وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التعديلات الدستورية طوّر الإعداد لتكريس الحكم الإستبداي في مصر

Egypt- Egyptian parliament
رئيس البرلمان المصري علي عبد العال (يمين) يترأس جلسة عامة في البرلمان لمناقشة التعديلات الدستورية المقترحة لتمديد ولاية الرئيس من 4 إلى 6 سنوات، في العاصمة القاهرة في 14 فبراير 2019. Photo AFP

في خطوةٍ توقعها المحللون والنشطاء منذ عامٍ على الأقل، وافق البرلمان المصري، بشكلٍ مبدئي، على مسودة التعديلات على الدستور في فبراير 2019، التي تمنح الرئيس عبد الفتاح السيسي سلطاتٍ واسعة وتسمح له بالبقاء في السلطة حتى عام 2034.

ستناقش اللجنة التشريعية في البرلمان التعديلات، وربما تنقحها، قبل إجراء التصويت النهائي المتوقع في أواخر مارس أو أبريل. وبعد ذلك، ستخضع التعديلات لاستفتاءٍ من المتوقع إجراؤه قبل بداية شهر رمضان، أي في الأسبوع الأول من شهر مايو.

التعديل الأبرز هو ذلك الذي يتعلق بتحديد مدة الرئاسة، حيث سيتم رفعها من ولايتن مدة كل منهما أربع سنوات إلى ولايتين مدة كل منهما ست سنوات. وهذا من شأنه أن يسمح للسيسي بالترشح لولايتين إضافيتين بعد انتهاء ولايته الحالية في عام 2022، مما يعني بقاءه في السلطة حتى عام 2034.

من جهتهم، يرى المشرعون الذين اقترحوا التعديلات أنها ضرورية لاستقرار البلاد وللسماح للسيسي باستكمال العديد من المشاريع التنموية، مثل العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة.

وعلاوةً على ذلك، ستمنح هذه التعديلات الرئيس سلطة تعيين القضاة في المحاكم العليا في مصر واختيار المدعي العام. وقالت عدة منظمات غير حكومية معنية بحقوق الإنسان في بيانٍ إن هذه الإجراءات “ستقضي على ما تبقى من استقلال القضاء.”

وقال مسؤول قضائي رفيع المستوى للمنفذ الإخباري المحلي، مدى مصر، إن التغييرات ستجعل الدستور “دستوراً ديكتاتورياً عسكرياً.”

فقد أثبتت المحاكم أنها واحدة من الأماكن الأخيرة التي يمكن فيها تحدي سلطة السيسي بشكلٍ أو بآخر. ففي عامي 2016 و2017، تمكن المحامون من إحباط نقل مصر لملكية جزر البحر الأحمر، تيران وصنافير، إلى المملكة العربية السعودية في المحكمة الإدارية العليا لأكثر من عام.

كما ستلغي التعديلات سلطة مجلس الدولة في مراجعة العقود التي تكون فيها الدولة أو إحدى الشركات التابعة لها أحد أصحاب المصلحة. هذه المادة غريبة على وجه الخصوص في ضوء التوسع الأخير لمشاركة الجيش المصري في الاقتصاد من خلال العديد من الشركات المملوكة للجيش التي توقع عقوداً مع شركاتٍ خاصة (دولية).

تعديلٌ رئيسي آخر في الدستور يتعلق بالقوات المسلحة المصرية، إذ سيمنحها مسؤولياتٍ تتجاوز مجرد حماية حدود البلاد والحفاظ على الأمن. وفي حال تمت الموافقة على التعديلات، سيشمل دور الجيش “الحفاظ على الديمقراطية والدستور، وحماية المبادىء الأساسية للدولة وطبيعتها المدنية، وحماية حقوق الأفراد والحريات الفردية.”

ويخشى المعلقون من أن هذا سيسمح للجيش بالتدخل في الشؤون السياسية، إلى حد إلغاء نتائج الانتخابات.

وعليه، ستضفي المواد المعدلة المتعلقة بالجيش طابعاً دستورياً على ما يحصل في البلاد منذ أن أطاح الجيش بالرئيس الإسلامي محمد مرسي في يوليو 2013. فقد ازداد الدور السياسي للجيش منذ ذلك الحين، وذلك في المقام الأول بانتخاب اللواء السيسي، رئيساً للبلاد. بالإضافة إلى ذلك، تم تعيين العديد من كبار القادة العسكريين أو المتقاعدين كوزراء أو محافظين على مدى السنوات الماضية، ويبدو أن الإنفاق العسكري قد ازداد بشكلٍ ملحوظ.

وعلاوةً على ذلك، أقر البرلمان قانوناً جديداً في يوليو 2018 يمكن بموجبه للرئيس أن يحمي الضباط العسكريين من المقاضاة على جرائم ارتكبت في الفترة بين يوليو 2013 ويناير 2016. يحمي القانون فعلياً القادة المسؤولين عن حملة القمع العنيفة على الإخوان المسلمين في هذه الفترة، على سبيل المثال، فض اعتصام رابعة في أغسطس 2013، الذي أدى إلى مقتل ما يقرب من 1000 شخص، دون مساءلة.

وعلاوة على ذلك، باتت شركات الجيش، الواقعة تحت مظلة وزارة الدفاع أو وزارة الإنتاج العسكري، تشارك بشكلٍ متزايد في الأنشطة الاقتصادية. فقد قال أحد المصادر في مجال الطاقة لفَنَك بأنه، بشكلٍ أساسي، ينبغي أن يمر كل مشروع جديد تطوره شركاتٌ أجنبية في مصر عبر الجيش. كما مُنحت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة أدواراً رائدة في مشاريع البنية التحتية الضخمة، مثل توسيع قناة السويس وبناء العاصمة الجديدة.

التعديل الأخير في الدستور هو إعادة مجلس الشورى، الذي يعتبر الغرفة العليا للحكومة. وعليه، يعيّن الرئيس ثلث مجلس الشورى بشكلٍ مباشر.

وبالفعل، بدأت القوى الموالية للحكومة في حشد الدعم لهذه التعديلات. وتقول حملة تقودها آلاف المنظمات غير الحكومية إنها تهدف إلى زيادة الوعي بين الناس حول “ضرورة التعديلات الدستورية” لاستقرار مصر وبناء دولةٍ حديثة.

بينما تحاول ما تبقى من المعارضة التعبئة ضد هذه التعديلات. فقد أعلن المرشح الرئاسي السابق والسياسي المخضرم حمدين صباحي في مطلع فبراير إنشاء ائتلافٍ من 11 حزباً سياسياً وعددٍ من الشخصيات السياسية والنواب.

وقال خالد داوود، الرئيس السابق لحزب الدستور، لوكالة أسوشييتد برس: “سنطعن بالتعديلات المقترحة أمام المحكمة الدستورية العليا في البلاد.”

وقال أحد المحامين المعارضين للتعديلات لفَنَك شريطة عدم الكشف عن هويته، إنه لا يتوقع أن يكون هذا الائتلاف قادراً على إيقاف التعديلات، بيد أن ذلك ذو أهمية لمواصلة الضغط على النظام. ويعتقد أن الكثير من الناس قد يصوتون بـ”لا” في الاستفتاء، مما سيجبر النظام على التلاعب بالنتيجة.

وقال، “سيدرك الناس ذلك، مما سيشعل الإستياء الذي قد يتراكم ويجدد الاحتجاجات، كما كانت الإنتخابات البرلمانية المزورة عام 2010 ذريعةً لثورة 25 يناير.”

بالكاد يستطيع أي شخص التعبير عن سخطه تجاه قيادة البلاد بشكلٍ علني، ومع ذلك يبدو أن الشارع يغلي خلف الكواليس. فبعد حادث تحطم القطار في القاهرة في 27 فبراير والذي أسفر عن مقتل 22 شخصاً، كان وسم (هاشتاغ) “راجعين التحرير” الأكثر تداولاً على تويتر.

وفي محاولةٍ واضحة لإسكات المعارضة المحتملة على التعديلات الدستورية، ألقت مصر القبض على العشرات من الشخصيات السياسية البارزة والنشطاء خلال الأشهر الماضية. فقد ألقي القبض على أربعة من أعضاء حزب الدستور في أواخر فبراير، عبر اثنان منهم عن معارضتهم للتعديلات الدستورية على وسائل التواصل الاجتماعي.

في نهاية المطاف، يبدو أن الدولة عازمة على المضي قدماً بالتعديلات وضمان عدم قدرة المعارضة على التحرك ضدها.