يتعاون السودان اليوم، وهو بلدٌ طالته انتقاداتٌ شديدة قبل بضع سنوات لمواصلته عملية التطهير العرقي، مع الاتحاد الأوروبي للقضاء على الهجرة. فالرئيس السوداني عمر البشير مطلوبٌ من قبل المحكمة الجنائية الدولية لإبادةٍ جماعية ارتكبت في دارفور، ولكن ذلك لم يمنع الاتحاد الأوروبي من إعطاء حكومته أكثر من 215 مليون دولار لحراسة حدوده.
فقد مهدت عملية الخرطوم، التي أطلقت في عام 2014 لبدء حوارٍ بين الاتحاد الأوروبي ودول القرن الأفريقي وتفكيك شبكات التهريب والإتجار بالبشر في المنطقة، الطريق لإقامة رابطةٍ أقوى بين الكتلة الأوروبية والسودان.
كما أنشأ الاتحاد الأوروبي الصندوق الاستئماني للطوارىء لأفريقيا في العام التالي، الذي يضمن أكثر من 400 مليون دولار لعملية الخرطوم “للتصدي لتحديات الهجرة غير النظامية والتشرد والمساهمة في تحسين إدارة الهجرة.” ومع ذلك، ووفقاً لتقرير منظمة أوكسفام، لم تخصص سوى 3% من هذه الأموال للقنوات القانونية للمهاجرين للوصول إلى أوروبا. ويدعم جزءٌ كبيرٌ من الصندوق إنفاذ القانون في القرن الأفريقي، مما يثير المخاوف بين جماعات حقوق الإنسان من إمكانية إساءة معاملة المهاجرين والإفلات من العقاب.
بل إن أكثر ما يُثير المخاوف هو قوات الدعم السريع، التي كلفها البشير بحراسة الحدود السودانية. فقبل خمسة عشر عاماً، كانت الحكومة ترعى الوحدة – المعروفة آنذاك باسم الجنجويد – بمعنى “الشياطين على ظهور الخيل”- لقيادة حملة إبادةٍ جماعية ضد القبائل في المقاطعة الغربية في دارفور.
فقد قتل أكثر من 300 ألف شخص ولا يزال الملايين مشردين بسبب عمليات الإعدام بإجراءاتٍ موجزة والحرق المنهجي للقرى، وذلك وفقاً لما أوردته تقارير دامغة لهيومن رايتس ووتش.
كما زعم أن قوات الدعم السريع ترهب المدنيين في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان. وفي شمال السودان، يستخدمون الأسلحة المخصصة للحرب لمنع المهاجرين من عبور الصحراء في طريقهم إلى أوروبا. فالقذائف الصاروخية (آر بي جي) والصواريخ المضادة للطائرات والمدافع الرشاشة، جميعها جزءٌ من ترسانة قوات الدعم السريع.
وقال محمد حمدان، رئيس قوات الدعم السريع، في لقاءٍ له مع قناة الجزيرة في نوفمبر 2017: “بمجرد أن تعاملنا مع التمرد في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، انتقلنا فوراً إلى الصحراء الكبرى، وبخاصة بعد توجيهات رئيس الجمهورية لمكافحة الهجرة غير المشروعة.”
فقد كشف تحقيق أجراه Refugees Deeply ، وهي منصة إخبارية مخصصة لتغطية قضايا اللاجئين في جميع أنحاء العالم، أن فروع أمنية متعددة متورطة بشكلٍ مباشر في تهريب المهاجرين والاتجار بهم في شمال السودان.
وقال برام فروس، الباحث السابق من الأمانة الإقليمية للهجرة المختلطة، وهي مجموعة غير حزبية ترصد القضايا المتعلقة بالمهاجرين في المنطقة، لـ Refugees Deeplyإنه من المستحيل أن يعبر أي شخصٍ الحدود السودانية دون مساعدة السلطات كضباط الشرطة وحرس الحدود. فقد أخبر المهاجرون واللاجئون الباحثين في الأمانة الإقليمية للهجرة المختلطة أن المسؤولين الحكوميين يتآمرون مع المهربين والمتاجرين بالبشر بشكلٍ يومي.
بل الأسوأ من ذلك هو قيام الشرطة غالباً بجمع مئات اللاجئين والمهاجرين من أحياء العاصمة الخرطوم وتقديمهم للمحاكمة. بعدها، توجه لأولئك الذين يتم اعتقالهم تهمة دخول البلاد بطرقٍ غير مشروعة ويجبرون على دفع ما يعادل 360 دولاراً، في حين يتم ترحيل أولئك غير القادرين على الدفع قسراً.
وقال خالد، وهو محامٍ حقوقي في الخرطوم، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) إن النظام القضائي فاسدٌ تماماً كحال الشرطة. وأضاف خالد لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، “في العديد من الحالات، يتم إطلاق سراح المتاجرين بالبشر [الذين يتم جلبهم إلى المحكمة] لأن ضباط الشرطة يشهدون لصالحهم.” وتابع قوله “هناك محاكمات يتم فيها اعتقال 250 لاجئاً، ويتم تغريم كل واحدٍ منهم. يحدث ذلك بسرعة كبيرة – عملية الاعتقال، والمحاكمة والإدانة، كما أن القاضي وقوات الشرطة مسؤولون عن الحصول على جزءٍ من المال. هؤلاء القضاة هم نفسهم الذين دربتهم السفارة البريطانية.”
وفي خضم هذا الفساد، لا تزال قوات الدعم السريع تتعقب المهربين، بصرف النظر عن الصفقات التي أبرموها مع المسؤولين الحكوميين أو ضباط الشرطة. ففي سبتمبر 2017، ادعت الوحدة أنها قتلت 28 مهرباً في اشتباكاتٍ على طول الحدود مع ليبيا. ولا أحد يعرف بالضبط عدد المهاجرين الذين لقوا مصرعهم في القتال لأن قوات الدعم السريع ترفض الكشف عن أعداد المهاجرين الذين تقتلهم.
وعليه، يتعرض الاتحاد الأوروبي لإدانةٍ واسعة النطاق في ظل الافتقار إلى الشفافية وتزايد عدد القتلى. وقال عبد المنعم أبو إدريس، المحلل السياسي السوداني لقناة الجزيرة، إن على الاتحاد الاوروبي أن يعترف باعتماده على قوةٍ قتالية مثيرة للجدل لوقف الهجرة من السودان. وينفي الاتحاد الأوروبي تمويل قوات الدعم السريع، مدعياً أن جميع الأموال تذهب إلى منظماتٍ شريكة في مجال الإغاثة، في حين كانت رواية قوات الدعم السريع مناقضةً لذلك.
فقد قال محمد حمدان، رئيس قوات الدعم السريع “يخسر الإتحاد الأوروبي الملايين بمحاربة الهجرة، لهذا السبب يتوجب عليهم دعمنا.” وأضاف “رافقنا بعض الممثلين إلى الصحراء لمشاهدة عملياتنا وعرضوا علينا التدريب.”
ويبدو أن الاتحاد الأوروبي قام بتمويل خدمات الأمن القمعية في السودان بشكلٍ غير مباشر. فقد اعترفت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي تتلقى جزءاً كبيراً من الأموال من الاتحاد الأوروبي لمكافحة المهربين والمتاجرين بالبشر، بتوفير دراجاتٍ نارية لجهاز الأمن الوطني السوداني. ومن المعروف أن جهاز الأمن الوطني السوداني يطارد المشتبه بهم من السودانيين السياسيين داخل وخارج البلاد.
كما ذكرت كبيرة الباحثين بقسم افريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش ، جيهان هنري، قضية رئيسية أخرى، ألا وهي أن قوات الدعم السريع وفروع قوات الأمن الوطني السوداني على حد سواء لا يفرق أي منهم بين ضحايا التهريب والإتجار بالبشر. وأشارت أيضاً إلى أن هذا الخلط أبقى السودان في المستوى الثالث، وهو أدنى ترتيب تعطيه الولايات المتحدة للحكومات في جميع أنحاء العالم عند إجراء تقييمها السنوي حول مكافحة الاتجار بالبشر.
وقالت هنري أن هذا لا يكفي لينأى الاتحاد الأوروبي بنفسه عن قوات الدعم السريع إذا ما وصلت الحكومة السودانية انتهاك القانون الدولي بإعادة المهاجرين إلى بلدان يتعرضون فيها للاضطهاد. وفي عام 2016، قام السودان بترحيل 300 لاجىء، فر العديد منهم من التجنيد العسكري والقمع في إريتريا. كما شددت أيضاً أنه على الاتحاد الاوروبي ضمان عدم تشجيعه حكومةً تسجن وتعذب معارضيها.
وفي تقريرٍ صادرٍ على منظمة هيومن رايتس ووتش في نوفمبر 2017، كتبت هنري ” إذا ما كان الاتحاد الأوروبي يرغب في دعم أهداف عملية الخرطوم، فإنه يحتاج إلى الانخراط في مهمةٍ صعبة تتمثل في الضغط على السودان لتحسين احترام حقوق الإنسان، ليس للاجئين فحسب، بل على نطاقٍ أوسع.”