تبنت المملكة العربية السعودية نهجاً متعدد الجوانب لمكافحة الحركة الجهادية؛ أي الفكر الإسلامي المتطرف الذي يدعو إلى الجهاد ضد غير المؤمنين، فضلاً عن المسلمين ممن يعتبرون بنظرهم مرتدين. فقد كانت هذه الأيديولوجية المحرك الرئيسي للعنف المستوحى دينياً في البلدان ذات الأغلبية المسلمة وفي الغرب.
ولسنوات، ترددت السعودية في الاعتراف أن تهديد الحركة الجهادية طرق بابها أيضاً، ومع ذلك، بعد أن عانت من عدة هجماتٍ إرهابية خلال فترة التسعينيات، اعترفت بالمشكلة وبدأت في مواجهة المسلحين على أراضيها.
وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، أصبح التهديد الجهادي مصدر قلقٍ عالمي، تماماً كحال المملكة العربية السعودية وردها على الأيديولوجية المسلحة التي يعتقد الكثيرون أن لها جذوراً ضاربة في المملكة. بل إن حقيقة أن 15 إرهابياً من أصل 19 الذي قادوا الطائرات التي ضربت مركز التجارة العالمي والبنتاغون كانوا من المواطنين السعوديين، ركز الإهتمام العالمي على الثقافة السعودية وتنامى الضغط على السلطات هناك للتصدي لتهديد الإسلام السياسي، وذلك من خلال، على سبيل المثال، كبح جماح وتأثير رجال الدين الذين يبثون الكراهية والعنف ضد الغرب الكافر.
وتدريجياً، أدرك السعوديون أن قوة السلاح لم يكن سوى جزءاً من الحل، فإلى جانب نشر المنظومة القسرية للدولة عام 2004- الحملة الأمنية المعتادة والسجن، بدأت الحكومة في اتباع نهجٍ أكثر اعتدالاً للقضاء على تطرف الجهاديين. وشمل ذلك إعادة تأهيل المدانين بهدف إقناعهم التخلي عن معتقداتهم المتطرفة وإعادة الاندماج في المجتمع.
وتعتبر العملية المعروفة بالمناصحة جزءاً أساسياً من نهج القضاء على التطرف. تبدأ هذه العملية خلف أسوار السجن وتتضمن انخراط رجال الدين مع المُدانين لإقناعهم أن مفاهيمهم عن الجهاد تستند إلى سوء تفسيرٍ للقرآن الكريم. وإلى جانب “نزع السُمية” الدينية، يعتمد المكون الآخر للبرنامج على تقنياتٍ اجتماعية- نفسية حديثة.
وتحقيقاً لهذه الغاية، بنى السعوديون مرافق خاصة لضمان عودة أولئك الذين أطلق سراحهم من السجن إلى المجتمع وبدء حياة جديدة. كان أولها في عام 2007، حيث تم تأسيس مركز محمد بن نايف للمناصحة خارج العاصمة الرياض. هناك، يمكن للمدانين السابقين قضاء ما يصل إلى ثلاثة أشهر والحصول على العلاج اللازم وممارسة أنشطة الفن والرياضة وكذلك التدريب المهني.
كما يُشرك البرنامج أيضاً أسر المدانين السابقين لضمان لعبهم دور أيضاً في الرقابة والوقاية. ويعد هذا عنصراً مصيرياً من عناصر البرنامج في مجتمعٍ ممكن أن تؤثر فيه مفاهيم شرف الأسرة والتضامن القبلي على الامتثال للقواعد والأعراف السائدة.
كما يساعد المركز أولئك الذين يعانون من الفقر الشديد أو الذين لا ينتمون لقبائل أكبر على إعادة إدماجهم في المجتمع، وقد يحصلون على مساعدة مالية للزواج وتكوين أسرة أو حتى العثور على عمل. فالمال يلعب دوراً هاماً في هذا النهج لأن تجنيد تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية “داعش” يستهدف بشكلٍ أساسي المحرومين من الحقوق والفقراء. ويمكن للمساعدة المالية المقدمة من الحكومة أن تساعد على مواجهة ذلك.
وتقول السلطات السعودية إن نسبة نجاح نهجها هذا وصلت إلى 90%، على الرغم من صعوبة التحقق من هذا الرقم نظراً لعدم وجود تقييمٍ مستقل. فقد كانت هناك حالات معدودة لعودة المدانين إلى سابق عهدهم، أبرزها قضية سعيد الشهري، وهو معتقل سابق في غوانتانامو، الذي أنهى برنامج المعالجة الفكرية للتطرف إلا أنه واصل تطرفه إلى أن أصبح أحد قادة تنظيم القاعدة في اليمن، والعقل المدبر لتفجير السفارة الامريكية في اليمن عام 2008.
وفي حالةٍ أخرى، أفادت التقارير أن ما يقرب من 60 شخصاً من أصل 88 من المشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة قد خضعوا لأحد برامج إعادة التأهيل هذه. دفع هذا ببعض الخبراء إلى استنتاج أن البرنامج قد ينجح بثني بعض الجهاديين ولكن ليس جميعهم. وذكر تقريرٌ نشره معهد الشرق الأوسط، وهو مؤسسة غير ربحية ومقرها واشنطن، “تقتصر فعالية حملة إعادة التأهيل أساساً على المجرمين غير الخطيرين والمؤيدين والمتعاطفين مع الجهاديين الذين يبحثون بالفعل عن مخرجٍ من الجهادية، بعد أن خاب أملهم من الظروف التي أدت إلى القبض عليهم،” ويشير التقرير أيضاً إلى أن المتشددين بعيدين كل البعد عن الإصلاح.
ولا ينبغي التقليل من شأن التحديات التي تواجه النهج السعودي، ولا سيما إعادة تثقيف الجانب الديني منه. فالإسلام الرسمي في السعودية – المعروف بالوهابية – يتقاطع مع عددٍ من المعتقدات الأساسية لدى الجهاديين المتطرفين. بل إن من أهم الركائز في كلا المعتقدين مفهوم التكفير – أي اعتبار المسلمين الآخرين مرتدين لأنهم لا يطبقون صيغة الإسلام الصارمة والمتزمتة التي يتبناها الجهاديون فضلاً عن المذهب السعودي الرسمي. كما يتشاطران أيضاً الكراهية الغريزية للأديان السماوية الأخرى، أي المسيحية واليهودية.
وعلى الرغم من السياسة الرسمية للقضاء على التطرف، إلا أنه يُعتقد أن ما يُقدر بـ2,500 سعودي انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بحلول عام 2017. ويتزامن دافعهم في ذلك مع سياسة الحكومة السعودية المعلنة لمكافحة النفوذ المتزايد لإيران الشيعة في البلدين. فالجهاديون، تماماً كحال المؤسسة الدينية السعودية الرسمية، يعتبرون الشيعة طائفةً ضالة وتهديداً كبيراً للإسلام السني.
وعلاوة على ذلك، أظهرت التقارير الأخيرة أن المملكة العربية السعودية لا تزال تدعم شعارها الخاص للإسلام المحافظ في الخارج، ولا سيما في شمال أفريقيا وآسيا، التي يعتقد الكثيرون أنها غالباً ما تكون بوابة للإسلام المسلح.
ترك هذا الأمر شكوكاً مستدامة بين بعض المراقبين، الذين يعتقدون أنه بينما تحارب الحكومة السعودية الإسلام المسلح على أرضها، تواصل تقديم الدعم المالي للإسلام المتطرف أو المحافظ في الخارج متى وحيثما ناسب ذلك مصالحها الخاصة. وبناءً على هذه الإزدواجية المحسوبة، قال كريستوفر دافيدسون، وهو خبير إقليمي بريطاني، في صحيفة واشنطن بوست، “هناك أيضاً شعورٌ بأن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” بالرغم من الفظاعة التي يبدو عليه، هو في الواقع حليفٌ مؤقتُ ذو فائدة للمملكة العربية السعودية طالما أنه يمكن حشده باتجاه إيران وحلفائها، بدلاً من الدول ذات الأغلبية السنية.