وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الإهمال الدولي يجدد الصراع في الصحراء الغربية

western sahara
صورة تظهر تصاعد الدخان نتيجة حرق النفايات خلف نقطة عبور حدودية بين المغرب وموريتانيا في منطقة الكركرات الواقعة في الصحراء الغربية، في 24 نوفمبر 2020 ، بعد تدخل القوات المسلحة الملكية المغربية في المنطقة. Photo: Fadel SENNA / AFP

بقلم: مات ناشد

انهار اتفاق وقف إطلاق النار المستمر منذ ثلاثة عقود في الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو المؤيدة للاستقلال، التي تمثل الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.

تسببت العملية العسكرية المغربية في منطقة الكركرات في انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في 14 نوفمبر 2020. ومن الجدير بالذكر أن الكركرات بلدة تقع في الطرف الجنوبي من الصحراء الغربية وهي منطقة عازلة تخضع لمراقبة الأمم المتحدة، وتفصل الأراضي التي يُسيطر عليها المغرب عن تلك التي تُسيطر عليها جبهة البوليساريو.

من جهته، قال المغرب إنه هاجم جبهة البوليساريو لعرقلتها الطريق التجاري الرئيسي إلى موريتانيا المجاورة، لكن ممثلة جبهة البوليساريو لدى الأمم المتحدة العاملة في مجال حقوق الإنسان في جنيف، أميمة عبد السلام، نفت الاتهام وقالت إن الطريق أغلقه مدنيون. كما شددت على أن العنف اندلع بمجرد عبور القوات المغربية إلى المنطقة العازلة، مما دفع البوليساريو إلى إعلان “استئناف الكفاح المسلح” للدفاع عن حقوق شعبها.

فمن وجهة نظر البوليساريو، كان الغضب الصحراوي يغلي منذ سنوات بسبب تصور أن المجتمع الدولي تجاهل محنتهم.

يرجع الصراع في الأصل إلى الانسحاب الاستعماري الإسباني من المنطقة في عام 1975. في ذلك العام، طالبت كل من موريتانيا والمغرب وجبهة البوليساريو بالأراضي الصحراوية.

وعليه، وقّعت جبهة البوليساريو، التي تعيش قيادتها في المنفى في تندوف بالجزائر، اتفاق سلام مع موريتانيا بعد أربع سنوات. استمرت الجماعة المسلحة في شن حرب عصابات ضد المغرب حتى عام 1991، وذلك عندما اتفق الجانبان أخيراً على تجميد الصراع وتنفيذ منطقة عازلة تحت مراقبة الأمم المتحدة حتى إجراء استفتاء بشأنها. وبالتالي، شهد الوضع الراهن سيطرة المغرب على ثلثي المنطقة.

كادت بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الصحراء الغربية، المعروفة باسم مينورسو، والمكلفة بتنظيم الاستفتاء، التوسط في صفقةٍ عام 1997. ووفقاً لشروط القرار، سيصوت الصحراويون لتحديد ما إذا كانوا سيحتفظون بحكم مستقلٍ في المنطقة في المغرب أو باستقلالهم، إلا أن العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني رفض القرار مشيراً إلى مخاوف بشأن الأشخاص المؤهلين للتصويت.

فقد شكلت القوائم الإنتخابية نقطة خلافٍ رئيسية بسبب محاولات المغرب إعادة تشكيل التركيبة السكانية منذ عام 1975، إذ بات أكثر من 60% من سكان الصحراء الغربية البالغ عددهم نصف مليون اليوم من المغاربة بسبب سياسة من أعلى إلى أسفل لنقل مئات الآلاف من المواطنين إلى المنطقة المتنازع عليها.

وعلى الرغم من العقبات، تمكن المبعوث الخاص السابق للأمم المتحدة جيمس بيكر من إقناع البوليساريو بالسماح للمغاربة في الصحراء الغربية بالمشاركة في أي استفتاءٍ محتمل. فقد اعتبر هذا التنازل تغيراً مفاجئاً كبيراً حظي بدعم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومع ذلك، رفض المغرب الحل ذلك أنه تضمن إمكانية منح الصحراويين الاستقلال.

لم يتمكن الطرفان من تجاوز هذا المأزق، إذ اتخذ المغرب موقفاً عنيداً على نحوٍ خاص خلال السنوات العديدة الماضية. وفي نوفمبر 2015، أعلن المغرب أن الدبلوماسي الأمريكي كريستوفر روس، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، لم يعد مرحباً به في الصحراء الغربية بعد أن حاول الضغط على الرباط لاستئناف المفاوضات.

وفي العام التالي، طُرد العشرات من موظفي الأمم المتحدة من بعثة المينورسو من الصحراء الغربية. وقع الحادث بعد أن وصف الأمين العام السابق بان كي مون وجود المغرب في المنطقة المتنازع عليها بـ “الاحتلال” خلال رحلته إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين في الجزائر. اعتبرت البوليساريو هذه الأحداث بمثابة إشارة واضحة على أن المغرب يفضل الوضع الراهن على أي قرارٍ من شأنه أن يلبي رغبات الشعب الصحراوي.

ومع ذلك، يحذر المحللون من أن الوضع الراهن غير مستدام، فالمساعدات السنوية للمخيمات تتقلص من 10 ملايين دولار إلى حوالي 7 ملايين دولار، في حين أن الوظائف آخذة في الانخفاض السريع. بل دفع اليأس المزيد من الشباب الصحراوي إلى الهجرة بشكل غير نظامي، أو اللجوء إلى تجارة المخدرات أو حتى التطرف. فهذه نتائج متوقعة بالنظر إلى أن معظم الشباب الصحراوي ليس لديهم ثقة كبيرة في حل الدبلوماسية لمحنتهم.

وبحسب ما قاله حمدي، أحد قادة الشباب في المخيمات، لمجموعة الأزمات الدولية في عام 2018: “عندما كان آباؤنا يقاتلون ضد الاحتلال المغربي، كان العالم بأسره، وخاصة الأمم المتحدة، يستمع إلى البوليساريو.” وأضاف “إما أن نستعيد أرضنا أو نعود إلى الحرب.”

واليوم، باتت محنة الصحراويين تتصدر عناوين الأخبار مرةً أخرى، إذ يحاول النشطاء الشباب الاستفادة من هذا الاهتمام من خلال حث المجتمع الدولي على اتخاذ تدابير سريعة. فقد أكد إنغويا محمد لاهو، رئيس منظمة نوفا الصحراء الغربية، وهي منظمة صحراوية يقودها الشباب وتروج لللاعنف، أن على الأمين العام للأمم المتحدة أن يُعيّن على الفور مبعوثاً شخصياً جديداً للأمم المتحدة للصحراء الغربية، حيث استقال آخر مبعوث، الرئيس الألماني الأسبق هورست كولر، عام 2019 لأسباب صحية. ومن الجدير بالذكر أن هذا المنصب ما يزال شاغراً منذ ذلك الحين.

أياً كان من سيتم تعيينه بعد ذلك، فسيتعين عليه دفع المغرب مرةً أخرى إلى طاولة المفاوضات بدعمٍ من المجتمع الدولي. ومع ذلك، فإن المغرب مترددٌ في الدخول في محادثاتٍ ذات مغزى، إذ استخدم المغرب طوال الوقت الدبلوماسية لترسيخ احتلاله من خلال إقناع العديد من الدول الافريقية بالتراجع عن دعمها لاستقلال الصحراويين. كما روجت الرباط للرواية القائلة بأن البوليساريو مجرد جماعة مسلحة مدعومة من الجزائر.

من جهتها، تدعم الجزائر جبهة البوليساريو سياسياً على الرغم من اختلاسها وفرضها ضرائب على مساعدات الاتحاد الأوروبي للاجئين الصحراويين. لكن الجزائر لم تتعاون مع حركة التحرير، التي لم يطرأ أي تغييرٍ على هدفها الوحيد منذ عام 1975.

علاوةً على ذلك، يدعم القانون الدولي بوضوح حق تقرير المصير لأي ديموغرافية معترف بها على أنها “شعب.” ويؤيد إعلانان للأمم المتحدة – إعلان عام 1960 بشأن منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستَعمَرة وإعلان العلاقات الودية لعام 1970 – الانفصال كملاذٍ أخير لتحرير شعبٍ من الحكم الاستعماري القمعي. كلا الإعلانين يحذران من أن تقرير المصير يمكن أن يؤثر على الحدود الإقليمية للدول الإستعمارية.

وبالطبع، لن تتنازل الرباط عن أراضٍ تعتبرها أرضاً ذات سيادة، ولن يقبل الصحراويون أيضاً التنازل عن حقهم في تقرير المصير. وبالتالي، يحتاج المجتمع الدولي إلى إيجاد طرقٍ للمناورة حول هذا المأزق وإعادة كلا الجانبين إلى طاولة المفاوضات. خلافاً لذلك، قد تشتعل النيران في صراعٍ شهد جموداً منذ سنوات.