عمدت السلطات الجزائرية إلى الحدّ من الهجرة في الأشهر الأخيرة، حيث وصلت أعداد المغادرين من ساحل البلاد مستوياتٍ مرتفعة جديدة. وفي الفترة ما بين 16 و18 نوفمبر، أنقذت السلطات الإسبانية 519 شخصاً ممن كانوا على متن عشرات القوارب الصغيرة بعد عبورهم البحر الأبيض المتوسط، على ما يبدو من الجزائر، وفقاً لما ذكره فرانسيسكو برنابي مندوب الحكومة الإسبانية في إقليم مورسيا. ووصف برنابي هؤلاء الوافدين الجدد “بالهجوم المنسق وغير المقبول” على حدود اسبانيا.
فقد شهدت أعداد المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا عبر طريق غرب البحر الأبيض المتوسط، الذي يشمل انطلاق القوارب من المغرب وغرب الجزائر، ارتفاعاً حاداً في عام 2017. وفي حين حدث انخفاضٌ كبير في أعداد لمهاجرين إلى أوروبا من الطرق الشرقية والوسطى للبحر الأبيض المتوسط منذ أوائل عام 2017، ازدادت أعداد الذين نجحوا في العبور عبر غرب البحر الأبيض المتوسط بأكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة بعام 2016، ومن المتوقع أن تزداد أعدادهم أكثر من ذلك حتى نهاية العام.
واعتباراً من 20 نوفمبر، وصل 18,818 مهاجراً إلى اسبانيا عبر طريق غرب المتوسط هذا العام، مقارنةً بـ5,445 مهاجراً بحلول 30 سبتمبر 2016، وفقاً لآخر الأرقام التي قدمتها المنظمة الدولية للهجرة. وفي الوقت نفسه، انخفضت أعداد الواصلين إلى إيطاليا واليونان من 339,754 عام 2016 إلى 140,220 في عام 2017.
الجزائر تعزز من مراقبة الحدود وخطاب كراهية الأجانب
في العقد الماضي، كانت الجزائر، في المقام الأول، بلد عبورٍ للمهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى المتجهين إلى المغرب في الغرب أو إلى تونس وليبيا في الشرق؛ التي تعتبر دول الإنطلاق الرئيسية للمهاجرين واللاجئين المتجهين إلى أوروبا من شمال افريقيا. وبسبب تشديد الرقابة على الحدود وزيادة الرقابة في مناطقها الحدودية، إلى جانب حملة الاتحاد الأوروبي الرامية للحد من الهجرة غير النظامية في البحر المتوسط، ازدادت، بشكلٍ كبير، أعداد المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى الذين تقطعت بهم السبل في الجزائر.
عملت الجزائر على تعزيز أمن حدودها منذ فترة، بدءاً من بناء سياجٍ إلكتروني على طول حدودها مع مالي في عام 2012، كما تستمر عمليات العسكرة على حدودها مع المغرب وليبيا منذ عام 2012. وتجدر الاشارة الى ان الحدود الجزائرية المغربية، التى تم اغلاقها رسمياً منذ الهجوم الارهابي الذي وقع فى مدينة مراكش المغربية فى عام 1994، والذي كان مرتبطاً بالحرب الاهلية الجزائرية، مزودة بالعشرات من المراكز الحدودية المنشأة حديثاً التى تديرها وحدة أمن الحدود العسكرية، وبسياجٍ من الأسلاك الشائكة وخندق عميق معبأ جزئياً بالماء.
كما كثفت الجزائر من تعاونها الأمني مع جيرانها الآخرين، حيث قامت بتركيب كاميرات التصوير الحراري وإقامة حاجز رملي على حدودها مع تونس وسياج الكتروني على حدودها مع تونس وليبيا. وفي الوقت نفسه، يواصل الجيش الجزائري تحديث قواته البحرية وقوات حرس الحدود على نطاقٍ واسع، إذ استورد الأسلحة، والمعدات العسكرية والمركبات من ألمانيا وإيطاليا وروسيا والصين، فضلاً عن مجموعة من المصانع للتجميع المحلي المرخص لكلٍ من المركبات، والسفن البحرية والدبابات والمروحيات.
ونتيجةً لهذه التدابير، أجبر المهاجرون واللاجئون من جنوب الصحراء الكبرى، الذين يحاولون عبور شمال افريقيا، إلى البقاء في الجزائر؛ الأمر الذي أدى إلى إثارة المشاعر المعادية للمهاجرين وكره الأجانب بين الجزائريين. وفي ربيع عام 2017، انتشرت الحملة المثيرة للجدل على الإنترنت التي حملت عنوان “لا للأفارقة في الجزائر،” التي صوّغت المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى في إطار التهديد، كالنار في الهشيم وأنذرت بتحولٍ سياسي كبير نحو اليمين.
وفي يوليو 2017، اتهم أحمد أويحيى، رئيس حكومة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة آنذاك، المهاجرين بجلب “الجريمة والمخدرات وغيرها من المصائب” إلى البلاد. وأضاف “يجب على الدولة حماية الجزائريين من الفوضى من خلال فرض قواعد صارمة على هؤلاء الأشخاص.” وادعى وزير الخارجية عبد القادر مساهل أن المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى متورطون “بالجريمة والاتجار بالمخدرات.”
الاعتقالات الجزائرية وإدانة واسعة النطاق لحملة طرد المهاجرين
على الرغم من أن سلف أويحيى، عبد المجيد تبون، أعلن عن حملةٍ لإضفاء الطابع الرسمي على المهاجرين الذين يعيشون في الجزائر، ووعد بمنح تصاريح الإقامة والعمل لعددٍ غير محدد من مواطني جنوب الصحراء الكبرى، إلا أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الإدارة الحالية على استعدادٍ للمضي قدماً بالمبادرة، ذلك أن أويحيى معروفٌ جيداً بتعصبه تجاه القضايا المتعلقة بالهجرة.
في الواقع، عندما تولى أويحيى منصب رئيس الوزراء في أغسطس، شنت السلطات الجزائرية حملة واسعة النطاق ضد المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى. واعتقلت قوات الشرطة والدرك بصورةٍ انتقائية وتعسفية المهاجرين من الصحراء الكبرى من عقر منازلهم وأماكن عملهم، وفي وسائل النقل العام أو في الشوارع، ونقلتهم إلى معسكراتٍ أمنية. ومن هناك، تم نقلهم في مواكب كبيرة من الحافلات إلى تمنراست، وهي مدينة نائية في الصحراء الكبرى على بعد 2000 كيلومتر جنوب العاصمة الجزائر، ليرّحلوا في وقتٍ لاحق، والذي يتم عادةً إلى النيجر أو مالي.
اشتدت الحملة فى سبتمبر الماضي 2017 وركزت بشكلٍ كبير على المناطق الحضرية في شمال البلاد. وتقدر هيومن رايتس ووتش أن الجزائر قد اعتقلت وطردت ما لا يقل عن 3232 مهاجراً إلى النيجر منذ أغسطس 2017. وقد أدانت جماعات حقوق الإنسان المحلية والدولية فضلاً عن النقابات الحملة مراراً وتكراراً، ودعت الحكومة إلى الالتزام بالمعاهدات الدولية التي انضمت إليها الجزائر، وأحد الموقعين عليها، بما في ذلك اتفاقية جنيف لعام 1951.
وفي هذا الصدد، قالت هبة مرايف مديرة البحوث لأفريقيا الشمالية لمنظمة العفو الدولية إنه “ما من مبرر لحملة القبض على مئات الأشخاص وترحيلهم قسراً بناء على لون بشرتهم أو بلدانهم الأصلية المفترضة- فهذه حالة صارخة من الاستهداف النمطي العنصري الجماعي”.
من جهتها، تكافح النيجر من أجل التعامل مع الوصول المفاجىء للآلاف من مواطنيها، كما انتقدت الجزائر لما اعتبرته حملة تعسفية ضد المهاجرين الأفارقة. وقال وزير الخارجية النيجري إبراهيم يعقوب إن الجزائر قامت بترحيل أكثر من 20 ألف نيجيري منذ عام 2013.
بل إن حملة الطرد الأخيرة ليست الأولى من نوعها، فقد نفذت الجزائر عدة حملاتٍ مماثلة منذ توقيع النيجر والجزائر على اتفاق لإعادة اللاجئين إلى وطنهم في ديسمبر 2014. ومع ذلك، فإن موجة الاعتقالات والطرد الأخيرة لم يسبق لها مثيل.
تصاعد مستويات الهجرة من بلدان المغرب العربي
وفي الوقت نفسه، اعترضت البحرية الجزائرية 286 شخصاً كانوا على متن زوارق مطاطية صغيرة في المياه الإقليمية في أقصى الشرق وغرب البلاد في غضون ثلاثة أيام في منتصف نوفمبر 2017. وفي عام 2016، اعترضت البحرية 1,206 أشخاص متجهين إلى إيطاليا وإسبانيا. ومن بداية عام 2017 وحتى الآن، اعتقلت السلطات الجزائرية أكثر من 4000 شخص، معظمهم من المواطنين الجزائريين، وهم يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط.
وقال محامٍ جزائري مقيم في شرق الجزائر لفَنَك، “كل يوم، هناك ما يصل الى أربعة أو خمسة زوارق تغادر منطقة عنابة فحسب.” وأضاف أن معظم هؤلاء الأشخاص ليسوا من جنوب الصحراء الكبرى بل من المغرب وتونس والجزائر. وقال أيضاً إن عائلات بأكملها تصل إلى 20 شخصاً تحاول مغادرة البلاد بشكل غير نظامي.
ومنذ 16 نوفمبر، وصل ما مجموعه 962 مهاجراً إلى إسبانيا، منهم 562 من المواطنين الجزائريين. وفي أكتوبر، اعتقلت السلطات الإيطالية أو اعترضت 3,436 مهاجراً من بلدان المغرب العربي (موريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا). وفي نفس الشهر من عام 2016، بلغ عدد المواطنين المغاربة الذين اعتقلوا في إيطاليا 1,093 شخصاً.
ويعود السبب الرئيسي في هذا الاتجاه التصاعدي في أعداد المهاجرين الجزائريين إلى الأزمة الاقتصادية الجارية. فقد أدى الانخفاض الهائل في إيرادات النفط والغاز في عام 2014 إلى تزايد العجز في الميزانية وإلى انخفاضٍ كبير في احتياطيات العملات الأجنبية. ونتيجةً لذلك، اضطرت الحكومة إلى تقليص إعانات الغذاء والوقود ومشاريع الإسكان الاجتماعي. وقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية، بما في ذلك السلع الأساسية مثل السكر والخضار والنفط، بشكلٍ كبير، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة والتضخم.
ومع توقف الحكومة عن المضي قدماً بالإصلاحات الاقتصادية التي يمكن أن تعزز فرص العمل، يبدو أن الضغط الاجتماعي والسياسي على النخبة الحاكمة يؤجج الحملة الأخيرة ضد المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى، فضلاً عن خطاب الكراهية ضد الأجانب على لسان المسؤولين الحكوميين، في محاولةٍ واضحة لتشتيت اللوم على المشاكل الاقتصادية للبلاد في أماكن أخرى.