رئيس برنامج تركيا والشرق الأوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، وسنام فاكيل، الباحثة المشاركة ببرنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “تشاتام هاوس”، وآزاده زامريراد، الباحث المشارك البارز في وحدة الشرق الأوسط وإفريقيا التابعة للمعهد الألماني لشؤون الدولية والأمنية.

وكانت الخلافات الواقعة على طرفي المحيط الأطلسي فيما يتعلق بمستقبل الاتفاق النووي الإيراني – أو خطة العمل الشاملة المشتركة التي ظهرت للعيان في يوليو 2015 – قد ألحقت الضرر بالاتفاق النووي الذي تؤمن جميع الأطراف بتلبيته للغرض المطلوب منه باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية. وتزيد هذه الخلافات من تعارض أهداف واشنطن والعواصم الأوروبية المتعلقة بإيران والسياسات الإقليمية الأوسع نطاقاً. ولتجنب وقوع مثل هذا السيناريو، تحتاج القوى الأوروبية الثلاث (وهي فرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة) / والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية إلى إقامة قنوات تواصلٍ جديدة لتجنب حدوث صدعٍ في السياسات الأطلسية، بالتزامن مع محاولة الحفاظ على صفقة إيران إذا ما كان ذلك ممكناً وتأمين فوائدها على مستوى الأمن الإقليمي والدولي.

وشهدت السياسات الأمريكية والأوروبية تجاه إيران تبايناً متنامياً. وتختلف واشنطن مع أوروبا في تصورها لمفهوم التهديدات، وفيما يتم تفضيل استخدامه من أدوات السياسة الخارجية، وفي النظرة العامة المستقبلية بخصوص بطهران. وبصفةٍ عامة، لا تنظر الدول الأوروبية إلى إيران باعتبارها المصدر الرئيسي لانعدام الاستقرار الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، حيث شدّدت على أهمية التشارك لاستكمال تطبيق التدابير الإلزامية. في المقابل، قلّما تقوم الإدارة الأمريكية الحالية بتطبيق العناصر المذكورة أعلاه. وتشير المقالة إلى صعوبة وجود سياق أكثر تحدياً مما يواجهه التعاون الأطلسي حالياً على مستوى الاتفاق النووي مع إيران.

وعلى الرغم من إرجاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من جديد لفرض العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني في يناير من عام 2018، إلا أنه لم يقر بتوافق الاتفاق النووي مع مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، ليترك بذلك خطة العمل الشاملة المشتركة في حالةٍ من عدم اليقين. ووجّه الرئيس ترامب إنذاراً للكونغرس ولشركائه الأوروبيين في التصريح الذي أدلى به يوم 12 يناير 2018، مانحاً إياهم “فرصةً أخيرة” لإصلاح ما وصفه بـ”العيوب الكارثية” للاتفاق بحلول منتصف شهر مايو من عام 2018. وتسعى الإدارة إلى إلغاء “انتهاء العمل بشروط الاتفاق فور انتهاء مدته”، وذلك من خلال فرض إلزامية القيود المترتبة على الاتفاق بشكلٍ دائم، بالتزامن مع إضافة بعض القيود المرتبطة ببرنامج إيران الصاروخي، وتغيير الأحكام بحيث تصبح عمليت التفتيش ممكنة “في أي زمان ومكان”. وأشار الرئيس الأمريكي إلى أن الولايات المتحدة ستنسحب من الاتفاقية من طرفٍ واحد إذا لم يتم الوفاء بهذه الشروط.

في الوقت نفسه، أوضح المسؤولون الأوروبيون أنهم لن يستخدموا خطة العمل الشاملة المشتركة كوسيلة للضغط على إيران في القضايا غير المرتبطة بالبرنامج النووي، مؤكدين الالتزام الأوروبي القوي بالحفاظ على سلامة الاتفاق النووي. وعلى هذه الخلفية، قد يكون من الصعب على الشركاء الأطلسيين العثور على مسارٍ يبقي الولايات المتحدة الأمريكية ضمن خطة العمل الشاملة المشتركة. وحتى في حال انسحاب واشنطن من الاتفاق، فإن التنسيق الأطلسي سيبقى ضرورياً للحيلولة دون وقوع المزيد من التدهور في العلاقات، وهو ما قد يجعل تنسيق التعامل مع إيران صعباً، وبما قد يؤدي إلى خوض حرب تجارية عبر المحيط الأطلسي. وبحسب المقالة، فإن التعاون الأطلسي يبقى مرغوباً وممكناً في حال شاركت الولايات المتحدة الأمريكية أو لم تشارك في الاتفاق النووي. فبعد كل شيء، تتشارك الولايات المتحدة الأمريكية مع أوروبا بأهدافٍ متعددة تتمثل في منع إيران من التحوّل إلى واحدة من الدول التي تمتلك السلاح النوي، بالإضافة إلى إيقاف تطوير صواريخها بعيدة المدى وذات القدرة النووية، وتشجيع الالتزام بمعايير حقوق الإنسان، والحد من أنشطتها في المنطقة. وتشير المقالة إلى وجود خيارات للحفاظ على الوحدة الأطلسية بالتزامن مع خلق فرص لتعاونٍ أكبر فيما يتعلق بإيران.

الخيار الأول: إبقاء الولايات المتحدة في الاتفاق النووي

Translation- Abbas Araghchi
نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية عباس عراقي إلى جانب الأمين العام لمركز العمل الخارجي في الاتحاد الأوروبي هيلغا شميدت على هامش فعاليات اجتماعٍ دوري عقدته مجموعة الدول الست مع إيران في قصر كوبورغ في العاصمة النمساوية فيينا بتاريخ 16 مارس 2018. المصدر: AFP.

لكي يكون هذا الخيار ممكناً، ينبغي على واشنطن وأوروبا الاستعداد للمساومة وإجراء بعض التنازلات. فإدارة ترامب بحاجة لقبول ما هو أقل من مطالبها القصوى ومعرفة أن قيامها بذلك سيجعل شركاءها الأوروبيين منفتحين على التعامل مع القضايا المرتبطة بسياسات إيران الإقليمية ونشاطاتها الصاروخية. وفي الوقت نفسه، ينبغي على الأوروبيين أن يكونوا أكثر صخباً تجاه المخاوف الأمريكية التي يتشاركون بها. كما يتوجب عليهم مواصلة الضغط على محاوريهم الأمريكيين لإقناعهم بأن انحساب واشنطن من الاتفاق سيضر بالعلاقات الأطلسية. وعلاوةً على ذلك، ينبغي على الجانبين تقديم مقترحاتٍ واضحة ومحددة حول كيفية تخطيطهم لحل النزاعات الحالية المرتبطة بالاتفاق النووي مع إيران والمجموعة الأوسع من القضايا العالقة. كما لا بد من تحديد القنوات التي ينبغي من خلالها تقديم هذه المقترحات.

وحتى في حال واصلت الإدارة الأمريكية تأجيل فرض العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني بعد منتصف شهر مايو من عام 2018، فإن الشك المرتبط بإمكانية التطبيق المستقبلي لهذه العقوبات سيبقى سيّد الموقف. وتجدر الإشارة إلى أن الإدارة مطالبة حالياً بالمصادقة مدى توافق الاتفاق النووي الإيراني مع المصالح الأمريكية كل 90 يوماً، بالتزامن مع تجديد تأجيل العقوبات كل 120 يوماً. وبحسب ما تشير إليه المقالة، فإن توسيع هذه الجداول الزمنية أو إزالتها بالكامل – وهي خطواتٌ يدرس الكونغرس إمكانية تطبيقها في إطار نقاشاته المرتبطة بتعديل قانون مراجعة الاتفاق النووي الصادر في عام 2015 – من شأنه توفير مساحة التنفس اللازمة لإقامة حوارٍ أطلسي متواصل حول مستقبل خطة العمل الشاملة المشتركة. وفي هذا المجال، تنصح المقالة الأوروبيون بمواصلة العمل مع المشرعين الأمريكيين للحد من خطر تعديل الكونغرس لقانون مراجعة الاتفاق النووي بطريقةٍ تدفع واشنطن إلى انتهاك خطة العمل الشاملة المشتركة.

أما على مستوى معالجة قضية “انتهاء العمل بشروط الاتفاق فور انتهاء مدته”، فإنه بإمكان الجانبين البدء بالنقاشات التي تدور حول كيفية تحويل بعض القيود المفروضة على نشاطات إيران النووية إلى مبادئ وقواعد عامة أكبر في إطار معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. ومن ميزات الاعتماد على هذه المنهجية السعي نحو توسيع بعض القيود بما يتجاوز الحدود الزمنية الواردة في خطة العمل الشاملة المشتركة، بالتزامن مع جعلها قابلة للتطبيق أيضاً على الدول الأخرى. وعلى سبيل المثال، فإن إجراء “حوار حول فوائد الحد من انتشار الأسلحة النووية” سيعزّز من قوة معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية عبر دعم هذه الاتفاقية بمبادئ ذات صلة بالمفاعلات النووية ذات الأغراض السلمية والتي تحول دون انتشار الأسلحة النووية أو تلك المبادئ المناهضة لإعادة المعالجة. ومن الوسائل الأخرى التي ستؤدي إلى توسيع القيود ونقلها إلى مستوى المبادئ التي تخضع للتعاون متعدد الأطراف، تشجيع الدول على فتح مرافقها النووية الحساسة أمام التعاون متعدد الأطراف، ومن هذه المرافق تلك المتخصصة في إنتاج النظائر الطبية. وفي الواقع، من شأن ذلك دعم اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية بصورةٍ شاملة بدلاً من حصر ذلك بالحالة الإيرانية. وبما أن انتهاء العمل بشروط الاتفاق فور انتهاء مدته قد يدخل حيّز التنفيذ بعد مرور سنواتٍ عدة من المستقبل، فإنه لا بد من وجود متسع من الوقت لمواءمة وجهات النظر الأمريكية والأوروبية مع بعضها البعض، شريطة التزام الجانبين بالعمل لتحقيق هذا الهدف دون فرض مواعيد نهائية مصطنعة.

ومع ذلك، فإنه من الأفضل مناقشة بعض المخاوف المتعلقة بانتشار السلاح النووي في إطار الاتفاق النووي نفسه. وكما هو محدد في خطة العمل الشاملة المشتركة، يمكن لما يسمى بـ”اللجنة المشتركة” – وهي اللجنة المؤلفة من إيران والأطراف الأخرى المشاركة في الاتفاق (الدول الأوروبية الثلاث / الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين) – “تعديل الإجراءات لتنظيم نشاطاتها حسبما تقتضيه الضرورة”. وقد يكون استخدام هذا المنتدى بمثابة فرصةٍ لمعالجة المخاوف الأمريكية، لا سيما فيما يتعلق بالقسم “T” من الاتفاقية. ويعتري الغموض في هذا القسم من الاتفاقية حول مدى قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على التحقق من غياب النشاطات “التي قد تساهم في تطوير الأجهزة النووية الانفجارية”. وقد تكون هذه المنهجية بمثابة سابقةٍ أولى من نوعها على مستوى كيفية الاستخدام الأفضل لنفس خطة العمل الشاملة المشتركة بغرض قيادة وتوجيه المخاوف المرتبطة بامتثال إيران لبنود الاتفاق. وينبغي على الشركاء الأطلسيين تأسيس منتدى خاص بهم لتنسيق هذه الجهود، على أن يجري هذا المنتدى لقاءاته قبل الجلسات التي تعقدها اللجنة المشتركة.

كما تشير المقالة إلى ضرورة إقامة قناة إقليمية متخصصة في الجانب الأمني. وقد يكون عقد “حوار أطلسي حول أمن الخليج” بمثابة نقطة الانطلاق لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، لا سيما حول النزاع في اليمن، أو برامج الصواريخ البالستية، أو السلامة النووية. ويتطلب هذا النوع من الحوارات مشاركة سياسية رفيعة المستوى حتى تكون هذه الحوارات جادة ولها معنى. ويتعين على الشركاء الأطلسيين أولاً تحديد النقاط المحورية التي يمكن التوصل إليها. ويجب أن تتم مناقشة هذه الأمور بعيداً عن الأروقة العامة، بالتزامن مع مواجهتها لحجمٍ أقل من الضغوط السياسية. وإذا ما تم التوصل إلى اتفاقٍ حول مضمون مثل هذا الحوار، فإنه سيكون بالإمكان تسهيل المحادثات متعددة الأطراف مع إيران والدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. ويجب استخدام تقارير الحالة من قبل الأطراف الأمريكية والأوروبية للمحافظة على سير العملية. ويكمن الهدف من هذه الخطوات المقترحة في خلق فهم عام قادر على إنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة، وبالتالي تعزيز بعض أحكامها دون انتهاك الاتفاق، بالتزامن مع توفير المساحة أمام محافل جديدة متعددة الأطراف لمعالجة المجالات الأخرى ذات الأهمية على المستوى الإقليمي. وستكون هذه المقاربة النتيجة المثلى، إلا أنه سيكون من الضرورة بمكان تحضير الخيارات البديلة، بما في ذلك احتمال خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق.

الخيار الثاني: إدارة خروج الولايات المتحدة والمحافظة على الاتفاق

Translation- Mohammad Javad Zarif
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خنصري يتحدث مع نظيره البلجيكي ديديه رايندرز قبل الاجتماع الذي تم عقده في قصر إيغمونت بالعاصمة البلجيكية بروكسل يوم 11 يناير 2018. وتعتزم إيران تشكيل جبهة موحدة مع الاتحاد الأوروبي دعماً للاتفاق النووي الذي تم توقيعه في عام 2015، في الوقت الذي تدرس فيه واشنطن فرض العقوبات على إيران. المصدر: AFP.

إذا ما عاودت الولايات المتحدة فرض العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني في منتصف شهر مايو من عام 2018، فإن هذا لا ينبغي أن يؤدي بحد ذاته إلى انهيار الاتفاق النووي. وطالما واصلت الأطراف المتبقية في الاتفاق – وعلى رأسها إيران – الالتزام بخطة العمل الشاملة المشتركة وبقرار مجلس الأمن رقم 2231، فإن انسحاب الولايات المتحدة لن يوجه طعنةً قاتلة للاتفاق. وإذا ما عاودت الولايات المتحدة فرض العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي، فإن الأولوية الأولى للدول الأوروبية الثلاث والاتحاد الأوروبي ستتمثل في الحيلولة دون فرض عقوبات ثانوية. كما ينبغي على القنوات السياسية الموجودة بين واشنطن والدول الأوروبية الثلاث والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين مناقشة تفاصيل الانسحاب الأمريكي، بما يتيح انسحاب الولايات المتحدة بطريقةٍ “لينة”. وبكلماتٍ أخرى، فإن واشنطن ستعاود فرض العقوبات، إلا أنها ستحجم عن فرض هذه العقوبات خارج حدود حدودها الإقليمية. وإذا ما اختارت واشنطن هذا الخروج “اللين”، فإن الأطراف المتبقية ستعمل معاً للحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة وستترك الباب مفتوحاً أمام عودة الولايات المتحدة إليها. وسيتطلب ذلك تزويد مستثمري القطاع الخاص في إيران بضماناتٍ كبيرة تؤكد حمايتهم مما قد يفرض عليهم من عقوبات ثانوية، مما يقلل بأكبر قدر ممكن من حالة عدم اليقين التي ما تزال إيران تراها حول الفوائد الاقتصادية للاتفاق.

وينبغي إبقاء خيار إعادة واشنطن إلى الاتفاق الحالي – الآن أو في ظل إدارة أمريكية جديدة – ضمن قائمة الاحتمالات. ومع ذلك، ستصر الحكومات الأوروبية على أن واشنطن لن تحصل على اتفاقٍ أفضل بتركها للاتفاق الحالي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مغادرة خطة العمل الشاملة المشتركة سيحد من فرص اتخاذ تدابير إضافية على مستوى الحد من انتشار السلاح النووي وفي الجوانب المتعلقة بالأمن الإقليمي. وسيتطلب الحفاظ على جسور عودة واشنطن في نهاية المطاف إلى خطة العمل الشاملة المشتركة بعد خروجها من الاتفاقية، تنسيق الدول الأوروبية الثلاث والاتحاد الأوروبي بشكلٍ وثيق مع روسيا، والصين، والأهم من ذلك، مع إيران لضمان التزامها المتواصل بالاتفاق النووي. وإذا ما انسحبت إدارة ترامب من الاتفاقية وقامت بعرقلة تعاون الدول الأوروبية الثلاث والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين من التعاون الاقتصادي مع إيران، فمن المرجح أن تتبع مثل هذه الخطوة إجراءات أوروبية مضادة قاسية. ونظراً للدعم الدولي الواسع لخطة العمل الشاملة المشتركة – بما في ذلك من حلفاء أمريكا الرئيسيين كاليابان، وكوريا الجنوبية، والهند، وأستراليا، وكندا – فإن الولايات المتحدة الامريكية قد تواجه حالة من العزلة. وعلى ذلك، فإن التكاليف السياسية المترتبة على مغادرة واشنطن للاتفاقية قد تكون باهظة الثمن، بما في ذلك إلحاق ضرر طويل الأمد بمصداقية الولايات المتحدة الأمريكية في عيون شركائها الدوليين.

وقد ينطوي الرد الأوروبي على إحياء قانون الحصانة الصادر في عام 1996 لمواجهة العقوبات الأمريكية الخارجية المفروضة على الشركات الأوروبية. وقد يكون ذلك خطوة ضرورية لحماية المصالح المشروعة للشركات الأوروبية. وقد يرسل تحديث ملحق هذا القانون برسالة إلى واشنطن مفادها أن الأوروبيين يريدون العمل. كما بإمكانهم صياغة تشريع جديد يتيح فرض تدابير مضادة ضد الشركات الأمريكية ويطلب من الشركات الأمريكية الفرعية العاملة في أوروبا الالتزام باللوائح الاوروبية والتي تختلف مع اللوائح الأمريكية.

ولقد دعا الأوروبيون إلى المشاركة الأمريكية المتواصلة في خطة العمل الشاملة المشتركة بعد شهر مايو من عام 2018. وطالما استمرت الولايات المتحدة في تطبيق هذا الاتفاق، فإن هناك فرصة أفضل للعثور على أرضية مشتركة على أساس خطة العمل الشاملة المشتركة والقضايا التي تقع خارج نطاق الاتفاق. وإذا ما انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق، فإن الشروط الأطلسية المطلوبة للاتفاق حول القضايا النووية وغير النووية ستتفاقم بشكلٍ كبير. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة وشركائها الأوربيين سيواجهون المزيد من مخاطر التباعد بين الحلفاء الأطلسيين وبخوض حرب تجارية، ما يضعف بشكلٍ فاعل من فرص توافق سياسة الجانبين تجاه إيران. والأهم من ذلك كله هو أن حالة عدم اليقين التي تواجهها خطة العمل الشاملة المشتركة قد تدفع إيران نفسها إلى الانسحاب من الاتفاق، وهو ما قد يجعل إيران أقرب إلى العتبة النووية في ظل انقسام المجتمع الدولي وعدم قدرته على الرد بصورةٍ فاعلة. ويجب أن يكون لدى الشركاء الأطلسيين اهتمام شديد بتجنب وقوع مثل هذا السيناريو الأسوأ.

حان وقت التعاون الأطلسي

يحمل التعاون الأطلسي القوي أفضل الآفاق لتحقيق الهدف الأساسي المشترك وهو الحيلولة دون تحوّل إيران إلى إحدى الدول التي تمتلك السلاح النووي. ويحتاج الأمريكيون والأوروبيون إلى مضاعفة ما يتم بذله من جهودٍ للتشاور، وهو ما ينبغي عليهم القيام به الآن. وتخلص المقالة إلى ضرورة مواصلة الجانبين للتشاور عبر إنشاء منتديات خاصة بالمشكلة خارج إطار خطة العمل الشاملة المشتركة، على أن يتم التوافق حول الأهداف الملموسة. كما أن الجانبين بحاجةٍ إلى تكوين فهم مشترك حول كيفية ترتيب المشكلات والقضايا ذات الاهتمام المشترك للعثور على حلولٍ قصيرة وبعيدة الأمد. وإذا ما تم الاعتماد على منهجية معالجة القضايا الواحدة تلو الأخرى عوضاً عن معالجة جميع القضايا في آن واحد أو عدم معالجتها على الإطلاق، فإن الجانبين يمهدان الطريق للحوار الأطلسي المتواصل حول خطة العمل الشاملة المشتركة وحول القضايا الإقليمية ذات النطاق الأوسع. كما يمكن لهذه المنتديات أن تكون بمثابة مراكز لتبادل المعلومات حول القضايا التي يتم طرحها على اللجنة المشتركة، والتي تشرف على تطبيق الاتفاق النووي مع إيران. وسيكون مثل هذا التعاون مهماً حتى في حال لم يتمكن من حثّ الولايات المتحدة الأمريكية على إبقاء الصفقة ومعالجة القضايا المهمة الأخرى التي تؤثر على الاستقرار الإقليمي. والأهم من ذلك كلّه إرسال الحوار والتنسيق المستمرين بين الشركاء الأطلسيين برسالة سياسية قوية تشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها الأوروبيين ما زالوا يشكلون تحالفاً قوياً من الجهات الفاعلة القوية وذات التفكير المتماثل على الساحة الدولية.