وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مصر توافق على التعديلات الدستورية وسط إنتشار شراء الأصوات

Egypt- Egypt referendum
جندي مصري على أهبة الاستعداد خارج مدرسة في حي شبرا في شمال القاهرة أثناء التصويت على استفتاء التعديلات الدستورية في اليوم الأول من الاستفتاء الذي استمر لمدة ثلاثة أيام، في 20 أبريل 2019. Photo AFP

وافق الناخبون المصريون على التعديلات الدستورية في استفتاءٍ أجري في الفترة من 20 إلى 22 أبريل 2019، مع تأييد 88,80% من الأصوات ونسبة إقبال بلغت 44,30%، حسب ما أعلنت هيئة الانتخابات في 23 أبريل.

وبحسب ما قاله رئيس هيئة الإنتخابات في مؤتمرٍ صحفي “خرج الاستفتاء فى أبهى صوره، وخرج فى صورة تليق بمصر وحضارتها الممتدة عبر التاريخ”. وأضاف “انتقلنا من ترسيخ الديمقراطية إلى الاستقرار والحفاظ على الديمقراطية.”

هذه الديمقراطية، التي من المحتمل أن تمدد ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي حتى عام 2030، تضمنت شراء الأصوات على نطاقٍ واسع، وحملةً أحادية الجانب بالكامل لدعم التعديلات واعتقال المعارضين المحتملين.

فقد شهدنا في فَنَك كيف حصل الناخبون على كوبوناتٍ في زقاق صغير، يستخدم كموقفٍ للسيارات، بجانب مركز اقتراعٍ في وسط القاهرة، وبعد التصويت تم ختم الكوبون. كانت المرأة التي ختمت الكوبونات ترتدي القميص نفسه مع شعار الاستفتاء كحال الموظفين في مركز الاقتراع.

كما أخبرنا أحد المارة أن بعض الناس خرجوا وهم يحملون أموالاً بأيديهم، بعد أن حصلوا على 50 جنيهاً مصرياً (2,90 دولار) للتصويت، إذ قال بغضب، “تبيع بلدك مقابل 50 جنيهاً!”.

وبدلاً من المال، يمكن للمشاركين في الاستفتاء أيضاً الذهاب إلى متجرٍ قريب، حيث تم توزيع صناديق مواد غذائية. “هذه من أجل الاستفتاء،” قالت المرأة التي تقف وراء المنضدة عن الصناديق، والتي يبدو أنها للوهلة الأولى تحتوي على مواد غذائية أساسية مثل المعكرونة والأرز والبطاطا.

كما شهدت وسائل الإعلام الدولية المختلفة تسليم الناخبين صناديق الأغذية والأموال النقدية أيضاً. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الحافلات والتوك توك كانت تقدم رحلاتٍ مجانية إلى مراكز الاقتراع. وعلاوةً على ذلك، رأينا في فَنَك حافلاتٍ صغيرة، تحمل ملصق الاستفتاء مع علامة خضراء عليها، تصل إلى مركز الاقتراع في وسط المدينة. وأشارت صحيفة الجارديان إلى أنه جرى تنظيم رحلاتٍ بالحافلات من مناطق الطبقة العاملة إلى وسط القاهرة.

من جهتها، قالت الهيئة العامة المصرية للاستعلامات إن التقارير المتعلقة بشراء الأصوات كانت متناقضة ومحدودة، مؤكدةً أنه في حالات توزيع المواد الغذائية، فإن المسؤولين عن ذلك هم رجال الأعمال أو مندوبين عن الحزب وليس الدولة.

وبطبيعة الحال، لم يصوت الجميع مقابل المواد الغذائية أو المال، فقد قال البائع المتجول، سعيد، لفَنَك إنه “يحب” السيسي، الذي يعتقد أنه أعاد الاستقرار والأمن بعد سنواتٍ من الاضطرابات التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011. وبحسب ما قال، “الأمن والاستقرار هما أهم شيء، ودون ذلك لا توجد حياة.”

تحدثنا في فَنَك أيضاً إلى أشخاص آخرين، بمن فيهم رجلٌ قبطي في الخمسينيات من عمره، والذي قال إن تغيير الدستور “أمرٌ خاطىء،” إلا أنه صوت لصالح التغييرات على أي حال لأنه “لا يوجد بديل.” فهو يخشى أن يكون البديل الوحيد للسيسي هو قيادةٌ إسلامية، قائلاً إن “السيسي على الأقل يحارب المتعصبين.”

فقد كان الاستفتاء الذي استمر ثلاثة أيام مهرجاناً كبيراً في وسط القاهرة، حيث تم تجهيز مراكز الاقتراع بمكبرات الصوت التي تصدح منها الأغاني الوطنية والمؤيدة للإستفتاء بشكلٍ متكرر منذ افتتاحها في الساعة 8 صباحاً إلى حين إغلاقها في الساعة 9 مساءً.

كما يمكن رؤية حشودٍ من الناس يرقصون ويصفقون خارج مراكز الاقتراع. وقال أحد المارة أنهم دُفع لهم 500 جنيه مصري لمدة ثلاثة أيام، لكن لم نستطع في فَنَك التحقق من ادعائه هذا.

وفي الفترة التي سبقت الاستفتاء، لم يدخر أي جهدٍ لإقناع الناس بالإدلاء بأصواتهم. حتى قبل أن يقر البرلمان رسمياً التعديلات في 16 أبريل ولا حتى الإعلان عن الاستفتاء بعد، كانت شوارع القاهرة ممتلئة بلافتات تحث الناس على التصويت، التي غالباً ما كانت ترافقها صورٌ كبيرة للسيسي. وفي إحدى المرات، رصدنا في فَنَك قيام الشرطة بتعليق اللافتات.

“اعمل الصح،” صيغة أمرٍ حملتها إحدى اللافتات. فقد حرصت وسائل الإعلام ورجال الأعمال والمشرعون على تأكيد أن “الخطوة الصحيحة” هي التصويت بـ”نعم.” ومع ذلك، لم نشهد في فَنَك لافتةً واحدة تعارض التعديلات.

فقد تم إلقاء القبض على رجلٍ يحمل لافتةً يدعو فيها الناس إلى التصويت بـ”لا” في اليوم الثاني من الاستفتاء، حسب ما أفاد موقع الأخبار المحلي مدى مصر. كما تم إصدار ما لا يقل عن عشر أغنيات تحث الناس على “الخروج والتصويت،” بما في ذلك أغنية لفرقة مسار إجباري والنجمة اللبنانية نانسي عجرم. كما أصدرت حملة الاستفتاء شريط فيديو مع ممثلين وفنانين يدعون المصريين إلى المشاركة و”عمل الصح.”
.
وفي اليوم السابق لبدء الاستفتاء، تلقى العديد من مستخدمي فودافون رسالةً نصية قصيرة من الكتلة المؤيدة للسيسي في البرلمان، حزب مستقبل وطن، تحمل رسالةً مماثلة.

كما أفادت التقارير أنه تم إغلاق 34000 نطاق إنترنت في محاولةٍ لإيقاف حملةٍ على الإنترنت تعارض التعديلات.

أما ما تبقى من المعارضة، بما في ذلك سياسيون مخضرمون مثل محمد أنور السادات، وحمدين صباحي وخالد داود، فقد حاولوا توحيد صفوفهم لمواجهة التعديلات، إلا أن جهودهم هُمشت.

ومنذ الصيف الماضي، قامت الشرطة المصرية باعتقال الناشطين والمدونين والصحفيين والسياسيين المعروفين بانتقادهم للنظام، في محاولةٍ واضحة لكبح جماح المعارضة المحتملة للتعديلات في مهدها.

وتشمل التعديلات على تمديد فترة الرئاسة إلى ست سنوات، وهو ما يعني أن السيسي، الذي كان من المقرر أن تنتهي ولايته الحالية في عام 2022، يمكنه الآن البقاء في السلطة حتى عام 2024 بالإضافة إلى ست سنواتٍ أخرى إذا ما تمت إعادة انتخابه. وسيتم إعادة تعيين مجلس الشورى الذي يضم 180 عضواً، حيث سيتم تعيين ثلث الأعضاء مباشرة من قبل الرئيس.

بالإضافة إلى ذلك، مُنح الرئيس مزيداً من الصلاحيات لاختيار وتعيين القضاة والمدعي العام، فيما وصفته مجموعة من المنظمات غير الحكومية المصرية بأنه القضاء على “جميع ما بقي من استقلال القضاء.”

كما تعيد التعديلات أيضاً تحديد دور الجيش كحامي وضامنٍ للدولة والدستور والشعب. وأخيراً، سيتم إعادة تعيين نائب الرئيس وستكون هناك كوتا نسائية تبلغ 25% من مقاعد البرلمان.

وفي مقابلةٍ مع وكالة رويترز للأنباء، وصف داود التغييرات بأنها “ضربةٌ قاضية بعد كل الطموحات التي كانت لدينا بعد ثورة 2011.”