في 10 يونيو 2019، أدى نيجيرفان بارزاني اليمين الدستورية كرئيسٍ لكردستان العراق، سائراً على خطى عمه مسعود بارزاني، الذي شغل المنصب بين عامي 2005 و2017.
حضر برهم صالح، الرئيس العراقي والمنافس الرئيسي لعائلة بارزاني، مراسم التنصيب. فهو، أي صالح، في نهاية المطاف عضوٌ في الاتحاد الوطني الكردستاني، إذ يتمثل التفاهم بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتبع له بارزاني في أن الاتحاد الوطني الكردستاني يمكنه اقتراح مرشحٍ لرئاسة العراق بينما يستطيع الحزب الديمقراطي الكردستاني تقديم مرشحٍ لكردستان العراق.
لكن في العام الماضي، رفض الحزب الديمقراطي الكردستاني تأييد شغل صالح لهذا المنصب ورشح مرشحه الخاص، مما تسبب في توترٍ بين الحزبين. إن حقيقة فوز صالح تسبب في إطلاق النكات التي حملت في طياتها دلالاتٍ خطيرة: هل سيسمح له حتى بالهبوط بطائرته الرئاسية في العاصمة الإقليمية أربيل، حيث يحكم الحزب الديمقراطي الكردستاني؟ لم يحاول صالح ذلك وربما لم يكن بحاجةً لذلك. ولكن الآن بعد تولي نيجيرفان بارزاني السُلطة، يبدو أنه أصبح مرحباً به.
ومع ذلك، قد يمنح هذا السرد نيجيرفان الكثير من الفضل، فعلى الرغم من كونه الرئيس الجديد، إلا أنه ليس المسؤول، بل إن عمه من يتولى زمام الأمور، كما اعترف نيجيرفان بنفسه في مقابلةٍ مع المونيتور. وعندما سئل عما إذا كان من الآمن القول إن مسعود هو الرئيس الحقيقي، قال: “بالطبع! إنه الشخص الوحيد الذي لا يمكن تنحيته من المشهد!”.
إن العلاقات الأسرية الأهم اعتباراً هنا. ولد نيجيرفان في عام 1966 في بارزان، بلدة جبلية بين أربيل والحدود التركية. والده هو إدريس البارزاني، شقيق مسعود الأكبر. كان نيجيرفان يبلغ من العمر ثماني سنوات عندما اضطرت عائلة بارزاني في عام 1975 إلى العيش في المنفى في إيران. عندما توفي جده الملا مصطفى البارزاني، أحد مؤسسي الحزب الديمقراطي الكردستاني، في عام 1979، عاد جزءٌ من العائلة إلى العراق. واصل نيجيرفان تعليمه في إيران حيث درس العلوم السياسية، إلا أنه لم يتخرج: توفي والده في سنته الثالثة بشكلٍ غير متوقع بسبب نوبةٍ قلبية. بالنسبة لنيجيرفان، كانت هذه هي اللحظة المناسبة للعودة إلى كردستان العراق وتكريس نفسه للسياسة الكردية.
بحلول ذلك الوقت، كان مسعود قد تولى قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني من والده. لعب إدريس دوراً مهماً أيضاً، حيث غالباً ما كان يتولى أمور الاتصالات الدولية للحزب فضلاً عن اصطحابه ابنه معه في الرحلات الخارجية لإعداده لمشواره السياسي. منذ وفاة إدريس، أصبح مسعود رئيساً لعائلة البارزاني وبالتالي الحزب الديمقراطي الكردستاني.
“موت والده فتح المجال أمام نيجيرفان للانخراط في السياسة الكردية، فقد أصبح عضواً في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني عندما كان عمره 23 عاماً فقط،” بحسب ما قاله كمال شوماني، زميل غير مقيم في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط في هامبورغ بألمانيا. وأضاف شوماني، الناقد لسياسات آل بارزاني في المحاباة، “هذا أمرٌ مستحيل إن لم يكن المرء من عائلة بارزاني.”
بعد عشر سنوات، أي في عام 1999، أصبح نيجيرفان رئيس وزراء كردستان العراق. آنذاك، لم يكن قد تم إنشاء المنطقة رسمياً بعد وكانت في الواقع مقسمةً إلى منطقةٍ شمالية يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني ومنطقةٍ جنوبية يسيطر عليها الاتحاد الوطني الكردستاني. لم يتفق الطرفان على تقاسم السلطة إلا بعد إقامة السلام في أوائل العقد الأول من القرن العشرين، حيث أصبح الاتحاد الوطني الكردستاني جزءاً من الحكومة في أربيل. بعد وضع الدستور الكردي، أصبح نيجيرفان رئيس وزراء أول كردستان عراق “موحد.” وبعد انتخابات 2009، ذهب منصبه إلى صالح، ثم عاد إليه بعد عام 2012. بقي رئيساً للوزراء حتى انتخابه رئيساً في 28 مايو 2019، متغلباً على أربعة مرشحين آخرين، جميعهم لم يحصلوا حتى على صوتٍ واحد.
فقد التقت الصحافية أمبرين زمان بارزاني للمرة الأولى في عام 1992، عندما كان يحرس نقطة تفتيش كعضوٍ في البيشمركة، حيث وصفته بـ”الذكي للغاية،” مضيفةً أنه “يحب المزاح ويسهل التقرب إليه. هو وزوجته محبوبان للغاية لأنهما ودودين.”
كما وصفته بأنه عملي للغاية ويُشجع على توافق الآراء، وتابعت القول “بالطبع يمكنك انتقاده في كل شيء ينتقده المرء في مجمل سلوك السياسة في كردستان العراق، مثل: المحسوبية والنخبوية وانعدام الشفافية. ولا يزال يتعين بذل جهودٍ جدية لاستأصال الفساد المؤسسي. لكن الدبلوماسيين الغربيين وصفوا نيجيرفان دوماً بأنه قادر على حل المشكلات. فهو مستمعٌ جيد ويحاول إصلاح الأمور. أعرف حقيقة أنه قام بتمويل عمليات إنقاذ العديد من الفتيات اليزيديات بينما كانت [الدولة الإسلامية] لا تزال تحظى بوجودٍ قوي. إنه مفكر إيجابي.”
كما يوصف أحياناً بأنه أكثر ليونة من البارزاني الآخر الذي يتمتع حالياً بسلطةٍ كبيرة: مسرور، أحد أبناء مسعود، الذي كان مسؤولاً عن أجهزة الاستخبارات ويتولى دور رئيس الوزراء.
يجد شوماني هذا الوصف ساذجاً، إذ يقول “الحزب الديمقراطي الكردستاني هو حزب سياسي يميني محافظ وأبوي للغاية، وجميع القرارات تتخذها عائلة البارزاني. لذلك، وصف نيجيرفان بارزاني بأنه سياسي مسالم بالمقارنة مع مسرور أمرٌ ساذج للغاية. كان نيجيرفان بارزاني أكثر دبلوماسية، حيث أن منصبه كرئيس للوزراء يتطلب منه ذلك، لكن بخلاف ذلك يشارك مسرور ومسعود وجهات النظر العالمية.”
كرئيسٍ للوزراء، لم يكن لدى نيجيرفان “رؤية أخرى سوى تعزيز القوة، وبناء إمبراطوريته الاقتصادية وإقامة شبه ملكية مثل دول الخليج،” كما قال تشوماني. وأضاف “لم يكن لديه رؤية ديمقراطية واضحة للعالم، أو حتى فلسفة فيما يتعلق بالحكم، بخلاف نظرته للعالم القبلي.”
قام مكتب العلاقات الخارجية التابع للحزب الديمقراطي الكردستاني بالتغريد في 28 مايو بأن البرلمان قد انتخب نيجيرفان في “عمليةٍ رائعة لنقل السلطة سلمياً،” إلا أنه لم يذكر أن 81 من أصل 111 عضواً فقط كانوا حاضرين للتصويت بسبب مقاطعة الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب الجيل الجديد الأصغر حجماً. عملياً، لا يوجد أي نقلٍ للسلطة، فقط إعادة توزيع للمناصب بين أسرة البارزاني. ومع وجود نيجيرفان كرئيسٍ للإقليم ومسرور كرئيسٍ للوزراء، تظل عائلة البارزاني مسؤولةً بحزم عن الحزب الديمقراطي الكردستاني والحكومة الإقليمية.