صوفيا أكرم
تصاعدت التوترات بين الجارين في شمال إفريقيا، الجزائر والمغرب، مع عودة قضية تقرير مصير شعوبهما إلى المنتديات الدولية. وعلى الرغم من خطاب الحرب، ربما يكون الصراع بعيداً عن حسابات الدولتين المغاربيتين، بيد أن المنطقة المتنازع عليها في الصحراء الغربية والمنطقة المحيطة بها لربما ما تزال تعاني.
ففي يوم الأحد الموافق 18 يوليو 2021، استدعت وزارة الخارجية الجزائرية سفيرها لدى المغرب، مما أعاد تأجيج التوترات المستمرة بين البلدين منذ استقلالهما.
وجاءت هذه الخطوة في أعقاب التعليقات التي أدلى بها عمر هلال، مبعوث الأمم المتحدة في منطقة القبائل الجزائرية، حول كيف يجب على الجزائر ألا تنكر حق تقرير المصير للأقلية الناطقة باللغة الأمازيغية الواقعة في الطرف الشمالي من البلاد بينما تدعم حق تقرير المصير في الصحراء الغربية، الموضوع الذي ما يزال مشحوناً دبلوماسياً.
يطالب المغرب منذ فترةٍ طويلة بالسيادة على المنطقة المتنازع عليها في الصحراء الغربية منذ توقيع اتفاقيات مدريد في عام 1975، بعد التنازل عنها باعتبارها مستعمرةً إسبانية. ومع ذلك، لم يتم الاعتراف بمطالبه من قبل المجتمع الدولي ككل أو الأمم المتحدة، ولكن ضمن خطط تعزيز العلاقات مع الرباط، اعترفت بعض الدول بالصحراء الغربية كجزءٍ من المملكة المغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب – في حين لم يؤكد جو بايدن حتى الآن الموقف السياسي الجديد – إلى جانب اعتراف إسرائيل أيضاً، وفي كلتا الحالتين، كان الإعلان بمثابة مقايضة للمغرب لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ومع ذلك، دعمت الجزائر جبهة البوليساريو للسكان الصحراويين الأصليين في المنطقة – الذين يسمون أنفسهم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية – في سعيهم للاستقلال.
وهنا، يقول المحللون إنه من غير المرجح أن تكون تعليقات هلال نابعةً من مجرد القلق على سكان منطقة القبائل، التي يعتبرها البعض أيضاً أرضاً محتلة، والتي تمت خسارتها في حرب الاستقلال عام 1963. بدلاً من ذلك، قيل إنها على الأرجح تهدف إلى إثارة استعداء الجزائر.
وبحسب ما قاله ريكاردو فابياني، مدير منطقة شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، في حديث لـ فَنَك: “لم يؤيد المغرب أبداً فكرة استقلال منطقة القبائل، والمطالبة بتقرير المصير لا يتم التعبير عنها إلا من خلال منظمة سياسية صغيرة جداً في هذه المنطقة.”
وأضاف: “كان هدف الرباط هو الرد على دعم الجزائر لجبهة البوليساريو ونضالها من أجل تقرير المصير… ولتنبيه الجزائر بأن المملكة مستعدة لاتخاذ موقفٍ أكثر عدوانية مما كانت عليه في الماضي بشأن هذا الملف.”
وتابع، “رأينا بالفعل في الأشهر الماضية أن المغرب يخوض أزمات دبلوماسية مع إسبانيا وألمانيا، لذا فإن هذا النوع من السلوك المتشدد ليس مفاجئاً حقاً وهو في الغالب نتيجة اعتراف ترمب في ديسمبر 2020 بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، الذي شجع المملكة وجعلها أقل استعداداً لقبول أي حل وسط.”
وعلى صعيدٍ متصل، فقد أثارت مدريد غضب المغرب عندما سمحت لزعيم البوليساريو إبراهيم غالي بدخول إسبانيا لتلقي العلاج في المستشفى بعد أن عانى من أعراض حادة جرّاء إصابته بفيروس كورونا في مايو 2021. كما استدعى المغرب سفيره في ألمانيا بعد أن رفضت الدولة الأوروبية ذات الثِقل تغيير موقفها بشأن الإقليم.
وبعد عدة أيامٍ من تصريح هلال في اجتماع لحركة عدم الانحياز في 13 يوليو 2021، قال عبد القادر بن قرينة، رئيس حركة البناء الوطني الجزائرية، إن كلمات هلال بمثابة “إعلان حرب على الجزائر، دولةً وشعباً، وننتظر موقفاً حازماً من مؤسسات الدولة المخولة للرد على ذلك.”
يتفق المحللون على أن هناك حداً أدنى لاحتمال أن يؤدي الخلاف الحالي بين الجزائر والمغرب إلى حرب، حيث ستكون الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مكلفةً للغاية.
ومع ذلك، تقلل التوترات المتصاعدة من إمكانية خفض التصعيد في الصحراء الغربية وكذلك استئناف المفاوضات.
في واقع الحال، سئمت جبهة البوليساريو من استفتاء الأمم المتحدة، وبالتالي تراجعت عن وقف إطلاق النار مع المغرب في أواخر عام 2020، كما تشير إميلي هوثورن، محللة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز ستراتفور.
وفي نوفمبر2020، أفادت التقارير أن عملية طرد الانفصاليين الصحراويين من معبر الكركرات – وهي منطقة عازلة تحت حراسة الأمم المتحدة بين المغرب وموريتانيا – كانت ناجحة. رغم أن بعض الصحف الجزائرية، وفقًا لتقرير أفريكا ريبورت، ما زالت تتحدث عن هجمات متكررة على طول الجدار الدفاعي البالغ طوله 2500 كيلومتر.
وفي هذا الصدد، قالت المحللة والصحفية لينا سيرين لفَنَك: “من المحتمل أن يتم مضاعفة الهجمات على الجدار الدفاعي. هناك مناوشات بين الحين والآخر من البوليساريو والجيش المغربي، لكن مما نعرفه، لا يوجد تعزيزات عسكرية هناك في الوقت الحالي. فقد أمنّ المغرب الطريق إلى موريتانيا المجاورة لكنه يدرك أيضا أنه يجب السير بحذر.”
لكن الخلاف بين الجزائر والمغرب يتجاوز مجرد قضية الصحراء الغربية. فمنذ استقلال البلدين، في عامي 1956 و1962 على التوالي، شكلت حرب الرمال عام 1963 وإغلاق الحدود بين البلدين الواقعين في شمال إفريقيا تاريخاً من التوترات، التي غذتها أيضاً مخاوف بشأن الأمن وتهريب المخدرات.
وفي عام 1994، فرض المغرب لوائح جديدة على تأشيرات دخول الزوار الجزائريين بعد هجوم إرهابي على فندق أطلس أسني في مراكش. من جهتها، ردت الجزائر بإغلاق الحدود، وعلى الرغم من الحرب الأهلية داخل الجزائر، ظلت الحدود مغلقة. فقد تسبب الخلاف في صعوبات واجهت المزارعين المغاربة في زراعة الأراضي في الجزائر وتشتت العائلات بسبب قيود السفر.
وعليه، فقد ورد أن وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة الجزائرية عمار بلحيمر قال لصحيفة “أرابيان بوست” إن شروط إعادة فتح الحدود تعتمد على “النوايا الحسنة” من المغرب والتدابير المتخذة لإنهاء تهريب الأسلحة والمخدرات.
علاوةً على ذلك، قد يؤدي الكشف الأخير عن احتمال استخدام المغرب لبرامج التجسس بيغاسوس التابعة لمجموعة إن إس أو على شخصياتٍ سياسية جزائرية إلى تفاقم التوترات.
“للمضي قدماً، سيساعد إحراز تقدمٍ في الملف الدبلوماسي للصحراء الغربية بشكلٍ كبير في تقليل التوترات بين هذين البلدين،” على حد تعبير فابياني.
“إذا نجحت الأمم المتحدة في تعيين مبعوث خاص جديد للصحراء الغربية، فقد يكون هناك احتمال لوقف التصعيد العسكري في هذا الصراع واستئنافٍ محتمل للمفاوضات، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في احتواء الخلاف الحالي وإجبار هذين البلدين على إعادة الانخراط في الدبلوماسية البناءة،” كما قال، مضيفاً أنه في حال عدم التدخل القوي من قبل الولايات المتحدة والأمين العام للأمم المتحدة، يمكن للطرفين الاستمرار في رفض جميع المرشحين المقترحين بعد رفض 13 مبعوثاً بالفعل.
من جهتها، توافق هوثورن على أن “الأمم المتحدة يجب أن تبدأ بأخذ عملية الاستفتاء الموعودة منذ فترة طويلة على محمل الجد،” بعد أن أهملتها لما يقرب من عقدين من الزمان.
وأضافت “أيضاً، قد تصل الأوضاع إلى صراعٍ عسكري حقيقي ومدمر بين البوليساريو والمغرب من أجل إقناع الجزائر والرباط بضرورة تجاوز الجمود من أجل أمنهما الاقتصادي والاستراتيجي المتبادل.”
وعليه، يشعر البعض بالأسى ذلك أن التوترات بين المغرب والجزائر قد أضعفت أيضاً ما كان يمكن أن يكون كتلة منيعة لاتحاد المغرب العربي المؤلف من موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا.
في الوقت نفسه، امتدت التأثيرات الأخرى للتوترات الدبلوماسية المحيطة بالصحراء الغربية لتشمل مشاريع البنية التحتية المتوقفة، فضلاً عن النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي للرباط للضغط على الدول التي لا تتفق معها، مما أعاق التعاون في قضايا مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل وإهمال المدن الحدودية.
وهنا، تقول سيرين، “يرافق هذه التوترات ارتفاع أسعار السلع الأساسية وزيادة البؤس الاجتماعي والاقتصادي، في المناطق التي تعاني أصلاً من الفقر المدقع مع ارتفاع معدلات البطالة.”
“يعاني هؤلاء المواطنون أيضاً من تأثيراتٍ نفسية ذلك أنهم يخافون من أي تصعيدٍ محتمل،” على حد قولها.