بقلم: أم إلياس – حقوق النشر فَنَك.com
يتم نشر العديد من الروايات عن الحياة في ظل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إلا أنه نادراً ما تسنح الفرصة أمام أولئك الذين عاشوا تلك التجربة فرصة الكتابة عنها.
أريد أن أحكي قصة قريتي، تلك القرية المعروفة كحال الموصل والرقة إلا أنها وقعت تحت حكم تنظيم الدولة لأكثر من ثلاث سنوات.
اسم قريتي هو كويا، وتقع في حوض اليرموك في جنوب غرب سوريا وتحد كلاً من الأردن ومرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. يعتمد معظم أفراد قريتي – بمن فيهم عائلتي – على الزراعة في كسب قوت يومهم، وذلك من خلال زراعة البندورة، والفاصوليا، والقرع، والبامية، والشعير. وكحال المناطق الأخرى في المنطقة، فإن مفهوم الحمولة (القبائل / العشائر) غاية في الأهمية في قريتي. أكبر العشائر هي صبابحة والشريدة.
على الرغم من أن الأمر اليوم بات من الماضي، إلا أني أذكر أن الحياة كانت في السابق جيدة. فقد كانت الأسعار منخفضة وكان هناك أمن، ولم نشهد انقطاعاً بالتيار الكهربائي وكانت المياه متوفرةً دائماً.
تراجعت الأمور بعد أن فقدت الحكومة سيطرتها على القرية في أوائل عام 2013. في البداية، كانت القرية تسيطر عليها جماعاتٌ حملت راية الجيش السوري الحر. كان يقود الجماعة الرئيسية رجلٌ من القرية يدعى محمد جزوان. كان هناك أيضاً جماعة من المتمردين من مدينة نوى إلى الشمال. في البداية، كانت جماعة جزوان، التي اعتمدت اسم الصابرين في نهاية المطاف، على صلةٍ بفصيلٍ يسمى لواء شهداء اليرموك. انبثق لواء شهداء اليرموك من قريةٍ أخرى في حوض اليرموك تدعى جَملة وكان يقودها محمد سعد الدين البريدي (المعروف باسم الخال).
أصبح انقطاع المياه والكهرباء متزايداً. في هذه الأثناء، كان جزوان يسرق، كما يُقال، رواتب أعضاء جماعته ولا يشارك في المعارك. كانت هناك ادعاءاتٌ أخرى بأنه متورطٌ في تهريب الآثار والأغنام.
في نهاية عام 2014، سمعنا أولاً شائعاتٍ عن وجود داعش في منطقتنا. جبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، اتهمت لواء شهداء اليرموك بتحالفه مع داعش، واندلعت الاشتباكات بين الجانبين. القصة الدقيقة لما حدث غير واضحة للمدنيين الذين لم يشاركوا في الجماعات المتمردة، إلا أن الخال أنكر في ذلك الوقت أن جماعته كانت متحالفةً مع داعش.
على الرغم من التوصل إلى هدنةٍ بين الجانبين، إلا أن المعارك استأنفت بعد حين، في عام 2015، وانتهى الأمر باستيلاء لواء شهداء اليرموك على قريتي. قطع جزوان علاقاته مع لواء شهداء اليرموك أنذاك ورفض أي تحالفٍ معها لأنه رأى أن الأفضل تحالف جماعته مع داعش. أذكر أنه كانت هناك أقاويل عن تسليمه قريتي إلى جبهة النصرة، إلا أني لا أذكر ذلك على وجه التحديد. على أي حال، بمجرد سيطرة لواء شهداء اليرموك على كويا في ربيع عام 2015، فرّ جزوان، ورفض الخال فكرة السماح له بالعودة مجدداً.
بينما كان الخال لا يزال على قيد الحياة، ظهرت المزيد من الدلالات الواضحة على تحالف لواء شهداء اليرموك مع داعش، على الرغم من أن التجربة لم تكن مشابهة لتجربة أولئك الذين يعيشون في الموصل والرقة. فعلى سبيل المثال، لم يكن ارتداء النقاب مفروضاً بقوة على النساء، إلا أن لواء شهداء اليرموك روجوا له بتوزيع النقاب والتشجيع على الدعوة. حادثان آخران عززا فرض الحكم على طراز داعش؛ الأول كان اغتيال الخال ونائبه أبو عبد الله الجعوني على يد انتحاري من جبهة النصرة في نوفمبر 2015. والثاني هو اندماج لواء شهداء اليرموك مع جماعاتٍ متطرفة أخرى لتشكيل جيش خالد بن الوليد في مايو 2016.
استمرت الظروف المعيشية في التدهور: انقطعت الكهرباء بالكامل وكان علينا الاعتماد إلى حدٍ كبير على الألواح الشمسية لتوليد الكهرباء، والتي يمكنها أن توفر الكهرباء لشحن الهاتف والإنارة ليس إلا. وفي هذه الأثناء، حاصرت فصائل الجيش السوري الحر المدعومة من الأردن والغرب حوض اليرموك. دفع المدنيون ثمن الحصار وليس جيش خالد بن الوليد، الذي كان يحصل على دعمٍ مالي من داعش لتأمين احتياجاته واحتياجات مقاتليه. لم نكن نملك مثل هذا الدعم.
كان هناك حوالي 82 شخصاً من قريتي أعضاء في جيش خالد بن الوليد، لكن لا أعتقد أن جميعهم امتلكوا الدافع للانضمام لإيمانهم بفكرهم. بالتأكيد انضم أفراد من عائلة خليفة لأنهم كانوا مقتنعين بأن داعش كان على المنهاج الصحيح. لكن معظم حمولة عشواشة التابعة لعشيرة صبابحة انضمت إلى الجماعة لأنهم كانوا معاديين لجبهة النصرة، التي قتلت أحد رجالها. انضم آخرون بسبب الظروف المعيشية الصعبة في حوض اليرموك: عرض جيش خالد بن الوليد رواتب جيدة يمكن أن توفرها للزوجات والأطفال وغيرهم من المعالين.
بيد أنه، وبشكلٍ عام، عانى أبناء قريتي، وكانوا مستائين، من القيود التي فرضها جيش خالد بن الوليد. لم تستطع جميع الأسر تحمّل قانون اللباس الصارم الذي فرضته الجماعة على نسائهم. فقد كان حظر التدخين يعني أيضاً أن السجائر يتم تهريبها وبيعها بأسعار مبالغ بها. الأمر الوحيد الذي بقيّ على حاله هو التعليم: كانت المدارس لا تزال تابعةً للحكومة السورية، إلا أنه في بداية عام 2018 أجبرهم جيش خالد بن الوليد على تغيير انتمائهم وتعديل المنهاج. أدى ذلك إلى فرار بعض الأشخاص من حوض اليرموك ليتمكن أطفالهم من مواصلة دراستهم. أما الآخرون الذين لم يتمكنوا من تحمل تكاليف استئجار منزلٍ خارج حوض اليرموك، ظلوا في المنطقة لكنهم أخرجوا أطفالهم من المدرسة.
لفترةٍ طويلة، كانت خطوط القتال بين جيش خالد بن الوليد والمتمردين (معظمهم من الجيش السوري الحر) ساكنة بشكل أساسي. اشتبه الكثيرون منا في أن المعارك كانت لعبة وأن المتمردين، على وجه الخصوص، أرادوا أن يروا استمرار الحرب إلى أجلٍ غير مسمى، وبالتالي إطالة الدعم من مؤيديهم في الأردن وإسرائيل. في صيف عام 2018 فحسب تم تحرير قريتي من قبل الجيش السوري. كما شارك بعض المتمردين الذين تصالحوا مع الحكومة في عمليات التحرير.
اليوم، لا تزال الحياة صعبة في كثير من النواحي. يتم توفير المياه من مكان يسمى عين ذكر في الشمال، لكن لا زلنا نعاني من انقطاع الكهرباء وعلينا أن نواصل استخدام الألواح الشمسية لتوليد الطاقة في الوقت الحالي. يعني وجود جيش خالد بن الوليد أيضاً أن بعض المنازل والمباني الأخرى كانت مفخخة بالمتفجرات. وكحال المناطق الأخرى في سوريا، تأثرنا بأزمة الوقود الناجمة عن العقوبات الأمريكية.
أما بالنسبة للنسيج الاجتماعي، فالمبدأ القائم هو أنه ينبغي السماح لأولئك الذين تورطوا مع جيش خالد بن الوليد بالعودة والعيش معنا وأن الأسر والعشيرة لا يتحملون بشكلٍ جماعي خطايا أفرادهم. فعلى سبيل المثال إن لم يكن لأحد الأباء أي علاقةٍ تورطه مع جيش خالد بن الوليد إلا أن ابنه فعل ذلك، فعندها ينبغي أن يسمح للأب بالعودة للعيش في قريته. أما أولئك الذين انخرطوا في صفوف جيش خالد بن الوليد إما قتلوا أو فرّوا من المنطقة. ولا يزال المصير الدقيق لبعضهم غير معروف.
باختصار، نأمل أن تعود الحياة إلى سابق عهدها قبل الحرب، إلا أننا ندرك أن الطريق أمامنا لا يزال طويلاً.
ملاحظة
الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.