وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مطار عدن: نافذة أخيرة لليمن تهددها الهجمات المتكررة

مطار عدن
صوة تم التقاطها يوم ٣١ مارس ٢٠٢١ لموظف يقوم بإفراغ صناديق تحتوي لقاح أسترا زينيكا ظ كوفيشيلد في مطار عدن جنوب اليمن. المصدر: Saleh OBAIDI/ AFP.

فارس الحميري

نهاية نوفمبر ٢٠٢١، تواصلت بمسؤول رفيع في مطار عدن الدولي للاستفسار عن وصول وفد أجنبي إلى المطار، إلا أن الرد كان خارجا عن المألوف. يقول المسؤول: “إن الوفد لم يصل للجزء الذي تحت سيطرتنا؛ ربما وصل الى الجانب الأخر من المطار، ويصعب عليّ تأكيد وصول الوفد أو حتى الاستفسار عن ذلك”.

بحسب المسؤول، فإن جانب من مطار عدن يخضع لسيطرة قوات تابعة للتحالف العربي، و”الأسهل أن أذهب للرياض أو أبو ظبي من أن أذهب للجزء الآخر من المطار”.

المسؤول الرفيع في مطار عدن يكشف عن حجم الانقسام والسلطات المتعددة في المطار الدولي. فعلى الرغم من أنه مطار مدني، إلا أن قوات خارجية تابعة للتحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات تتمركز في جزء مهم من مطار يستقبل ويودع الرحلات الجوية بعيداً عن أعين اليمنيين.

أول مهبط للطائرات في اليمن

مطار عدن الدولي هو أحد ستة مطارات دولية يمنية، يقطع في مديرية خور مسكر وسط عدن، المدينة الواقعة على ساحل خليج عدن وبحر العرب جنوب اليمن، وهي العاصمة المؤقتة للبلاد منذ سبع سنوات والعاصمة الاقتصادية وثاني أهم المدن اليمنية.

يعد مطار عدن أول مهبط للطائرات في اليمن، حيث يعود إنشاء المطار إلى عام ١٩٢٧ إبان الاحتلال البريطاني للمدينة والمناطق الجنوبية، حيث شرعت القوات البريطانية آنذاك بإنشاء المطار لأغراضٍ عسكرية.

وقبل أن تشرع القوات البريطانية بإنشاء المطار، كانت قد “سيّرت رحلاتٍ جوية من وإلى عدن من على متن حاملة الطائرات (HMS Ben-my-Chree) في العام ١٩١٦.

وخلال سنوات الاحتلال، خاصةً بعد عام ١٩٢٧، استخدمت القوات البريطانية مطار عدن في البداية لأغراض عسكرية حيث كانت تستقبل الطائرات الحربية وتقلع منه المقالات البريطانية التي كانت تشنّ الهجمات على أهداف في مناطق جنوبية عدة يصعب الوصول إليها بسبب وعورة الجال التي كانت تتمركز فيها مشيخات وسلطات مناوئة للاحتلال.

وفي فترةٍ لاحقة، قامت بريطانيا باستخدام المطار للأغراض المدنية إلى جانب العسكرية، حيث كانت تهبط في المطار رحلات لنقل وإجلاء الموظفين البريطانيين العاملين في المستعمرة عدن.

العودة للوراء

بعد استقلال اليمن من الاحتلال البريطاني في عام ١٩٦٧، تحوّل مطار عدن إلى مطار مدني دولي. إلا أن الوضع في المطار اليوم، وبعد أكثر من خمسين عاماً، عاد إلى مراحله القديمة: مطار مدني وفيه قسم يجري استخدامه لأغراضٍ عسكرية.

وخلال السنوات الماضية عقب الاستقلال، كان مطار عدن ثاني أهم مطار دولي في اليمن بعد مطار العاصمة صنعاء، وكان المقر الرئيس للخطوط الجوية “اليمدا” التابعة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ودمجت مع الخطوط الجوية اليمنية بعد الوحدة اليمنية عام ١٩٩٠.

ساحة حرب

في عام ٢٠١٥، تحوّل مطار عدن الدولي إلى ساحة حرب عقب هجوم جماعة الحوثي المسلحة على المدينة بعد أن أعلنها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي عاصمة مؤقتة بدلاً عن العاصمة صنعاء التي اجتاحها الحوثيون في سبتمبر من عام ٢٠١٤.

وشهدت ساحات المطار الدولي معارك طاحنة بين الحوثيين والقوات الحكومية المدعومة من التحالف العربي الذي شنّ بدوره سلسلة من الغارات الجوية على المطار الذي كان يتمركز فيه الحوثيون.

وخلّفت حينها المعارك على الأرض والغارات الجوية دماراً هائلاً في كافة مرافق المطار الدولي. واحترقت حينها الطائرة الرئاسية الوحيدة التي كانت رابضة على أرضية المطار.

وعقب تحرير المطار والمدينة عموماً من قبضة الحوثيين، بدأت عملية إعادة تأهيل وتطوير مطار عدن، حيث تمكن حينها “فريق فني إماراتي متخصص وشركات فنية من إعادة تأهيل المطار من جديد واستئناف نشاطه الطبيعي واستقبال الرحلات المدنية والإغاثية”.

مطار جاذب للهجمات

مطار عدن
صورة تم التقاطها يوم ٣١ أكتوبر ٢٠٢١ لمدنيين أثناء تفحصهم الأضرار التي وقعت عقب تفجير سيارة الليلة الماضية بالقرب من مطار مدينة عدن جنوب اليمن. وبحسب مسؤولي الأمن في العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية، فإن الانفجار الذي وقع يوم السبت بفعل سيارة مفخخة أسفر عن مقتل ما لا يقل عن ١٢ مدنياً، بما في ذلك الأطفال. المصدر: Saleh Al-OBEIDI / AFP.

أعقب إعادة تأهيل وتشغيل مطار عدن الدولي في نهاية عام ٢٠١٥ تعرّضه لعشرات الهجمات من قبل أطراف متعددة، خاصة بعدما أصبح هذا المطار واحدة من أهم النوافذ التي يشرف من خلالها اليمنيون على العالم الخارجي.

وفي أحدث هجوم على المطار، انفجرت سيارة مفخخة في نهاية أكتوبر ٢٠٢١ بالبوابة الخارجية أثناء اكتظاظ العائدين من رحلة جوية قادمة من مدينة مومباي الهندية. وأسفر الهجوم حينها عن مقتل وإصابة أكثر من ٤٠ شخصاً ودماراً في المبنى.

الهجوم المميت

تعرّض مطار عدن الدولي لهجوم مميت قبل عام، وتحديداً في ٣٠ ديسمبر ٢٠٢٠، حيث واجه المطار حينها ثلاثة تفجيرات كبيرة. وأسفرت هذه التفجيرات عن مقتل وإصابة ما يزيد عن ١٣٠ شخصاً بينهم مسؤولين محليين ومدنيين وعسكريين، بالإضافة إلى ثلاثة موظفين للصليب الأحمر الدولي وصحفي يمني.

وتزامن الهجوم حينها مع وصول رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة من العاصمة السعودية الرياض، وذلك بعد أيام من إصدار الرئيس اليمني لقرار بتشكيل الحكومة الجديدة مناصفةً بين محافظات الشمال والجنوب اليمني استناداً إلى اتفاق الرياض الذي رعته المملكة.

وقالت الحكومة اليمنية: “إن الهجوم تم باستخدام ثلاثة صواريخ بالستية متوسطة المدى أرض – أرض يبلغ مداها من ٧٠ إلى ١٣٥ كيلومتراً، وأن الصواريخ تم إطلاقها من مناطق سيطرة الحوثيين.

وفي فبراير ٢٠٢١، وصل فريقٌ دولي إلى مدينة عدن للتحقيق في التفجيرات التي استهدفت مطارها الدولي، ولم يتم حتى الآن الإعلان عن نتائج تحقيقات هذا الفريق.

سلطات متعددة

في أغسطس ٢٠١٩، سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على مدينة عدن، بما في ذلك المطار الدولي بالمدينة. ولا تزال قوات المجلس حتى يومنا هذا تتمركز في المدينة ومطارها.

وكان المجلس الانتقالي الجنوبي قد تشكل في مايو ٢٠١٧ بقيادة محافظ عدن المقال اللواء عيدروس الزبيدي وقيادات عسكرية وأمنية للمطالبة بانفصال جنوب اليمن عن شماله بعد دخولهما في وحدة اندماجية عام ١٩٩٠.

وللمجلس الجنوبي قواتٌ عسكرية وأمنية مدعومة من قبل دولة الإمارات – بحسب الحكومة اليمنية المتعرف بها دوليا. وتسيطر هذه القوات منذ أغسطس من عام ٢٠١٩ على مدينة عدن وعلى أهم مدن محافظات الضالع ولحج وأبين ومؤخراً على جزيرة سقطرى، أكبر الجزر اليمنية وأهم الجزر العربية والأكثر تنوعاً بيئياً في العالم.

وتتمركز قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في مطار عدن الدولي إلى جانب القوات العسكرية التابعة للتحالف العربي الذي تسيطر على جزء من المطار. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة اليمنية نفسها ليست لها سلطة على المطار.

موانئ خارج الخدمة

وكما هو مطار عدن الدولي خارج سيطرة الحكومة، لا تزال ثلاثة مطارات دولية من أصل ستة موانئ جوية يمنية أخرى تحت سيطرة جماعة الحوثي المسلحة، وهي مطار صنعاء الدولي ومطار الحديدة الدولي ومطار تعز، إضافة إلى أن مطار الريان الدولي في مدينة المكلا عاصمة حضرموت تشرف وتتمركز فيه قوات تابعة للتحالف العربي، فيما القوات الحكومية تفرض سلطتها على مطار وحيد وهو مطار سيئون الدولي في محافظة حضرموت شرقي البلاد.

ونتيجة لإغلاق المطارات الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، بما في ذلك مطار العاصمة صنعاء والذي علّق التحالف العربي الملاحة الجوية التجارية فيه منذ عام ٢٠١٧، باستثناء رحلات الإغاثة والرحلات الخاصة بمنظمات الأمم المتحدة، فإن مطار عدن هو البوابة الأهم التي يطل منه اليمنيون إلى الخارج، رغم انقسام سلطاته والتهديدات التي يتعرض لها بين الفينة والأخرى.