وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ترمب يعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان ويعيق جهود السلام

Specials- Golan heights
الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يحمل إعلاناً موقعاً بضم مرتفعات الجولان إلى إسرائيل بينما يقف إلى جانبه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قاعة الاستقبال الدبلوماسي بالبيت الأبيض في العاصمة واشنطن، 25 مارس 2019. Photo AFP

في 21 مارس 2019، أعلن الرئيس دونالد ترمب أن على الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، وهي قطاع متنازع عليه من الأراضي استولت عليه إسرائيل من سوريا خلال حرب الأيام الستة ضد جيرانها العرب في عام 1967.

رأى المراسلون والمحللون أن الإعلان، الذي أصدره ترمب عبر تغريدةٍ على تويتر، بمثابة إيماءةٍ لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يخوض معركةً بعد توجيه تهم فسادٍ متعددة له بينما يُدير حملةً لإعادة انتخابه في 9 أبريل.

وبعد أسبوعٍ من إعلانه، وقع ترمب على أمرٍ رئاسي ليصبح موقفه رسمياً خلال زيارة نتنياهو للبيت الأبيض. وبحسب ما ورد كان نتنياهو ينظر من فوق كتف الرئيس عندما أخبره ترمب: “جرى التخطيط لهذا الأمر منذ فترة.” وبعد ذلك أهدى ترمب القلم الذي استخدمه في التوقيع على المرسوم وقال: “أعطِ هذا لشعب إسرائيل.”

وكحال ما حصل عندما أعلن ترمب قراره السابق بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ندد المجتمع الدولي بالاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان على نطاقٍ واسع. وقال الاتحاد الأوروبي إنه لا يعترف بمرتفعات الجولان باعتبارها أرضاً إسرائيلية، تماماً كحال تصريحات كلٍ من روسيا وتركيا والجامعة العربية.

كما أشاروا إلى أن قرار ترمب يتعارض مع القانون الدولي، فقد رفضت الأمم المتحدة الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان والضفة الغربية، بحجة أن حدود إسرائيل والدولة الفلسطينية يجب أن يتم الاتفاق عليها دبلوماسياً. كما كانت هذه أيضاً سياسة الولايات المتحدة لعقودٍ من الزمن، حتى في ظل أكثر زعماءها محافظة.

ففي أعقاب حرب عام 1967، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ما يسمى بمبدأ “الأرض مقابل السلام،” والذي يهدف إلى إقناع إسرائيل بمبادلة الأراضي المحتلة سابقاً مقابل السلام واعتراف جيرانها العرب. تم دعم الخطة من قبل جميع القوى الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة.

وبعد أن ضمت إسرائيل فعلياً هضبة الجولان في عام 1981 إلى أراضيها، عاقبت إدارة ريغان حليفتها بتعليق اتفاقية تعاونٍ استراتيجية ثنائية. كما أقرت الأمم المتحدة القرار 497، الذي عارض ضم الأراضي السورية وأعلن أنها تشكل انتهاكاً للقانون الدولي.

لم يثنِ أي من الإجراءين إسرائيل، التي تواصل توسيع المستوطنات في مرتفعات الجولان وإدارة الأراضي باعتبارها جزءاً من بلدها.

وقبل حرب عام 1967، كان يعيش في مرتفعات الجولان ما يقرب من 150 ألف سوري، إلا أن معظم السكان هجّروا بسبب النزاع. واليوم، يعيش في الأراضي المحتلة 25 ألفاً من الدروز العرب، الذين ما زالوا مواطنين سوريين، و20 ألف مستوطنٍ يهودي إسرائيلي.

تساعد خطوة ترمب إسرائيل على الحفاظ على الوضع الراهن. ورغم أنه لم تكن هناك مفاوضاتٌ لتحديد مصير مرتفعات الجولان، إلا أن قرار ترمب ينظر إليه على نطاقٍ واسع باعتباره عقبة أمام السلام الإقليمي.

كما يخاطر الرئيس بتهديد علاقته بالزعماء العرب، الذين يحتاج إلى موافقتهم على خطته، التي طال انتظارها، للسلام في الشرق الأوسط. وفي الوقت الراهن، يبقي الخوف المشترك من إيران فضلاً عن صفقات الأعمال التجارية المهمة هذه العلاقات دون المساس بها.

فقد قال بعض الدبلوماسيين السابقين لصحيفة نيويورك تايمز إن قرار ترمب سيشجع على الأرجح رؤساء الدول الأخرى الذين يحتلون أراضٍ أخرى.

وفي هذا الصدد، قال مارتن إنديك، وهو مفاوض سلامٍ وسفير أمريكي السابق لدى إسرائيل: “سيستخدم بوتين هذا كذريعةٍ لتبرير ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.” وأضاف “كما سيستخدمه اليمين الإسرائيلي كذريعةٍ لضم إسرائيل للضفة الغربية. إنها حقاً خطوةٌ لا مبرر لها من قبل ترمب.”

وبالرغم من صحة ذلك، إلا أن مرتفعات الجولان هي مركز الاهتمام في الوقت الحالي. فقد انخرطت إسرائيل وسوريا في عدة جولاتٍ من المفاوضات حول المنطقة، بما في ذلك المحادثات السرية في عام 2010. وبحسب ما ورد كانت المحادثات ستؤدي إلى انسحابٍ إسرائيلي كامل، لكن الانتفاضة السورية في عام 2011 أوقفت جميع المفاوضات.

والآن، بات لدى إسرائيل حافزٌ ضئيلٌ للتخلي عن المنطقة. فقد كتبت دينا بديع، أستاذة السياسة والدراسات الدولية في كلية سنتر بالولايات المتحدة الأمريكية، أن مرتفعات الجولان تشكل رصيداً عسكرياً رئيسيا لكل من سوريا وإسرائيل. ولكن في نظر إسرائيل، وكثير من الجمهوريين في مجلس الشيوخ الأمريكي، تعتبر المنطقة”منطقة عازلة” لإسرائيل ضد إيران وحزب الله.

كما تضم المناطق موارد مياهٍ وفيرة وأراضٍ خصبة. في الواقع، تحصل إسرائيل على ثلث مياهها من مرتفعات الجولان. بل إن الأمر الأكثر إغراءً هو احتمال العثور على النفط، إذ يشير الحفر الاستكشافي إلى أن خزانات الإقليم قد تسفر عن تدفق مليارات الدولارات.

وعلى الرغم من هذه المزايا، فإن اعتراف ترمب بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان يمكن أن يأتي بنتائج عكسية. فقد كتبت بديع، إن القرار، على سبيل المثال، يقوض ادعاء أمريكا بأنها وسيطٌ أمين في عالم الجيوسياسة. كما أن عرض ترمب هذا يعيد صياغة نص السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل. فقد كتب ألوف بن، كاتب العمود في صحيفة هآرتس اليومية الإسرائيلية، أن الدعم الأمريكي لطالما كان مشروطاً وغالباً ما يعتمد على إسرائيل، على الأقل، في محاولةٍ للتفاوض مع الفلسطينيين والدول العربية كجزءٍ من عملية السلام.

فقد كان هذا هو الترتيب الذي أدى إلى حصول نتنياهو على مساعداتٍ عسكرية سخية من سلف ترمب، باراك أوباما. وبالمقابل، وافق نتنياهو على عدم مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.

وأياً كان المبدأ الجديد، فإن إعلان ترمب قد زاد من حدة التوترات في الشرق الأوسط، ولم ينزع فتيلها، إذ كان الخطاب الصادر عن أعداء إسرائيل وحلفائها على حد سواء في أعقاب الإعلان شديد اللهجة.

فمن جهته، ادعى المبعوث الأمريكي الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، جيسون غرينبلات، أن ترمب يدرك بكل بساطة الواقع على الأرض، وهو أن إسرائيل لا يمكنها المجازفة بوجود جهاتٍ فاعلة مارقة تعمل في مرتفعات الجولان الآن بعد أن أصبحت سوريا، بحسب قوله، دولةً فاشلة، إذ قال “التخلي عن [الجولان] من شأنه أن يعرض وجود إسرائيل ذاته للخطر.”

بينما كان لجواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، وجهة نظرٍ مختلفة، إذ قال إن قرار الولايات المتحدة هو تذكيرٌ صارخ للعرب والمسلمين بأنه لا يمكن الوثوق بأمريكا ولا إسرائيل في عالم الدبلوماسية. وبحسب قوله، “أمريكا وإسرائيل تمدان يد الصداقة لكم، لكن بغض النظر عن مدى التعبير عن خضوعكم المطلق، فسوف تستمران في اغتصاب أراضيكم.”