نشر الكاتب البارز جيمس دورسي على مدونته الشخصية مقالاً سلّط فيه الضوء على التحالف الذي تم مؤخراً بين جمعية نهضة العلماء الإندونيسية والتحالف الإنجيلي العالمي. واعتبر دورسي، وهو باحثٌ بارز في معهد الشرق الأوسط التابع لجامعة سنغافورة الوطنية، أن هذا التحالف يختلف عن خطاب السلطويات الإسلامية عن الإسلام المعتدل، محللاً أبعاد إطلاق التحالف والأسئلة التي يطرحها ومدى استدامة هذا النهج الإنسانوي في مقاربة الإسلام. كما عرض مختلف التحديات التي تواجه تكوين حركة شعبية تؤمن بالقيم الدينية المشتركة والإصلاح الديني.
وشهد شهر يوليو ٢٠٢١ قيام تحالف مكون من منظمة إسلامية كبرى وأخرى إنجيلية بتنظيم حوار عن الأديان وقد حقق تقدماً ملحوظاً بعدما ظل هذا الملف أسير الاحتفالات الحكومية ومجالاً لتكرار البديهيات والتصريحات المبتذلة.
وجرت عملية تدشين هذا التحالف الديني في الأسبوع الثاني من يوليو ٢٠٢١ في أحد مساجد واشنطن، بالتزامن مع نشر كتاب عبر عن الاحترام الإنجيلي لإنسانية الإسلام في إصدار مشترك عن مركز “الإسلام للإنسانية” والتحالف الإنجيلي العالمي ومقره ألمانيا بالإضافة إلى مركز القيم الحضارية المشتركة.
كما يعتبر هذا الحدث احتفاء إسلامياً نادراً بأحد كبار الشخصيات الإنجيلية مثل توماس شيرماخر الأمين العام للتحالف الإنجيلي العالمي وكبير الأساقفة الذي أدى دورا كبيرا في بناء العلاقات بين التحالف الإنجيلي وجمعية نهضة العلماء الإندونيسية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن جمعي نهضة العلماء الإندونيسية تعد واحدة من أكبر الحركات الإسلامية إن لم تكن أكبرها.
وبحسب محرري الكتاب توماس جونسون وهولاند تايلور فإن “قرار الدكتور شيرماخر بالمشاركة مع حركة الإسلام للإنسانية قد يكون له أثر فريد، بل وربما يكون له تداعيات تاريخية على العلاقة بين المسلمين والمسيحيين”.
ويعيد الكتاب المعنون بـ “الله لا يحتاج إلى دفاع” تصور العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في القرن الواحد والعشرين، علماً بأن الكتاب يحتوي على مختارات من مقالات كتبها علماء كبار من المسلمين والمسيحيين.
وقامت جمعية نهضة العلماء مركز الإسلام للإنسانية في العاصمة الإندونيسية جاكرتا بهدف تعزيز التفسير الإنسانوي للدين على مستوى العالم.
وتسعى جمعية العلماء إلى تقديم أفكار جديدة بدلاً من المفاهيم الرجعية والمتشددة عن الإسلام المعتدل التي تروّج لها دول مثل السعودية والإمارات من جهة، أو مفاهيم الإسلام السياسي التي تقدمها تركيا وإيران وجماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى.
أما جمعية نهضة العلماء فقد تأسست منذ ما يقارب القرن لمواجهة الحركة الوهابية صاحبة التفسير المتشدد للإسلام التي دعمتها السعودية لعقود حتى تولى الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان الحكم في عام 2015.
وتعتبِر الجمعية حركة الإسلام للإنسانية داعمة للإصلاح الديني الجوهري على عكس الحكام المستبدين الساعين إلى محاولة احتواء التغيرات الاجتماعية والاقتصادية وتطويع الدين في ذلك. كما يقوم هؤلاء بتقديم أنفسهم كمعتدلين دينياً بغرض استعمال هذه الورقة كقوة ناعمة في الساحة الدولية.
وبحسب دورسي، فإن الاختلافات بين الإسلام الإنسانوي لدى جمعية نهضة العلماء والتفسيرات الدينية التي تقدمها قوى إقليمية تتصارع على القوة الناعمة سواء كانت من الملكيات والجمهوريات الإسلامية المحافظة هي اختلافات جمّة وتثير تساؤلات جوهرية عن التغيير الحقيقي الذي ينشده الناس.
وتلك اختلافات تجعل هذه الجمعية وهي تعد منظمة عاملة في المجتمع المدني في مواجهة ضد الدول وإن كانت لها صلاتها الوثيقة بها.
ويرى صاحب المقالة أن الاستقلالية التي تحظى بها جمعية نهضة العلماء أتيح لها البدء في عملية تغيير حقيقية متجذرة في الفقه بدلاً من اللهث وراء مراسيم الحكام وفتاوى أتباعهم من علماء الدين.
وتسعى الجمعية إلى مراجعة مفاهيم عفا عنها الزمن مثل الكفار والذميين أو أهل الكتاب والعبودية بالإضافة إلى الردة والإلحاد. وهي المفاهيم التي يظل لها أثر في حياة الناس حتى وإن لم يلتفت لها المسلمين في حياتهم اليومية.
وقد اتخذ قادة الجمعية الخطوة الأولى في عام 2019 عندما بدلوا لفظة كافر بكلمة مواطن للتأكيد على أن المسلمين وغيرهم سواسية أمام القانون. وحينها قال عبد المقسط غزالي أحد علماء الجمعية “إن لفظة كافر تؤذي بعض غير المسلمين وتعد عنفاً دينياً”.
كما تمكّنت الجمعية بفضل الاستقلال من تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي لم توافق القوى الإقليمية المذكورة أعلاه على بعض بنوده. لكن هذا لا يعني أن الليبراليين سيقبلون بعض تفسيرات الجمعية للإعلان، فهي حركة محافظة في النهاية.
وتثير الاختلافات تساؤلات عن قدرة جمعية العلماء على النجاح بعد الانتصارات الواضحة التي حققتها بين النخب السياسية والدينية في أمريكا وأوروبا والفاتيكان وأجزاء من إفريقيا وآسيا.
فقد تزامن إطلاق التحالف غير المسبوق والكتاب في واشنطن مع تعاون الجمعية مع منظمة ديمقراطيي الوسط الدولية، وهي أكبر تجمع للأحزاب السياسية في العالم، فكان ذلك دليلاً بيّناً على نجاح الجمعية بين النخب.
ومن شأن من هذا التحالف أن يعضد حوار الأديان، فهو تحالفٌ يجمع بين جماعتين كبريين من المسلمين والمسيحيين. وهنا تجدر الإشارة إلى وجود عشرات الملايين من أتباع جمعية نهضة العلماء، فيما يقول التحالف الإنجيلي العالمي إنه يمثل 600 مليون بروتستانتي وتحالفات إنجيلية محلية في 140 دولة. كما أن هذا التحالف يبرز تميز هذه الجماعة الإنجيلية في مقابل جماعات مسيحية أخرى ترتبط بالقومية المسيحية والإسلاموفوبيا لا سيما في الولايات المتحدة.
ويهدف التحالف بحسب البيان الصحفي الذي أصدره مركز الإسلام للإنسانية ومسجد الأمة في واشنطن إلى: “منع التسلّح السياسي بالهوية، والحد من انتشار الكراهية الطائفية، وتعزيز التضامن والاحترام بين مختلف الناس والثقافات والأمم في العالم، ودعم انبثاق نظام عالمي عادل ومتناغم يقوم على احترام حقوق وكرامة كل إنسان بما يتسق مع مبادئ المساواة”.
ويرى دورسي أن إنشاء التحالف لمركز القيم الحضارية المشتركة يمثل جهداً لتكوين منصة حوار تبتعد عن النخب لترعى حركة شعبية للإصلاح الديني تحتضن الأديان الكبرى وتدعم قيم الاحتواء والتعددية والتسامح بدلاً من الانغلاق والتشدد الذي تشعله سياسات الهوية.
وبهذا، يأمل المركز أن يضيف إلى قاعدة جمعية العلماء الشعبية في إندونيسيا، قدرة التحالف الإنجيلي العالمي على الوصول إلى أرجاء العالم، وطيف من الاتصالات والعلاقات مع جماعات وشخصيات كاثوليكية ويهودية وهندوسية.
ويعتقد دورسي أن اختيار مسجد الأمة ليكون مهد انطلاق هذه الجهود يشير إلى استراتيجية تحاول حشد الدعم الشعبي في العالم الإسلامي، إذ يقع المسجد في حيّ شو في واشنطن وهي المنطقة التاريخية للأمريكيين من أصول إفريقية، وقد كان هذا الصرح هو أول مسجد يبنيه أحفاد العبيد في الولايات المتحدة.
كما يمثل هذا الاختيار تواصلاً مع مجتمع الأقلية المسلمة في ديمقراطية غربية تبدو أقرب إلى تقبل رسالة الإسلام للإنسانية رغم الاضطرابات التي تشهدها الولايات المتحدة جراء كفاحها ضد تاريخها العنصري، بل ربما هي أكثر انفتاحاً من دول أخرى ذات أغلبية مسلمة مثل باكستان ودول الشرق الأوسط حيث ما يزال كثيرون يرون الديانة التي صارت عالمية من منظور أصولها العربية.
وفي العالم الغربي، يكتسب التحالف أهمية كبيرة نتيجة شيوع التعصب والتشدد والاستبداد في السنوات الأخيرة حتى مع الهزيمة الانتخابية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وانتكاسات الشعبويين والمتطرفين القوميين في أوروبا.
وفي هذا السياق، فضح ستيفن كوك محلل السياسة الخارجية زيف ادعاء الولايات المتحدة بأنها منارة الحرية والتحرر مشيراً إلى أنه: “لم يُصبغ العالم بنمط الحياة الأمريكية كما توقع كثيرون منا بعد الحرب الباردة، بل أصبحت الولايات المتحدة هي من تشبه بقية العالم والمستبد منه تحديداً”.
ومن المفارقات الساخرة أن يتزامن نشر كتاب جمعية نهضة العلماء مع إطلاق كتاب ضيق الأفق بدعم مالي سعودي في لبنان بعنوان: “العلاقات بين البطريركية المارونية والمملكة العربية السعودية” كتبه الأب الماروني أنطوان ضو. وهذا الدعم السعودي للكتاب والتواصل مع الموارنة ليس إلا جزء من جهود المملكة لمواجهة النفوذ الإقليمي الإيراني ودفع الجمهورية الإسلامية إلى محادثات مباشرة وغير مباشرة بخصوص قضايا معينة.
وجاء إطلاق الكتاب في بكركي حيث تنتشر البطريركية المارونية، وذلك بعد دعوة البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، كبير الأساقفة المسيحيين في لبنان، إلى اجتماع مع حزب الله وهي الميليشيا الشيعية اللبنانية وأقرب حلفاء إيران في العالم العربي.
وتجدر الإشارة هنا إلى حثّ البطريرك لحزب الله على التحرك من أجل إنقاذ لبنان من الانهيار الاقتصادي والسياسي، علماً بأن هذ الحزب يعد من أقوى الجماعات اللبنانية وأدّى دوراً رئيسياً في دعم إيران لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
ملاحظة
الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.
ملاحظة
تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://mideastsoccer.blogspot.com/ في 14 يوليو 2021