أعيد انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني لولايةٍ ثانية في 19 مايو 2017، حيث حصل على 23,5 مليون صوت من أصل 41 مليون صوت في انتخاباتٍ بلغت نسبة المشاركة فيها 73,07%. وفي الانتخابات الرئاسية السابقة في عام 2013، بلغت نسبة المشاركة 72,71%، وحصل روحاني على 18,6 مليون صوت. وعلى الرغم من فوز روحاني في عامي 2013 و2017 بأغلبيةٍ ساحقة، إلا أن نصيبه من الأصوات في هذه المرة كان أعلى بكثير.
وحصل منافسه الأقرب، المتشدد ابراهيم رئيسي، على 15,7 مليون صوت. واجتذب المرشحان الآخران، مصطفی هاشمي طبا ومصطفى مير سالم، مجتمعين، أقل من 800 ألف صوت. وقبل بضعة أيامٍ من الانتخابات، انسحب مرشحين بارزين من السباق الانتخابي. كما انسحب الإصلاحي إشاغ جاهنجيري لصالح روحاني، بينما انسحب رئيس بلدية طهران المحافظ، محمد باقر غالباف، مؤيدياً رئيسي.
وقبل عدة أشهرٍ من الانتخابات، أشار الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد إلى رغبته في الترشح مرة أخرى، غير أن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي نصحه علناً بتجنب العملية الانتخابية. وعلى الرغم من هذه النصيحة، سجل أحمدي نجاد ونائبه السابق، حامد بقايي، لخوض الإنتخابات. وليس من المستغرب أن مجلس الوصاية الإيراني، الذي يتمتع بسلطاتٍ دستورية هائلة، استبعد كلا الرجلين. ومع ذلك، لم يكونا المرشحان الوحيدان غير المؤهلين. ففي الفترة ما بين 11-15 أبريل، بلغ عدد الأشخاص المسجلين في الانتخابات الرئاسية 1,636 فرداً، وهو ما يمثل زيادة كبيرة مقارنة بـ686 مرشحاً في الانتخابات السابقة. كان من بينهم 137 امرأة، تحدينّ القيود الدستورية من خلال وضع أسمائهنّ على القوائم. وفي 20 أبريل، تم الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين، ولم يتخطى سوى ستة مرشحين عملية التدقيق الصارمة لمجلس صيانة الدستور.
ومنذ البداية، كان من الواضح أن روحاني سيترشح لإعادة انتخابه. ومع ذلك، حامت شكوكٌ حول المخيم المحافظ واختيارهم للمرشحين. وفي 6 أبريل 2017، أعلن رئيسي، رأس منظمة آستان قدس رضوي، ترشحه الرسمي للانتخابات. آستان قدس رضوي هي مؤسسة خيرية قوية تدير ضريح الإمام رضا، الإمام الثامن في الإسلام الشيعي، وتعتبر المؤسسة واحدة من أغنى المؤسسات في الشرق الأوسط، وتولد مليارات الدولارات سنوياً.
وعلى الرغم من أن رئيسي كان قد تقلد العديد من المناصب الهامة في النظام القضائي الإيراني، إلا أنه لم يكن معروفاً عملياً حتى عينه المرشد الأعلى رئيساً لأهم مؤسسة دينية في البلاد في مارس 2016، حيث سرت الشائعات حول مستقبله السياسي منذ ذلك الحين. ويعتقد الكثيرون أنه كان يتم إعداده ليخلف علي خامنئي. وبعد الإعلان عن ترشح رئيسي لمنصب الرئيس، أصبح من الواضح أنه سيكون المرشح الرئيسي للأجهزة المحافظة الإيرانية. فهو شخصية مثيرة للجدل، ليس فقط بسبب وجهات نظره المتشددة، بل أيضاً لتورطه في مذبحة السجناء السياسيين في عام 1988، وهي واحدة من أحلك الأحداث في تاريخ إيران.
وعلى الرغم من أن المرشد الأعلى لم يؤيده رسمياً، إلا أنه كان هناك اعتقادٌ واسع النطاق بأن رئيسي كان المرشح المفضل له. ومنذ انتخاب محمد خاتمي في عام 1997، ظهر نمطٌ محدد في الانتخابات الرئاسية الإيرانية. يتعلق ذلك في المقام الأول بالطرق التي يتفاعل بها الناخبون مع المرشحين الذين يفضلهم المرشد الأعلى. وباستثناء انتخابات عام 2005، عندما انتخب أحمدي نجاد بدعمٍ من المرشد الأعلى وكان الإقبال على المشاركة أقل، ففي كل مرة يفضل فيه المرشد الأعلى مرشحاً رئاسياً، يحتشد المجتمع المدني ضده.
وقد أثبتت الانتخابات الأخيرة أنها واحدة من الأكثر استقطاباً في تاريخ البلاد. وعلى الرغم من أن روحاني لا يُعرف على نحوٍ تقليدي بالسياسي “الإصلاحي،” إلا أنه قدم بياناً انتخابياً، وعد فيه بالاعتدال وتمكين المجتمع المدني والانتعاش الاقتصادي، الذي كان إصلاحياً بكل ما للكلمة من معنى. وكما كان متوقعاً، أيده الإصلاحيون وأيده السياسيون الإصلاحيون الرئيسيون، بمن فيهم محمد خاتمي، مما أعطاه دفعة كبيرة.
بينما ركز رئيسي في المقام الأول على القضايا الاقتصادية، وربط سياساته بـ”اقتصاد المقاومة،” وهو المفهوم الذي صاغه المرشد الأعلى. وظف رئيسي كل تكتيك ممكن للفوز في المناطق الحضرية الفقيرة والمجتمعات الريفية، معطياً وعود، مثل زيادة الإعانات ،التي وصفها روحاني بأنها غير واقعية.
وبدراسة نتائج الإنتخابات حسب المجموعات الفرعية الديموغرافية، فمن الواضح أن رئيسي فشل في جذب ناخبيه المستهدفين. وكما كان متوقعاً، نجح روحاني في الظفر بأصوات الشباب. ففي الواقع، صوت ما نسبته 70,3% من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و45 عاماً لصالحه. ولا بد من الإشارة إلى أن 77,6% من الناخبين الذين يبلغون من العمر 45 عاماً أو أكثر صوتوا أيضاً لصالح روحاني على مدى العقدين الماضيين، إذ كان هناك افتراضات بأن المرشحين المعتدلين والإصلاحيين يجذبون في المقام الأول الناخبين المتعلمين. وفي هذه الانتخابات، صوت 78,2% من الأشخاص ذوي التعليم العالي لصالح روحاني، ولكن 69,3% ممن حصلوا على تعليم ثانوي أو أقل صوتوا له أيضاً.
كما شكل أيضاً شطريّ الحضر- الريف مفاجأةً أيضاً. فقد كان الافتراض أن المجتمعات الريفية أكثر تحفظاً، وبالتالي ستصوت بطبيعة الحال للمرشحين المحافظين. وعلى الرغم من أن 73,3% من سكان الحضر قد صوتوا لصالح روحاني، فقد تمكن من اجتذاب 67,3% من الأصوات في المناطق الريفية أيضاً – والتي تعتبر نسبةً كبيرة. وعلاوةً على ذلك، تحدت الانتخابات الازدواجية الاقتصادية والاجتماعية، فقد صوت نحو 78,9% من الأشخاص الذين يعتبرون من ذوي الدخل المنخفض لصالح روحاني، وهي نسبة أعلى بكثير من نسبة 72,2% من الناخبين ذوي الدخل المرتفع الذين صوتوا لصالحه. وبناءً على هذه النتائج، يبدو أن الافتراضات التي كانت منطقية حتى عقدٍ مضى لم تعد صالحةً اليوم.
ومن الواضح أن روحاني تمكن بالفعل من تعبئة مختلف الفئات المجتمعية، مما مهد الطريق لانتصاره الساحق. ولكن هل يمكنه حقاً تنفيذ بيانه الانتخابي؟ من المرجح، تماماً كما كان الحال عليه في عصر الإصلاح في عهد الرئيس خاتمي، أن تتحدى الأجهزة غير المنتخبة في الجمهورية الإسلامية الحكومة. فالمرشد الأعلى هو الشخص الأقوى في النظام السياسي الإيراني، كما أن العديد من المؤسسات القوية مثل القضاء، والحرس الثوري الإيراني، وميليشيات الباسيج، والجهاز الأمني الأوسع، تقع تحت قيادته.
فإيران تمتلك حكومةً ديمقراطية ضمن نظامها غير الديمقراطي. فالفصائل غير المنتخبة في الدولة العميقة تمارس نفوذاً كبيراً. وعلى الرغم مما ذكر، تعتبر الشخصية ذات ثقلٍ كبير في النظام السياسي الإيراني. فقد قضى روحاني جزءاً كبيراً من حياته المهنية في القطاع الأمني للنظام ولا يخاف من المواجهة. وفي فترة ولايته الأولى كرئيس، أثبت أنه أكثر جرأة من خاتمي، حيث وقف في وجه كلٍ من المرشد الأعلى والحرس الثوري الإيراني في عددٍ من القضايا. وعلى الرغم من شعبيته وولايته التاريخية، إلا أن خاتمي كان متردداً في مواجهة الدولة العميقة والقطاعات غير المنتخبة من النظام مما جعل من الصعب على الحكومة تسيير أعمالها اليومية.
ويعتقد بعض المراقبين أن روحاني سيستخدم دعمه الانتخابي واسع النطاق للدفع باتجاه توازنٍ جديد للسلطة. ويمكنه أيضاً الإتكال على كلٍ من الدعم التشريعي والتنفيذي في البرلمان. ومع ذلك، سيكون من الصعب عليه تحدي هياكل السلطة بطريقةٍ جوهرية. فبعد أقل من أسبوع من الانتخابات، اشتبك بالفعل مع المرشد الأعلى وغيره من الهيئات غير المنتخبة. فعلى سبيل المثال، وعد بتحسين العلاقات مع جيران إيران، سيما أعضاء مجلس التعاون الخليجي. ولكن حتى عندما كان يتحدث عن الحوار والتفاهم، صرّح المرشد الأعلى أن السعوديين هم “الأبقار التي يتم حلبها” من قبل الولايات المتحدة، مما يقوض علناً سلطة الرئيس.
ولن تكون السياسة الخارجية مجال الخلاف الوحيد؛ إذ أن هناك العديد من الخلافات حول القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية. وعليه، فمن المحتمل أن نشهد خلال السنوات الأربع المقبلة صراعاً جديداً على السلطة بين مختلف الفصائل الإيرانية. ستؤثر نتيجةً هذا الصراع على السلطة، الذي اكتسب زخماً جديداً منذ الانتخابات، على المشهد الاجتماعي – السياسي للجمهورية الإسلامية لسنواتٍ مقبلة.