قبل التدخل الروسي الذي قلَبَ موازين الحرب الأهلية السورية لصالح النظام في عام 2015، اعتمد الرئيس بشار الأسد بشدة على الميليشيات الموالية له، أو الشبيحة، للتغلب على الجماعات المتمردة التي كانت تسعى إلى عزله.
ولا يزال النظام بحاجة إلى الميليشيات، بالنظر إلى الصعوبات التي يواجهها في تجنيد المواطنين في صفوف الجيش النظامي. وفي الوقت نفسه، أصبحت هذه الميليشيات تشكل عائقاً ذلك أن سلوكها الخارج عن القانون أثار غضب السكان المحليين في بعض الحالات، بمن فيهم أولئك الموالون للأسد.
وعلى الرغم من أن الحكومة اتخذت عدة خطواتٍ لتضييق الخناق على الميليشيات، إلا أنه يبدو من الواضح أن الأسد لا يملك القدرة الكافية أو لربما الرغبة في السيطرة على أنصاره.
فقد اعتمدت الحكومة على الميليشيات الموالية منذ بداية الانتفاضة السورية في عام 2011، بعد انتشار ما يُسمى بـ”اللجان الشعبية” في جميع أنحاء سوريا. فقد تم تجنيد العديد من الأعضاء، وليس جميعهم بالتأكيد، من الطائفة العلوية التي يتبعها الأسد والأقليات الأخرى التي تميل إلى الولاء للنظام، الذين تلقوا الدعم من أجهزة الاستخبارات لإخماد الاحتجاجات المناهضة للحكومة بعنف.
ومع مرور الوقت، تضاعفت أعداد هذه الجماعات وباتت تحمل صفةً عسكرية. ففي عام 2013، اتخذ النظام السوري خطواتٍ لإضفاء الصفة الرسمية – وبذل محاولاتٍ لتنظيم – اللجان الشعبية المختلفة ضمن هيكلٍ شبه عسكري وطني تحت مُسمى قوات الدفاع الوطني.
ومع تنامي الصراع، انضمت المليشيات المحلية المدعومة من إيران من حزب الله وجماعات أخرى إلى المليشيات المحلية. كما قدمت إيران التدريب والتمويل لميليشيا الأسد المحلية، إلا أن إيران لربما فضلت الاعتماد على المقاتلين الأجانب “الذين جعلتهم دوافعهم الدينية والإيديولوجية أكثر ولاءً،” كما لاحظت الصحفية السورية لينا سنجاب.
بالنسبة للحكومة السورية، أصبح الشبيحة مصدراً هاماً للقوى العاملة. ومع فرار أو هرب العديد من الشبان خارج البلاد لتفادي الخدمة العسكرية، تقلصت صفوف الجيش السوري النظامي من حوالي 220 ألف إلى “قوة قوامها الفعلي” نصف ذلك بحلول خريف 2012، وفقاً للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية.
وعلاوةً على ذلك، كان يُنظر إلى المقاتلين السُنّة الباقون في الجيش باعتبارهم منشقين محتملين، مما حفز النظام على الاعتماد بشكلٍ أكبر على المليشيات العلوية والشيعية.
وفي بعض الحالات، يفضل الشباب أيضاً الانضمام إلى الميليشيات عوضاً عن الإنضمام إلى الجيش السوري النظامي لأن الرواتب غالباً ما تكون أعلى، خاصة في المليشيات ذات التمويل الأجنبي. كما قد تسمح لهم المليشيات بالبقاء أقرب إلى ديارهم وكذلك منحهم حرية المغادرة إذا ما اختاروا ذلك، على عكس الجيش.
فقد قُدر قوام الميليشيات الموالية للحكومة ما بين 150 ألف إلى 200 ألف عضو في أواخر عام 2015، بما في ذلك القوات المحلية والأجنبية. وفي الآونة الأخيرة، ذكرت صحيفة الشرق الأوسط عن “مصادر مطلعة” إلى أن عدد الشبيحة يبلغ حوالي 60 ألفاً – أي تقريباً نفس أعداد القوات المسلحة الرسمية السورية.
وفي هذه الأثناء، سيطرت الميليشيات على الطرق والمؤسسات الرئيسية في أجزاء كثيرة من البلاد. فعلى سبيل المثال، وفقاً للباحث السوري مازن عزي، تسيطر ميليشيا لواء الباقر على نظام النقل العام في حلب حيث تمتلك أسطولها الخاص من الحافلات الصغيرة، ويتم تقاسم الإيرادات مع إدارة شرطة المرور التابعة للحكومة والأمن العسكري.
وإلى جانب سيطرتها واسعة النطاق، تنامت الشكاوى من المليشيات التي تبتز التجار والشركات والأعمال التجارية والمواطنين العاديين مقابل رسوم الحماية أو غيرها من أشكال الرشاوى، وإهانة أو إساءة معاملة الأشخاص عند نقاط التفتيش، وفرض أسعار باهظة على السلع الأساسية التي يتحكمون بها في السوق.
كما كان هناك اتهاماتٌ بالنهب في المناطق التي عملت فيها الميليشيات بمفردها أو مع الجيش السوري للاستيلاء على الأراضي من الجماعات المتمردة. ففي مخيم اليرموك للاجئين في دمشق، على سبيل المثال، ادعت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا أن البيوت والمتاجر في المخيم “تعرضت لحملة منظمة من النهب” من قبل الجنود وأعضاء الميليشيات المتورطين في الهجوم الأخير لاستعادة السيطرة على الجيب والإطاحة بمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش.”
وقالت المجموعة، التي نشرت أيضاً مقاطع فيديو عن عمليات النهب التي تم الإبلاغ عنها، إن السرقة اشتملت على سرقة “الأثاث والأبواب الخشبية والنوافذ وسخانات المياه وتجهيزات الصرف الصحي.”
وكانت هناك أيضاً حوادث أكثر خطورة تنطوي على عمليات قتل خارج نطاق القضاء من جانب أفراد الميليشيات، والتي اشتملت على قتل النساء والأطفال.
ففي حلب، تعرض أحمد جاويش، وهو صبي يبلغ من العمر 13 عاماً يبيع العلكة والبسكويت في الشارع للقتل في يونيو 2017 على يد سائق يُعتقد أنه عضو في إحدى الميليشيات، مما أثار غضباً في المجتمع.
وفي مايو 2018، وبحسب موقع الأخبار السوري عنب بلدي، زُعم أن أعضاء إحدى الميليشيات الموالية للنظام أحرقوا امرأتين، أثناء إحراقهم حقول الشعير، في منطقة شمال غرب حماة، بعد أن رفضتا دفع رسوم للسماح لهما بحصاد المحصول.
وفي بعض الحالات، اندلعت اشتباكاتٌ بين الجيش السوري والميليشيات التي تُظهر ولاءها للنظام، كما حدث في أبريل 2015، عندما اشتبك أفرادٌ من قوات الدفاع الوطني مع الجيش السوري في حمص وسط حملة قمعٍ ضد السلوك الإجرامي الذي تنتهجه قوات الدفاع الوطني، مما أدى إلى وقوع خسائر في الأرواح من كلا الجانبين. كما اندلعت اشتباكاتٌ في نفس المنطقة في أوائل عام 2016.
وعليه، اتخذ النظام السوري وحليفته، روسيا، بعض الإجراءات لقمع الميليشيات في الحالات التي شكلت انتهاكاً صارخاً على وجه الخصوص. فقد ألهم اغتيال جاويش في حلب، على سبيل المثال، شن حملة قمعٍ أفادت التقارير أن القوات الحكومية قامت فيها بجمع “المئات” من أفراد المليشيات واعتقال الرجل الذي يُزعم أنه مسؤول عن القتل.
وفي أعقاب عمليات النهب في مخيم اليرموك، أفادت التقارير قيام الشرطة العسكرية السورية والروسية بإلقاء القبض على كلٍ من قوات الدفاع الوطني وجنود الجيش السوري المتورطين في السرقة.
كما بذلت الحكومة بعض الجهود للقضاء على عمليات الابتزاز مقابل رسوم الحماية لمرافقة شحنات البضائع، بعد أن اشتكت مجموعات تعمل في التجارة من هذه الممارسة.
فقد تم تفكيك إحدى الميليشيات، ألا وهي صقور الصحراء، في عام 2017 بعد حادثةٍ هدد فيها أفراد المجموعة موكب الأسد وهو يقود سيارته عائداً إلى منزل عائلته، لعدم إدراكهم على ما يبدو من كان بداخلها.
توضح هذه الحالات أن الحكومة تمتلك القدرة على السيطرة على الميليشيات عندما ترغب في ذلك، لكن من الواضح أنها لا تملك الموارد أو الرغبة في التعامل مع مجمل الانتهاكات والنشاط الإجرامي المنسوب لهذه الجماعات.
وكتب المحلل المختص بالشأن السوري، آرون لوند، في حديثه لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن الحملة الأخيرة على المليشيات في حلب تظهر أن “الحكومة السورية يمكن أن تفرض نفسها على الجماعات المحلية عندما تقرر تركيز انتباهها في مكانٍ ما،” إلا أنه أضاف “دون وجود موارد كافية لضبط البلاد بشكلٍ سليم أو تسريح الأطراف التابعة للميليشيات التي تتفرع بشكلٍ عشوائي من جهازه الأمني، فمن الممكن أن يواصل الأسد لعبة المناورة لمنع الفصائل الموالية الجامحة من تقويض سلطة الدولة.”
وبمجرد انتهاء الحرب، سيصبح هذا التحدي غايةً في الصعوبة على وجه الخصوص، فكما أظهرت تجربة حلب، لن يختفي الشبيحة بمجرد انتهاء هدفهم العسكري. وبدلاً من ذلك، من المرجح أن يظلوا على قائمة مجموعات الجريمة المنظمة، ليعملوا بشكلٍ متزايدٍ على تآكل شرعية الدولة فضلاً عن إبطاء الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.