وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الليرة تدفع الاقتصاد التركي إلى القاع

Turkish lira
صورة تم التقاطها يوم ٤ سبتمبر ٢٠١٨ في العاصمة القبرصية نيقوسيا وتظهر فيها تشكيلة من الأوراق المالية بالليرة التركية وباليورو. المصدر: Amir MAKAR / AFP.

عادل مجاهد

من ضعف إلى ضعف، ومن قاع إلى قاع، أخذ الاقتصاد التركي في التهاوي، مدفوعاً بجاذبية العملة المحلية (الليرة) والتي أخذت بالتراجع أكثر فأكثر منذ تولي رجب طيب أردوغان، سدة الحكم في البلاد في النصف الثاني من عام 2014م.

فعلى الرغم من معدلات النمو المرتفعة في الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الثلاث الأولى من فترة حكمه، حيث بلغت ذروتها في العام 2017م مسجلة نحو 7.5%، وهو ثالث أعلى معدل نمو خلال عقد كامل من الزمن، إلا أنها شهدت انخفاضاً لافتاً في العام التالي مسجلةً معدل نمو قدره 2.8% ما أنذر بكابوسٍ محدقٍ بالاقتصاد التركي، ظهرت ملامحه في انخفاض معدل النمو إلى ما دون الـ 1% في عام 2019م.

ولم تشهد العملة التركية حالة من الاستقرار منذ مطلع الألفية الثالثة، حيث غدت تفقد من قيمتها شيئاً فشياً أمام العملات الرئيسية العالمية. ففي حين سجل الدولار الأمريكي سعر صرف يعادل 0.63 ليرة في العام 2000م، إلا أن ذلك السعر قد تضاعف في العام التالي ليسجل 1.2 ليرة لكل دولار، ويبلغ 1.34 ليرة في عام 2005م، و1.5 ليرة في العام 2010م، ثم 2.72 ليرة عام 2015م، و3.65 ليرة في العام 2017م، ومتوسط سعر 4.83 ليرة مقابل الدولار في عام 2018م، و5.67 ليرة في العام 2019م، وتسجل أسوأ أداء لها منذ 30عاماً بكسر حاجز الـ8 ليرات لكل دولار أمريكي خلال شهري أكتوبر ونوفمبر من العام الحالي 2020م.

وقد ساهم النمو الاقتصادي المدعوم بالقروض الخارجية في ارتفاع معدلات التضخم، خلال العقد الحالي، حتى وصف الاقتصاد التركي باقتصاد التضخم.

وبدأ العقد الأول من الألفية بأشد الأزمات الاقتصادية قسوة على البلاد عبر ما يزيد عن نصف قرن، لم يبرأ منها الاقتصاد التركي إلا في نهاية العقد. وعلى أثر ذلك اتجهت الحكومة إلى اعتماد سياسات نقدية توسعية، عبر تثبيت سعر الفائدة عند معدلات منخفضة، ومساعدة الشركات على الاقتراض من الخارج بنسب فائدة متدنية، من أجل دفع عجلة الاقتصاد ورفع معدلات الانتاج والاستهلاك في آن معاً. غير أن الآثار المترتبة على تثبيت سعر الفائدة والنمو الاقتصادي الكبير، بالإضافة إلى سلسلة من الأحداث الجيوسياسية والمخاطر المالية الناشئة عن الاقتراض، ما لبثت أن هددت اقتصاد البلاد، وشكلت ضغطاً متزايداً على العملة المحلية وذهبت بها إلى ما آلت إليه من انهيار مؤخراً.

فالنمو المتزايد في الصادرات قابلهُ نموٌ متزايدٌ في الواردات، وسجل الميزان التجاري عجزاً كبيراً بلغ ذروته في عام 2017م مسجلاً 77.6 مليار دولار نتيجة الفجوة الكبيرة بين الواردات والصادرات، وبزيادة 39% عما كان عليه في عام 2016م. وعلى الرغم من تراجع العجز التجاري بمعدل 29% و60% في عامي 2018م و2019م على التوالي مقارنة بعام 2017م، إلا أن الطلب على الدولار ظل عند معدلات مرتفعة، الأمر الذي عمق من جراح العملة التركية.

ومع إصرار الحكومة على تثبيت سعر الفائدة خلال السنوات الماضية وإبقائها عند مستويات متدنية، ارتفع معدل التضخم بمعدلات خطيرة، مسجلاً 18% تقريباً في الربع الثالث من عام 2018م، ما فاقم من أزمة العملة المترنحة سلفاً على وقع تفجر الخلافات مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تتجدد دوافعا وأسبابها حتى يومنا هذا.

وقد ازداد الجرح جرحاً مع الهروب المستمر للمستثمرين الأجانب منذ منتصف عام 2018م، حفاظاً على استثماراتهم، الأمر الذي شكل ضغطاً جديداً على العملة التركية، وفي المقابل زيادة الطلب على العملات العالمية الرئيسية وفي مقدمتها الدولار واليورو.

ومع ازدياد المخاوف بشأن مخاطر فرض واشنطن عقوبات جديدة على أنقرة، والتوترات الحالية مع الاتحاد الأوروبي، والنزاع الإقليمي مع اليونان، وفقدان جانب كبير من الاحتياطي النقدي، ووطأة أزمة فيروس كورونا، تبقى العملة التركية في مهب ريح كل تلك العواصف، حتى بعد قرار البنك المركزي التركي برفع سعر الفائدة مؤخراً بواقع 475 نقطة أساس إلى 15%، للتخفيف من حدة الآثار السلبية للسياسات الاقتصادية التوسعية.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.