نجود الياقوت
إنّ المجتمع المتديّن هو ذاك الذي يفتخر بِقِيَم التناغم والتنوّع – مجتمع يشمل الجميع ولا يفرّق بينهم. وفي الماضي، عُرِفَت الكويت بحسن ضيافتها وتقبّلها للناس بمختلف خلفيّاتهم وتوجّهاتهم.
غير أنّه، مؤخّرًا، يحاول المحافظون والأصوليّون إعادة تشكيل سردية المجتمع المتجانس هذه. ومما يثير مزيدًا من القلق هو أن العديد من الكويتيين الليبراليين يشعرون بالعجز والخداع، بينما يتمّ اختراق الحكومة بمثل هذه الأيديولوجيات والخطابات المسبّبة للانقسام.
وفي الثاني من يونيو، بعد يومٍ من بدء شهر الفخر، نشرت السفارة الأمريكية في الكويت علم قوس قزح مع عبارة: “يونيو 2022 شهر الفخر”. وأدلى أكثر من 22 ألف شخص بتعليقاتهم على المنشور، حيث عبّرت الغالبية الساحقة بتعليقات تتّسم بالتمييز والكراهية، حتى أنهم استخدموا رموزًا تدلّ على التقيؤ وإشارات الاستهجان للتعبير عن فزعهم. وغرقت النسبة القليلة من التعليقات الإيجابية المشجّعة وسط بحرٍ من السلبية.
وأشارت التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى الكيفية التي ينظر بها كثيرون إلى حقوق مجتمع الميم في الكويت، لكن رد الفعل الرسمي على منشور السفارة هو ما فاقم المسألة.
واستدعت وزارة الخارجية القائم بأعمال السفارة الأمريكية وسلّمته خطابًا تطالب فيه السفارة باحترام الثقافة الكويتية. ولحسن الحظ، لم تحذف السفارة المنشور.
وبعدها بأسابيعٍ فقط، أصدرت وزارة التجارة بيانًا مصحوبًا بِصوَرٍ لجميع أشكال الأعلام المرتبطة بمجتمع الميم، مطالبةً بالإبلاغ عن رؤية أي من هذه الأعلام. حتى أنّهم شرحوا على موقع تويتر أن علم قوس قزح “العادي” يحتوي على سبعة ألوان، بينما العلم “المناقض للأخلاقيات العامة” يحتوى على ستة ألوان. وأرادت الوزارة أن تبعث رسالةً واضحةً مفادها أن علم قوس قزح، وكل الأعلام الأخرى المرتبطة بمجتمع الميم، تهدّد ديننا وثقافتنا. وفي الواقع، اقتحمت الوزارة متجرًا يعرض منتجات تحتوي على ألوان قوس قزح – على ما يبدو أن لا علاقة لها بحقوق مجتمع الميم – لتُعلِم المجتمع الكويتي بأنّها جادّة بتحذيرها.
لكن لكل شخص يجادل بأن الانتماء لمجتمع الميم هو أمر ضد الدين، هناك آخرون يؤمنون بمجتمعٍ متناغم، لا يزدهر فقط بالتنوّع بل يعتزّ به.
وفي جوهره، يُبنى الدين الحق على التعاطف، والرحمة، والحب. كما أنّه يشمل جميع الكائنات الحية، بغض النظر عن الكيفية التي ولِدوا عليها. والدين الحق هو حب غير مشروط، بغض النظر عما تزعمه الأنا في النفس البشرية. هو دين التوحيد وليس التفرقة.
وإلى جانب هذا، فالدين ليس وِحْدَة واحدة متجانسة. فلدى كل شخص تفسير يختلف عن الآخر. ويبحث بعض المسلمين المتديّنين عن نسخة متسامية للدين، نسخة روحانية باطنية تعكس وتتماشى مع الصفات المحبّة للحقيقة الإلهية.
وبالنسبة لهؤلاء الذين يجادلون بأن هذا يتناقض مع ثقافتنا، هناك الكثير من الكويتيين الذين يجادلون بأنّهم لا يريدون أن يكونوا جزءًا من ثقافةٍ تفتخر بتعصّبها. وبمرور الوقت، يجب أن تتطوّر الثقافة. وإذا بقيت صارمة من دون ازدهار، فلن تبقى ثقافة وستتحوّل إلى طائفة. ويمكن أن يظلّ المجتمع متّصلًا بجذوره الثقافية، لكن ليس عندما تمنح هذه الثقافة المواطنين والسكان مبرّرًا للتمييز ضد الآخرين.
وتُعَدّ الردود، التي تعكس رهاب المثلية، على منشور السفارة الأمريكية، وخاصةً بيان الوزارة اللاحق، تذكرة مخيفة بأن الكويت تواجه خطر الانزلاق نحو هاوية الظلام والرجعية. ففي نهاية الأمر، الدولة التي لا تروّج لِقِيَم التعدّدية والقبول، لا تتماشى مع قِيَم الحداثة.
وفي الواقع، يشعر الكويتيون ذوي القلوب المفتوحة بالعار بسبب ردود الأفعال المسيئة معنويًا تجاه مؤسّسة تحتفل بحق الفرد في أن يكون نفسه، ومن أفعالِ وزارةٍ تحتفي بالتمييز بدلًا من الفخر. وبهذا النهج، تفتخر الحكومة بتقسيم أفراد المجتمع استنادًا إلى من ينجذبون إليه ومن يحبّونه.
وعانى مجتمع الميم بما فيه الكفاية جرّاء الإعلان عن ميوله أمام الأهل والأصدقاء. وكأن هذا لم يكن كافيًا. هم يتعرّضون للتهميش من قِبَل حكومةٍ تقول لهم أنّهم مرفوضون من الجميع وغير مرحّب بهم في الكويت، وأن كل ما يمثّلهم هو مجرّد شرّ.
غير أن ما لا تدركه الحكومة هو أن الكراهية والأحكام لها تاريخ صلاحية. وما لا يستوعبه نواب البرلمان المحافظون هو أن الديمقراطية ليست منصّة للسيطرةِ على السكان، بل فرصة للإنصات إلى أعضاء المجتمع وقبولهم جميعًا.
ورغم أن غالبية الناس في بلدنا يقفون ضد مجتمع الميم، لا تملك الكويت خيارًا سوى النهوض بالتناغم والوحدة. وذلك لضمان أن هؤلاء المنبوذين سيجدون، في نهاية المطاف، طريقة للاندماج في المجتمع بغض النظر عن اللون، أو النوع الاجتماعي، أو الدين، أو العرق، أو المكانة الاجتماعية والاقتصادية، أو الميول الجنسية في هذه الحالة. ولحين تحقّق هذا، لا يستطيع الكويتيون ذوي القلوب المفتوحة أن يظلّوا صامتين.
ملاحظة
الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.