وفقاً للبيانات الصادرة عن الحكومة التركية في أوائل عام 2019، تم “تحييد” أكثر من 10 آلاف من مقاتلي حزب العمال الكردستاني منذ نهاية وقف إطلاق النار المزعوم بين الجانبين في صيف عام 2015، ولم يتبقى سوى 700 مقاتل فحسب في جبال شمال العراق. بيد أن من الصعب الوثوق بهذا الرقم: إذا ما كان دقيقاً، فمن المؤكد أن تركيا محت حزب العمال الكردستاني من الوجود الآن. ومرةً أخرى، لم تكن هناك العديد من الهجمات لحزب العمال الكردستاني مؤخراً في جنوب شرق تركيا، حيث يعيش غالبية الأكراد، ويبدو أن قدرة الحركة المسلحة، قد وهنت، على الأقل، فيما يتعلق بقدرتها على شن الهجمات. سنوضح في فَنَك هذه الحقائق.
تم ذكر الـ10 آلاف مقاتل المتوفين من مقاتلي حزب العمال الكردستاني في قاعدة بيانات الوفيات الناجمة عن النزاع الذي تحتفظ به مجموعة الأزمات الدولية. تحتفظ المجموعة بإحصاءٍ منذ عام 2011، بناءً على مصادر مفتوحة. ومع ذلك، تشير مجموعة الأزمات الدولية إلى أن العدد الأكثر واقعية هو 2,453 مقاتل الذين تم “تحييدهم” منذ صيف عام 2015، مما يعني إما أنهم استسلموا أو قُتلوا أو جُرحوا. وفي الفترة نفسها، توفي ما لا يقل عن 1140 من أفراد قوات الأمن (الجنود وضباط الشرطة وحراس القرى). تحتاج هذه الأرقام إلى بعض الفوارق الدقيقة: في أواخر عام 2015 وأوائل عام 2016، كانت الحرب تشن بشكلٍ أساسي في المدن والبلدات الواقعة في جنوب شرق تركيا، مما أدى إلى خسائر كبيرة في الأرواح. ومنذ انتهاء هذه الحروب في المناطق الحضرية، انخفض عدد الإصابات.
إن عدد الإصابات على كلا الجانبين أقل دائماً خلال فصل الشتاء لأن الطقس يزيد من صعوبة الوصول إلى الأراضي الكردية الجبلية. يستخدم حزب العمال الكردستاني هذه الأشهر بشكل أساسي للتدريب، ففي أعالي الجبال، يقضي مقاتلو حرب العصابات ثلاثة أو أربعة أشهر في كهوفٍ مجهزة لإقاماتٍ أطول، وهي مغطاة بطبقة سميكة من الثلج.
يبقى أن نرى ما إذا كان الربيع سيُمثل زيادةً أخرى في الإصابات، وإن كان الأمر كذلك، أين ستسقط هذه الخسائر. فقد زاد الجيش التركي تدريجياً من تواجده في شمال العراق، على الأراضي التي تسيطر عليها قوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، الحزب السياسي الذي تقوده عشيرة البارزاني. يحاول الجيش التركي، من أكثر من 20 قاعدة، نشر قواته في الميدان والتي ستعمل أخيراً على الدفع بحزب العمال الكردستاني خارج الجبال، وهي نتيجة لم تتمكن الغارات الجوية وحدها من تحقيقها. إن خطاب أنقرة شديد الشراسة، لكن الواقع هو أن حزب العمال الكردستاني نصب قواعده هناك بعد فترةٍ وجيزة من الانقلاب العسكري في تركيا عام 1980، ولم تقترب حتى الآن أي محاولة للقضاء على حزب العمال الكردستاني من النجاح.
إذا ما كان عدد هجمات حزب العمال الكردستاني منخفضاً في الأشهر المقبلة، فقد يعني ذلك أن المنظمة وضعت في موقعٍ دفاعي وتركز على الدفاع عن الجبال بدلاً من شن هجماتٍ في المناطق الكردية في تركيا.
وعندما سئل عن الـ700 مقاتل المتبقين، قال إردال، المتحدث باسم قوات الدفاع الشعبي، الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني، لفَنَك: “بسبب قوانين الأمن والخصوصية، لن يكون من السليم الكشف عن العدد الحالي للمقاتلين. لكن يمكنني القول أن لدينا ما يكفي من القوة لمحاربة الدولة التركية الاستعمارية وجميع القوى التي تقف وراءها.”
وأضاف أن الجيش التركي يشن حرباً بالاعتماد على البراعة الفنية، محاولاً إبادة حرب العصابات باستخدام الطائرات بدون طيار والطائرات الحربية. وقال إن حزب العمال الكردستاني تمكن من شن هجماتٍ في تركيا على أي حال، حيث نفذ “556 عملية ضد الجيش التركي في عام 2018، مما أسفر عن مقتل 2,103 جندياً. في الوضع الحالي، الجنود عالقون في مواقع القوات في العديد من المناطق ويتحركون فقط حول هذه المواقع.”
ووفقاً لتعداد مجموعة الأزمات الدولية، في عام 2018، قتل 124 من أفراد قوات الأمن. الفرق مذهل، وعلى الأرجح سيظل العدد الحقيقي غير واضح. يدعي حزب العمال الكردستاني أن تركيا لا تعلن عن جميع خسائرها وتدفع المال للعائلات لإسكاتها. فصحيحٌ أن أفراد القوات الخاصة يوافقون على بندٍ في عقودهم مفاده أن وفاتهم المحتملة قد لا يتم نشرها إلى العلن. ومع ذلك، يبدو من غير الواقعي أن تكون الدولة قادرة على تغطية مئات الوفيات كل عام.
مع ذلك، تشكل الطائرات بدون طيار مشكلةً بالنسبة لحزب العمال الكردستاني، إذ يمكنها الهجوم بمجرد اكتشاف معسكر أو مجموعة من المقاتلين. وقبل استخدام الطائرات بدون طيار، كان يمتلك المقاتلون فرصةً للإختباء ذلك أن طائرة من طراز إف 16 على سبيل المثال كانت تستغرق بعض الوقت قبل أن تتمكن من الوصول إلى الجبال من القاعدة الجوية في ديار بكر. من ناحيةٍ أخرى، في نوفمبر 2018، نفذ حزب العمال الكردستاني أول غارةٍ جوية بطائرة بدون طيار. ووفقاً لحزب العمال الكردستاني، أسفر الهجوم على موقعٍ للجيش في شمدينلي، في محافظة هكاري، عن مقتل سبعة جنود. بمعنى آخر، الجيش التركي ليس الوحيد القادر على تحديث أسلحته. إذا ما تمكن حزب العمال الكردستاني من الحصول على المزيد من الطائرات بدون طيار والأسلحة، فلربما يشكل ذلك مشكلةً لأنقرة.
ومع ذلك، تظل الحقيقة البالغة من العمر 35 عاماً تقريباً هي أن حزب العمال الكردستاني لا يستطيع منافسة أسلحة الجيش وحلفائه في الناتو، بينما لا يستطيع الجيش هزيمة حزب العمال الكردستاني عندما يتعلق الأمر بتقنيات حرب العصابات. طوال هذه الفترة، لم تفِ أنقرة أبداً بالوعود التي لا تعد ولا تحصى بقرب نهاية حزب العمال الكردستاني. في النهاية، ينبغي حل النزاع على طاولة المفاوضات. فقد صرّح حزب العمال الكردستاني مراراً وتكراراً استعداده للتفاوض، كما يدعي أن الحركة الكردية تفعل كل ما في وسعها لكسر عزلة زعيم المنظمة المسجون عبد الله أوجلان، الذي ينبغي أن يشارك في المحادثات، إلا أن الدولة لا تبدي أي اهتمام.
ألقت الحروب الحضرية، المذكورة أعلاه، الضوء بشكلٍ مثيرٍ للاهتمام على العلاقة بين حزب العمال الكردستاني والشعب الكردي. فقد تمت تسوية العديد من الأحياء بالأرض من قبل الجيش التركي، واتهمت العديد من منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، تركيا باستخدام العنف المفرط ضد مقاتلي المدينة المنتمين لحزب العمال الكردستاني. على الأقل، يشكك بعض الأكراد الذين يدعمون حزب العمال الكردستاني في استراتيجيات المنظمة في هذا الصراع على وجه التحديد أيضاً. ألم يتوقعوا، بناءً على خبرتهم السابقة، أن الدولة سترد بالقوة المفرطة؟ ومع ذلك، هذا لا يعني أن دعم حزب العمال الكردستاني بين الأكراد يضعُف. فالرابطة، التي أقيمت عند تأسيس المنظمة في السبعينيات، قويةٌ للغاية.
ولكن ماذا عن جهود الجيش للدخول إلى الجبال في شمال العراق والتي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني، بالاقتران مع زيادة استخدام الطائرات بدون طيار؟ وماذا عن العمليات المشتركة مع إيران ضد حزب العمال الكردستاني في العراق، والتي تحدث عنها مؤخراً وزير الداخلية التركي سليمان سويلو؟ الأمر الأخير غير صحيح، وفقاً لإيران، إذ ليس من مصلحة إيران قتال حزب العمال الكردستاني داخل العراق على أي حال.
ومع ذلك، حزب العمال الكردستاني منشغلٌ بالكامل بالدفاع عن الجبال. فقد قال إردال، بعد أن أعطى إحداثيات الجيش التركي، “لم يتقدموا [الجيش] في جبل قنديل [سلسلة الجبال المتاخمة للحدود التركية- الإيرانية] على الإطلاق. بل إن الجيش لم يتمكن من التقدم متراً واحداً منذ ربيع عام 2018. تعرضوا لهزائم كبيرة، وتم نشر لقطاتٍ من أنشطتنا.”
وفي إشارةٍ إلى ما يمكن أن يحدث في الربيع، تابع: “مستوى الحرب سيرتفع أكثر.”
حتى بالنسبة لخبيرٍ مثل آرون شتاين، مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية، من الصعب تحديد مدى قوة حزب العمال الكردستاني في الوقت الحالي. وبحسب قوله، “الجماعة غامضة لذا من الصعب للغاية الحكم بأي دقة حقيقية، لكن يبدو أنهم يتعرضون لضغوطٍ كبيرة داخل تركيا.” ولكن حزب العمال الكردستاني على وشك الانهيار؟ “لا تزال دوافع الصراع قائمة، مما يعني أنه من المرجح أن تستمر دورات التجنيد، مما يسمح للجماعة بالاحتفاظ بجاذبيتها الواسعة بالنسبة للأشخاص المحرومين من حقوقهم.”