أثارت الغارة الجوية الاسرائيلية الواضحة على مصنعٍ سوري للأسلحة في شمال غرب البلاد, يُزعم باحتوائه على أسلحةٍ كيماوية, مخاوف من تصاعد التوترات بين الدولتين أو اندلاع حربٍ جديدة بين إسرائيل وحزب الله، الميليشيا اللبنانية الشيعية المدعومة من إيران والمتحالفة مع النظام السوري، عدو إسرائيل منذ زمنٍ طويل.
ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يتخذ من المملكة المتحدة مقراً له، أسفرت الغارة المزعومة في 7 سبتمبر 2017 عن مقتل أو جرح ما لا يقل عن 7 عسكريين سوريين. وقال المرصد أن الصاروخ استهدف معسكراُ لطليعة الجيش، ومستودعاً للصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، ومركزاً لدراسات البحوث العلمية يضم “ميليشيات متحالفة من جنسيات غير سورية.”
وسبق واتهمت الولايات المتحدة الأمريكية المركز بإنتاج أسلحةٍ كيماوية. وفي أبريل 2017، فرضت عقوباتٍ على 271 من موظفي المركز، وأمرت المصارف الأمريكية بالاستيلاء على أصولهم ومنعت الشركات الأمريكية من ممارسة أي أعمالٍ تجارية معهم.
جاءت الغارة الجوية المزعومة بعد يومٍ واحدٍ من صدور تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، الذي اتهم النظام السوري باستهداف المدنيين عمداً بالأسلحة الكيماوية، بما في ذلك الهجوم بغاز السارين على خان شيخون في منطقة إدلب في الرابع من أبريل 2017 والذي أسفرعن مقتل أكثر من 80 شخصاً، غالبيتهم من النساء والأطفال. كما ذكر التقرير أيضاً أن النظام واصل منذ ذلك الحين، هجماته على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب وحماة والغوطة الشرقية، بالأسلحة المزودة بغاز الكلور السام. رد المسؤولون السوريون على الضربة المزعومة بهجومٍ لفظي إلا أنهم لم يتخذوا إلى الآن أي خطواتٍ انتقامية.
وفي بيانٍ صدر عبر وسائل إعلامٍ سورية، “حذرت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة من التداعيات الخطيرة لهذه الأعمال العدائية على أمن واستقرار المنطقة.” وبعد أربعة أيام، أي في 10 سبتمبر 2017، قال نائب وزير الخارجية والمغتربين السوري فيصل مقداد في مقابلةٍ مع قناة “الميادين اللبنانية أن الضربة المزعومة لن تحول الانتباه عن القتال ضد تنظيم “داعش” في دير الزور، إلا أنه هدد بانتقامٍ مؤجل.
وأضاف “لن تنسى سوريا أبداً هذه الهجمات وسيأتي الوقت الذي ستدفع فيه إسرائيل الثمن.” وتابع، “لن ينسى آخر طفلٍ سوري هذه الهجمات وسنتخذ إجراءاتٍ لننتزع حقوقنا ولن نسمح لأحدٍ بانتهاك سيادة الجمهورية العربية السورية.”
وعليه، أرسلت وزارة الخارجية رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تُطالب فيها مجلس الأمن بـ”إدانة الاعتداءات الإسرائيلية واتخاذ إجراءٍ حازمٍ وفوري لوقفها تنفيذاً لقراراته المتعلقة بمكافحة الإرهاب وداعميه ومموليه.”
ومع ذلك، لم تؤكد إسرائيل أنها كانت وراء الغارة، التي جرت في إطار تدريباتٍ عسكرية كبيرة تجري في شمال اسرائيل، وتحاكي حرباً محتملة مع حزب الله. من جهته، قال وزير الدفاع الاسرائيلي السابق موشيه يعالون لصحيفة هآرتس الاسرائيلية أنه لا يعرف من الذي هاجم المصنع في سوريا “لكن أياً من فعل ذلك فقد قدم خدمةً ممتازة لاسرائيل.” وأضاف أنه لا يتوقع الانتقام من سوريا أو حليفتها القوية، روسيا، “الروس، حتى وإن كان يعتقدون أننا فعلنا ذلك، لم يتفوهوا بكلمة. هناك خطٌ ساخن بين مؤسساتنا الدفاعية وتفاهماتٍ بعدم اعتراضنا لطريقهم أو اعتراضهم لطريقنا.”
وفي مقالٍ لصحيفة نيويورك تايمز، كتب عاموس يدلين، رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية حتى عام 2010، “يبدو أن إسرائيل توسع نطاق عملها لمنع خصومها الرئيسيين من إنتاج أو الحصول على أسلحةٍ متطورة.” ووفقاً ليدلين، توضح الغارة لكلٍ من إيران وسوريا أن إسرائيل مستعدة للهجوم من أجل منع تطوير تهديدٍ استراتيجي طويل الأمد.
وفي الأيام التي أعقبت الغارة المزعومة، أفادت وسائل إعلامٍ إسرائيلية أن روسيا أصدرت ضماناتٍ بأنها لن تسمح لإيران وحزب الله بتهديد إسرائيل من سوريا. فقد كانت إسرائيل ممتعضةً باتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة وروسيا في جنوب سوريا، ذلك أنه لم يتناول وجود حزب الله وإيران في المنطقة. وترى إسرائيل في هذا الوجود تهديداً لأمنها، وأمرا غير مقبول.
وقال مسؤولٌ روسي كبير لم يكشف عن اسمه لصحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية أن روسيا حثت الرئيس السوري بشار الاسد وحزب الله على “عدم الرد والتركيز على الصورة الأكبر،” مضيفاً أنه إذا “تجاوز حزب الله وايران حدودهما في تورطهما في سوريا ، سنقمعهم.”
وجاءت الغارة المزعومة بعد حوالي عشر سنواتٍ تقريبا من هجومٍ على منشأة نووية سورية أخرى كانت تحوم حولها الشبهات في دير الزور في شرق سوريا. ويعتقد أيضاً أن اسرائيل تقف وراء هذا الهجوم على الرغم من عدم إعلان مسؤوليتها عنه أيضاً.
وقال الرئيس الاميركي دونالد ترامب في مؤتمرٍ صحافي عقده يوم الغارة المزعومة، أن الولايات المتحدة “ستكون مستاءة جداً اذا ما كان [الأسد] يستخدم الاسلحة الكيماوية.” وأضاف أنه لم يسمع أنباءً عن استمرار النظام السوري في القيام بذلك. وتابع “فيما يتعلق بسوريا، فنحن لا نملك سوى القليل جداً من التعامل مع سوريا، بخلاف قتل داعش. ما نفعله هو قتل داعش.”
وقال مؤيدو اسرائيل أن الهجوم المزعوم كان ضرورياً. وفي مقالٍ نشرته صحيفة نيويورك تايمز، كتب عاموس يدلين: “إن المنشأة التي أصيبت تنتج أسلحة كيماوية وبراميل متفجرة ومجموعة متنوعة من الأسلحة الأخرى التي استخدمها نظام الأسد في مجازر ضد الأبرياء. يمكن لتدميرها أن ينقذ حياة أعدادٍ لا تحصى.”
وأضاف أن اسرائيل مستعدة للرد عسكرياً ضد أي انتقام، إلا أنه حذر من “الانجرار إلى حربٍ على الحدود الشمالية.”
وقد تكهن المحللون باحتمال وتوقيت حربٍ أخرى بين إسرائيل وحزب الله. وإذا ما وقعت مثل هذه الحرب، فمن المرجح أن تكون أكثر تدميراً من الحرب السابقة في عام 2006، حيث أن حزب الله قد طوّر قدراته وأصبح أكثر انفتاحاً في هيكل السلطة اللبنانية الرسمية. ومن جانبها، هددت إسرائيل بشن هجماتٍ أكثر مما كان عليه الحال في عام 2006 على أهدافٍ وبنى تحتية مدنية. وقدرت الأضرار التي أصابت البنية التحتية في ذلك الوقت بما قيمته 2,5 مليار دولار.