وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مصالح الإمارات تتقاطع مع مصالح المستوطنين الإسرائيليين في القدس

مصالح الإمارات في القدس تتقاطع مع مصالح المستوطنين الإسرائيليين. وهذه المصالح الإماراتية تتعارض مع مصالح الفلسطينيين والأردنيين.

uae israel
صورة تم التقاطها يوم ٣١ أغسطس ٢٠٢٠ في مطار أبو ظبي لأعلام الإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك على هامش وصول أول وفد تجاري على الإطلاق من إسرائيل إلى الإمارات. وسافر الوفد الأمريكي – الإسرائيلي، الذي كان من ضمنه مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنير، في أول رحلة طيران تجارية مباشرة في التاريخ بين تل أبيب وأبو ظبي، وذلك بمناسبة تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات. المصدر: KARIM SAHIB/ AFP.

نشر الكاتب والباحث المختص في العلاقات الدولية جيمس دورسي مقالة على مدونته سلط فيها الضوء على وضع إدارة المسجد الأقصى في ظل المتغيرات على الساحة الأمريكية عقب الانتخابات الرئاسية. ويقوم دورسي بتحليل التنافس المحتدم بين أطراف عدة للظفر بالإشراف على المسجد الأقصى، بما في ذلك الإمارات، والأردن، والسعودية، وتركيا والفلسطينيين. وتقع إدارة الأقصى على عاتق المجلس الإسلامي الأعلى برعاية فلسطينية وأردنية، لكن الإمارات ترغب في توسيع هذه الإدارة حتى تحظى بدور هناك، وهو ما يوافق هوى المستوطنين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ويعرض دورسي طبيعة مواقف هذه الأطراف كلها ويتوقع بعض النتائج التي قد ينتهي إليها هذا الملف.

وعلى إثر انتصار جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية على حساب دونالد ترامب، أضحى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في موقفٍ لا يحسد عليه. وبحسب دورسي، فإن الأردن والسلطة الفلسطينية والإمارات يناورون من أجل الظفر بالإشراف على الحرم القدسي الشريف ثالث أقدس المساجد عند المسلمين وما يعتبره اليهود “جبل الهيكل”.

وبالتزامن مع احتدام المنافسة على خلافة محمود عباس الرئيس الفلسطيني الضعيف البالغ من العمر 84 عاماً، تزاحمت تلك الأطراف للسيطرة على موقع شديد الحساسية ومثير للمشاعر والنزاع أكثر من أي موقع آخر ألا وهو القدس، فهذه المدينة على أهبة الانفجار في أي لحظة.

ومنذ احتلال إسرائيل للقدس الشرقية في الحرب التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط عام 1967، يقوم المجلس الإسلامي الأعلى الذي يسيطر عليه لفلسطينيون والأردنيون بالإشراف على هذا الموقع من القدس.

ويقول جيمس: “قد تواجه نتنياهو مخاطر متعددة بسبب التزاحم للإشراف على المسجد الأقصى، وهو المكان الذي بني فيه الهيكل اليهودي الأول على يد الملك سليمان في عام 957 قبل الميلاد”.

ويرى الكاتب أن علاقات إسرائيل بالأردن ستتعقد وأن الخلافات القائمة مع السلطة الفلسطينية ستتعمّق بسبب ميل نتنياهو لدعم مساعي الإمارات لشق طريقها نحو إدارة الحرم القدسي الشريف. وهنا، لا بد من النظر إلى المساعي الإماراتية دون أن ننسى تواجد المملكة العربية السعودية في خلفية هذا الموضوع، سيّما وأن المملكة تتواجد فيها أقدس مدن المسلمين مكة والمدينة.

وأعلنت الإمارات إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل، مما عزز قدرتها على المناورة ثم أسرعت بتأسيس علاقات وثيقة مع النخب السياسية والأمنية والاقتصادية في البلاد.

ومن المفارقات في هذه القصة أن الإمارات قد وجدت أرضية مشتركة مع حركة الاستيطان الإسرائيلية واليمين اليهودي المتطرف. ويرغب كلا الطرفين في إضعاف السيطرة الأردنية – الفلسطينية على الحرم القدسي الشريف ومواجهة الجهود التركية الرامية لتأجيج المشاعر القومية والدينية الفلسطينية. ويطالب المستوطنون واليمين المتطرف بتدويل إدارة الحرم الشريف وهو ما يصب في مصلحة الإمارات.

وفي هذا السياق، قال يوشيا روتنبرغ، عضو مجلس محافظي منتدى الشرق الأوسط، وهي مؤسسةٌ فكرية يمينية مقرها مدينة فيلادلفيا الأميركية، التالي: “من المفارقات أن تأتي الدعوات الرامية للمضي قدماً في مثل هذا الترتيب من مواطنين مسلمين في بلدانٍ طبّعت علاقاتها مع إسرائيل. ويعتقد هؤلاء أنه لأمر مهين أن تحول مجموعةٌ صغيرة من الفلسطينيين بينهم وبين زيارة أحد أقدس المدن بالنسبة لهم”.

وأدى اعتراف دولة الإمارات بإسرائيل واستعدادها للتعامل مع الشركات القائمة في حدود إسرائيل قبل عام 1967 بل أيضاً مع شركات تقع في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة والاستثمار في حديقة تكنولوجية في القدس الشرقية، أدى كل ذلك إلى إشعال حرب كلامية مع الفلسطينيين وتعرض أهل القدس لزائري الحرم الشريف من الإماراتيين.

وفي أعقاب ترأسه لوفد من المستوطنين في زيارةٍ تم القيام بها إلى دبي لمناقشة الفرص التجارية، قال يوسي داغان، رئيس مجلس مستوطنات الضفة الغربية: إن “معظم مواطني إسرائيل بمن فيهم أنا يطالبون رئيس الوزراء نتنياهو بتطبيق السيادة الكاملة على يهوذا والسامرة” أي الضفة الغربية في اللغة التوراتية.

وبحسب دورسي، فإن هذه الزيارة تعزز التأكيدات الفلسطينية على أن إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والدول العربية قبل حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني من شأنه أن يقوي موقف الاحتلال الإسرائيلي، فضلاً عن كونه لا يفتح الباب أمام إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيلية.

من جانبه، قال وزير شؤون القدس الأسبق خالد أبو عرفة إن “الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي بعث القلق والخوف داخل أوساط الأوقاف الأردنية وفي نفوس الفلسطينيين، لأنه يهدف إلى منح الإمارات دوراً جديداً داخل الأقصى”.

لكن مفتي القدس محمد حسين لم يكن بحاجة إلى تصريح داغان ليصل إلى هذا الاستنتاج.

فبعد إعلان تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، استقال حسين على الفور من مؤسسة دينية مقرها في الإمارات وتأسست لتصدير صورة للإمارات باعتبارها منارة للإسلام المعتدل. كما منع حسين المسلمين من دولة الإمارات من زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه.

وقد تعرض الفلسطينيون باللسان لوفد من رجال أعمال إماراتيين زار إسرائيل الشهر الماضي عندما دخل الوفد للصلاة في المسجد وصاحوا بهم أن عودوا إلى بلدكم.

ووبخ رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية الإماراتيين قائلاً “المسجد الأقصى المبارك يدخله الناس من بوابة أصحابه وليس من بوابة الاحتلال”.

وردت على هذا التصريح عبر تويتر سيدةٌ إماراتية تُدعى ليلى العوضي، حيث غرّدت بالتالي: “سنزور الأقصى لأنه ليس ملكاً لكم، بل ملك المسلمين جميعاً”.

ونشر المحامي سعودي والكاتب عبد الرحمن اللاحم تغريدة قال فيها: “من المهم جداً أن يبحث الجانب الإماراتي والبحريني مع الجانب الاسرائيلي بعد معاهدات السلام؛ إيجاد آلية لتحرير المسجد الأقصى من الزعران الفلسطينيين بحيث تؤمن الحماية لزوار الأقصى من بلطجة الفلسطينيين. ما يحدث هو اغتصاب للأقصى من أولئك الزعران الهائجة”.

أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فقد أبطأ من وتيرة عملية المصالحة بين حركة فتح وحماس التي تسيطر على قطاع غزة، وذلك في انتظار تطبيق إدارة بادين القادمة لسياسة أكثر تعاطفاً معه.

وفي وقت سابق، قطع محمود عباس العلاقات مع الولايات المتحدة بعد إعلان ترامب عن خطة سلام إسرائيلية – فلسطينية تؤيد الضم وتعترف بالقدس عاصمةً لإسرائيل وتقطع التمويل عن الفلسطينيين.

ويتخوف المسؤولون الفلسطينيون من سعي الإمارات وبدعم من إسرائيل إلى الإطاحة بمحمود عباس وتسليم منصبه لمحمد دحلان، وهو رئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني السابق والمقيم في أبو ظبي وصاحب العلاقات الوثيقة مع ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد والمسؤولين الأمريكيين أيضاً.

ويرى دورسي أن عباس قد يصاب بخيبة أمل من مدى صغر حجم التغيير الذي قد تحدثه إدارة بايدن على سياسات ترامب تجاه هذا المنطقة، مشيراً إلى أن هذه الإدارة قد لا تعارض توسيع إدارة الحرم القدسي الشريف.

يأتي ذلك في الوقت الذي أجرت فيه صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” مقابلة مع أنتوني بلينكن، كبير مستشاري بايدن للسياسة الخارجية وأحد المسؤولين الكبار في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما. وأشار بلينكن في المقابلة إلى أن بايدن على عكس ترامب يُعارض الجهود الإسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربية، لافتاً إلى أن الرئيس الأمريكي المنتخب يمكن أن يتبنى موقفاً أكثر حدة تجاه توسيع المستوطنات الإسرائيلية القائمة.
ويُرجح دورسي أن تؤيد الإمارات هذا الموقف رغم علاقتها بالمستوطنين.

وأكد بلينكن على أن حل الدولتين في ملف النزاع الإسرائيلي الفلسطيني هو “السبيل الوحيد لضمان مستقبل إسرائيل دولةً يهوديةً ديمقراطيةً وهو السبيل أيضاً لضمان حق الفلسطينيين في دولة خاصة بهم”.

وفي ظل تصلب موقف إسرائيل والفلسطينيين “وعدم الاستعداد لخوض مفاوضات أو محادثات أو السعي لحلٍ نهائي”، يرى بلينكن إن إدارة بايدن ستسعى إلى ضمان “عدم اتخاذ أي من الطرفين خطوات أحادية مجدداً من شأنها أن تجعل حل الدولتين أصعب أو تقضي عليه تماماً”.

ويختم دورسي مقالته بالتالي: “لكن هذا الأمر قد لا يمنع إدارة بايدن النظر إلى عملية توسيع إدارة الحرم الشريف باعتبارها أحد السبل الكفيلة بتحقيق هذا الهدف”.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://mideastsoccer.blogspot.com في 15 نوفمبر 2020.