وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

خمس توصيات أساسية من تقرير ستورا وسبب أهميتها

بنيامين ستورا و إيمانويل ماكرون
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يقف لالتقاط صورة مع المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا بعد تسلّمه تقريراً عن الاستعمار الفرنسي والحرب الجزائرية في قصر الإليزيه في باريس في 20 يناير 2021. Photo: Christian Hartmann/Pool/AFP

صوفيا أكرم

قدم المؤرخ بنيامين ستورا يوم الأربعاء 20 يناير2021 تقريره المؤلف من 160 صفحة إلى قصر الإليزيه حول سبل المضي قدماً والتعافي من الاعتداءات الفرنسية السابقة بعد أكثر من مئة عام على الاستعمار والحرب الوحشية التي استمرت سبع سنواتٍ وانتهت باستقلال الجزائر عن فرنسا.

كتب الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي كلّف ستورا في عام 2018، خطاباً يطلب فيه مساعدته لإرسال رسالة واضحة بشأن تجديد العلاقات مع الجزائر، التي تبرز أهميتها بالنسبة لفرنسا من خلال حدودها على البحر الأبيض المتوسط والصحراء الكبرى، والتي قال إنها ستساعد في تسوية مشاكل الهجرة والإرهاب.

وجاء في بيانٍ صادر عن الرئاسة يوم الأربعاء “يريد الرئيس أن تسمح هذه المبادرات لبلدنا بإلقاء نظرةٍ على جراح الماضي وبناء مصالحة بين الذكريات مع مرور الوقت.”

يعدّ التقرير واحداً من العديد من الجهود التي بذلها ماكرون للاعتراف بدور فرنسا في معاناة الجزائر، مما جعله أكثر تقدمية من القادة الفرنسيين السابقين.

ففي عام 2017، خلال زيارةٍ إلى الجزائر، وصف ماكرون الاستعمار بأنه “جريمة ضد الإنسانية” واعترف فيما بعد بالاستخدام الممنهج للتعذيب في الحرب الجزائرية 1957-1962، حيث تضمن هذا الاعتراف بمقتل موريس أودان، الناشط الفرنسي المناهض للاستعمار الذي اختفى وعذب وقتل، وهو ما قال إنه تم تمكينه من خلال “نظامٍ قانوني.”

ومع ذلك، فإن الزعيم البالغ من العمر 43 عاماً لم يعتذر عن الاستعمار ولم يذكر ذلك في التقرير، الأمر الذي قد يكون خطوة سياسية لموازنة مشاعر متعارضة في الفترة التي تلقى فيها ماكرون اللوم من اليمين واليمين المتطرف بسبب إيماءاته الاعتذارية.

إن ما فعله ماكرون هو تكليف ستورا بمسؤولية لجنة “الذكريات والحقيقة” للإشراف على المصالحة التي تتخذ شكل إحياءٍ للذكرى.

وعليه، عرض ستورا تشكيل اللجنة من لاعبين مختلفين “منخرطين في الحوار الفرنسي -الجزائري،” مثل فضيلة الخطابي من الجمعية الوطنية الفرنسية، وكريم أملال، مندوب الوزارات لمنطقة المتوسط وأطباء وباحثين ورجال أعمال وأعضاء جمعيات.

فيما يلي بعض توصيات ستورا التي يمكن سنّها.

إحياء الذكرى

بالفعل، حددت فرنسا يوم 19 مارس يوماً لإحياء ذكرى ضحايا الحرب الجزائرية 1954-1962 إبان رئاسة الرئيس فرانسوا هولاند، على الرغم من أنها كانت بمثابة لفتة دبلوماسية لحشد الدعم لعملية في مالي.

وتشمل أيام إحياء الذكرى الأخرى يوم 25 سبتمبر لإحياء ذكرى الحركيين الجزائريين الذين قاتلوا إلى الجانب الفرنسي، و17 أكتوبر- ذكرى قمع العمال الجزائريين في فرنسا. كما يُقترح أن يكون الجزائريون أكثر ارتباطًا بهذه الاحتفالات وأن تتم دعوة الجمعيات أو المجموعات التذكارية للحضور. فقد جاء التاريخ الأصلي ليوم 19 مارس بعد الكثير من المداولات بعد اتفاقيات إيفيان التي شهدت نهاية الحرب الوحشية، وبالرغم من كونها خطوة تحمل في طياتها نوعاً من الرمزية، إلا أنها تعتبر خطوةً نحو المصالحة.

كما يمكن أن تشمل إجراءات الاعتراف الأخرى نصب تمثالٍ للأمير عبد القادر، الذي قاتل ضد الغزو الفرنسي للجزائر، والاعتراف باغتيال المحامي علي بومنجل، أحد الشخصيات البارزة في القومية الجزائرية، الذي قُتل خلال معركة الجزائر عام 1957.

التجارب النووية والألغام

أجرت فرنسا 17 تجربة نووية في الجزائر في الستينيات في مواقع لا يقل عدد سكانها عن 20 ألف نسمة، إذ كان هناك بعض الملاحظات بحدوث زيادة طفيفة في المشكلات الطبية بعد الانفجار. خلال الحرب، قامت فرنسا أيضاً بزرع الألغام على الحدود، بيد أنه لم يتم إزالتها بالكامل بعد. وتشمل التوصيات التحقيق في عواقب التجارب النووية ومواصلة إزالة الألغام على الحدود. فقد تم زرع حوالي تسعة ملايين لغم خلال الحرب، مما أسفر عن سقوط 7300 ضحية، يحتاج الكثيرون منهم إلى رعاية صحية واجتماعية مستمرة.

تعدّ التجارب النووية وزراعة الألغام الأرضية مثالاً ملموساً على الإرث الدائم للحرب.

الحركيون

كان الحركيون متطوعين مسلمين جزائريين خدموا كمعاونين للفرنسيين في الحرب الجزائرية، وهو الأمر الذي فعله الكثير منهم تحت ضغط الصعوبات الاقتصادية. منحت فرنسا أعلى وسام مدني، الذي يُعرف باسم وسام جوقة الشرف، لمقاتلي الحركي المخضرمين، لكن كان يُعتقد أن هذا غير كافٍ بالنظر إلى محنتهم، فقد تم التخلي عن الآلاف من هؤلاء المقاتلين بعد الحرب واتهمهم القوميون الجزائريون بالخيانة – وذبح العديد منهم. انتهى المطاف بحوالي 82000 في فرنسا بيد أن الشعب الفرنسي لم يقابلهم بترحاب، وعاشوا في ظروفٍ صعبة. لم يُمنح يوم تكريم سنوي للحركيين سوى منذ عام 2001، أي بعد 40 عاماً تقريباً من استقلال الجزائر.

التوصية الواردة في التقرير هي المساعدة في تسهيل حركة الحركيين السابقين بين فرنسا والجزائر حيث أعربت بعض الأجيال الأكبر سناً عن رغبتها في العودة.

الأرشيف

هناك توصية أخرى قدمها ستورا وهي إنشاء مجموعة عمل مشتركة حول الأرشيف، والتي تم إنشاؤها بعد زيارة هولاند عام 2012، والتي توقفت عن الاجتماع اعتباراً من عام 2016. يقول ستورا إن مجموعة العمل المعنية بالأرشيف يجب أن تقيِّم مخزون الأرشيفات التي أخذتها فرنسا والتي تركتها فرنسا في الجزائر، مما يسمح للجزائر باستعادة هذه السجلات التاريخية بالتشاور مع باحثين فرنسيين وجزائريين؛ كما تم اقتراح إنشاء مورد أرشيف مشترك متاح لكلا البلدين. يمكن أن يكون تأثير هذا المسعى بعيد المدى، ويؤثر على السياسة والدبلوماسية بالإضافة إلى الكشف عن المعلومات التقنية في شكل خرائط. من بعض النواحي، فإن استعادة المحفوظات تتعلق بمسألة الاحتفاظ بالتراث وإلقاء الضوء على الحكم قبل فترة الحكم الفرنسي.

المفقودون

في حين أن هناك قصصاً لجزائريين اختفوا من الحرب الأهلية في التسعينيات، إلا أن هناك أيضاً إرث من المفقودين فيما يتعلق بنزاع 1957-1962. تُقدر أعداد هؤلاء المختفين بالآلاف، إذ تم تشكيل مجموعة عمل من اتفاقية 2012 بين هولاند والحكومة الجزائرية للعثور على قبور المفقودين – الجزائريين والفرنسيين- خلال تلك الحرب. يوصي ستورا بإحراز تقدمٍ في هذا العمل، الذي يعدّ جزءاً مهماً من البحث عن الحقيقة والمصالحة. يعتقد بعض الباحثين أنه لربما هناك ناجون.

يقول البعض أيضاً إنه من المهم للأوروبيين أن يدركوا أن الفرنسيين ارتكبوا فظائع مرتبطة بأنظمة “غريبة،” وأن هذا لم يحدث في الماضي البعيد.

وتشمل التوصيات الأخرى التي يمكن أن يتقدم بها ستورا في إطار اللجنة جمع شهادات الشهود؛ ودراسة رفات المقاتلين؛ وتشكيل لجنة معنية بالاختطاف والاغتيال؛ والحفاظ على المقابر اليهودية والأوروبية في الجزائر؛ ودمج شخصيات جزائرية بارزة في تسمية الشوارع في فرنسا؛ وتسهيل تأشيرات البحث؛ والقيام بأعمال النشر والترجمة المتعلقة بتلك الفترة، ودمج الاستعمار في المناهج المدرسية. تتضمن التوصيات الأخرى أيضاً زيادة الإفصاح عن أضرار فرنسا على مستعمرتها السابقة.

وفي هذا الصدد، قال ستورا عن التقرير: “إذا رفعت كل هذه الأغطية الواحد تلو الآخر، سينتهي بك الأمر إلى نظرة عامة حقيقية لتاريخ الاستعمار.”

وفي حين لقي التقرير استقبالاً جيداً بشكلٍ عام، إلا أن حذف اعتذارٍ رسمي طغى على ردود الفعل، إذ قالت الأكاديمية القانونية الفرنسية الباحثة في حقوق الإنسان والحريات المدنية في فرنسا وأوروبا وأمريكا الشمالية، ريم سارة علوان: “حسناً، لم يدم شهر العسل طويلاً. كيف يمكن للمرء أن يتوقع المصالحة عندما لا تبدأ باعتذارٍ عن الجرائم التي ارتكبتها دولتك لسنوات؟”.

علاوةً على ذلك، أفادت وكالة الأنباء الفرنسية عن استياء في أوساط الجالية الجزائرية في فرنسا، إذ قال الطالب الجامعي هشام لحويج [26 عاماً]: “على فرنسا الاعتراف بجرائمها وعمليات القتل والتعذيب والتهجير القسري للشعب الجزائري.” وأضاف “كان الاستعمار الفرنسي من بين الأسوأ.”

من جهته قال العامل نور الدين عبدي إن “فرنسا لن تعتذر ونحن نعلم السبب، لأنها تتخوف من دفع تعويضات مالية كبيرة.”

أما الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، فقد سبق وقال “تلّقينا بالفعل نصف اعتذار. الخطوة التالية مطلوبة… نحن ننتظرها.”