ماجد كيالي
لا يختلف اثنان على أن الوضع الفلسطيني بات مؤلما وصعبا وبالغ التعقيد، لكن ما يفاقم من كل ذلك ليس اختلاف الفلسطينيين، وهو أمر طبيعي، وإنما انقساماتهم وغياب إطاراتهم الشرعية ومؤسّساتهم الجمعية، وضعف إدارتهم لأحوالهم، وعدم وضوح خياراتهم، سواء في التسوية أو في المقاومة، أو في السلطة.
هكذا طرح مؤخرا، في أوساط شعبية فلسطينية واسعة خيار حل السلطة، وهي ليست المرة الأولى، لكنه طرح هذه المرة بطريقة أكثر الحاحا، إن كتحدي ضد إسرائيل، وسياساتها الاستعمارية والاستيطانية، أو بسبب الأزمات التي عصفت بالسلطة الفلسطينية، بعد هبة القدس، ووقف الانتخابات، والحرب على غزة، ومقتل الناشط الفلسطيني نزار بنات.
بيد أن خيار حلّ السلطة ليس بسيطا، أو أمرا عاديا، إذ هو يطرح عديد من الأسئلة، ومثلا، فهل هذا يعني تقويض الكيان السياسي الناشئ في الضفة والقطاع نهائيا وتضييع هذا الإنجاز الذي تعمل إسرائيل أصلا على وأده (رغم ما فيه من اجحافات)؟ وبخصوص الوضع في قطاع غزة فهل ستلتزم حركة حماس التي تسيطر عليه بالتجاوب مع هذا الخيار؟ ثم أليس ثمة خيارات وسط بين الواقع الحالي (سلطة ترضخ للاحتلال) وبين حلّ السلطة نهائيا؟ وماذا عن حوالي ربع مليون فلسطيني في الضفة وغزة من العاملين في السلكين المدني والعسكري للسلطة؟ وفوق ذلك ماهي الإستراتيجية البديلة؟ أو ماذا بعد حلّ السلطة؟
المؤسف والمقلق إنك لا يمكن أن تجد في مجموعة تصريحات الناشطين أو المثقفين الذين تحدثوا عن هذا الخيار جواباً على أي من هذه الأسئلة، أو غيرها، ما يثير المخاوف مجدّدا بشأن الطريقة التي يتم فيها طرح الخيارات في الساحة الفلسطينية، والتي غالبا ما تتم بطريقة مزاجية ومتسرّعة وغير مسؤولة، أو على طريقة ردات الفعل العاطفية والآنية.
وفيما يتعلق بخيار حلّ السلطة يمكن ببساطة ملاحظة انه ثمة خيارات أخرى بديلة، يمكن أن تؤدي نفس الغرض وأكثر لكن من دون أن تقدم لإسرائيل هدية مجانية تتمثل بإنهاء الكيان السياسي الفلسطيني.
هكذا، فبدلا من حلّ السلطة يمكن القطع مع الوظيفة التفاوضية والأمنية لها إزاء إسرائيل، وإلغاء الاتفاقات الاقتصادية المجحفة معها، بحيث تقوم السلطة ككل بإدارة حالة عصيان مدني ضد الاحتلال. وبدلا من إنهاء هذا الكيان السياسي يمكن تحويله إلى كيان لتنظيم أو لإدارة أوضاع الفلسطينيين في الضفة والقطاع وتأمين متطلبات صمودهم في وجه الاحتلال، بما في ذلك إدارة المقاومة الشعبية ضده. وبدلا من تقديم أبو مازن لاستقالته، وتلك مسألة مهمة، ينبغي دراسة تجديد المؤسسات والإطارات القيادية، ولا سيما إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، بما في ذلك تجديد شبابها، وإحداث نقلة فيها بطرق ديمقراطية ومؤسساتية، وعن طريق الانتخابات، بخاصة انتخابات المجلس الوطني.
ثمة خيار آخر أيضا يتمثل بوقف التماهي، أو فك الارتباط، المضرّ بين المنظمة والسلطة والتمييز بين السلطة باعتبارها شأنا خاصاً بفلسطينيي الضفة والقطاع، وبين المنظمة باعتبارها كيانا يخصّ كل الفلسطينيين ويؤطّر كفاحهم ضد إسرائيل؛ ما يفرض إخلاء مسؤولية المنظمة عن إدارة السلطة مع بقائها مرجعية سياسية لها.
المعنى من ذلك انه محظور على الفلسطينيين التحول من خيار متطرف وأحادي (يرتهن للمفاوضات) إلى خيار أخر متطرّف وأحادي كحلّ السلطة، فما هكذا يتم التعاطي مع التحديات الإسرائيلية؛ بل ينبغي إشهار السلطة كتحدي يرمز للكيانية السياسية للفلسطينيين، ويرسخ نزعتهم للتحرر من الاستعمار والعنصرية، بشرط استعادة الحركة الوطنية الفلسطينية لطابعها كحركة تحرر وطني.
ومع هذا الخيار ثمة خيارات أخرى يمكن انتهاجها، أيضا، كوقف المفاوضات نهائيا، وحمل ملف القضية إلى المجتمع الدولي لإنفاذ القرارات ذات الصلة بالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وفرض الوصاية الدولية على الأراضي المحتلة كمرحلة انتقالية. كما ثمة ما يمكن فعله، فوق كل ما تقدم، بشأن استعادة الوحدة الوطنية وتفعيل منظمة التحرير، وإعادة بناء البيت الفلسطيني (المنظمة والسلطة والفصائل والمنظمات والمؤسسات الجمعية) على أسس وطنية ومؤسسية وتمثيلية وديمقراطية، وصوغ إستراتيجية سياسية ونضالية واضحة، يمكن لها أن تستقطب الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم؛ ولاسيما اللاجئين الذين باتوا وكأنهم خارج المعادلات السياسية والنضالية القائمة.
أيضا، ثمة إمكانية لفتح الخيارات الوطنية من خيار دولة في الضفة والقطاع (حل الانفصال) إلى خيار النضال من اجل دولة واحدة ديمقراطية علمانية للفلسطينيين والإسرائيليين؛ وهو خيار بات يحظى بقابلية أكثر بعد الثورات الشعبية الديمقراطية العربية التي تفتح على دولة المواطنين في كيانات المنطقة.
ملاحظة
الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.