أصبح اليمن ملعب صنع السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. فقد خلفت وفاة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي كان يوماً ما حليفاً ثم عدواً للنظامين، فراغاً وقد تُغير مسار الأحداث في البلاد التي مزقتها الحرب.
فقد جعل تعاقب سقوط الدكتاتوريين العرب في عام 2011 الناس يتساءلون، لبضعة أشهر، من التالي. ولكن منذ وفاة معمر القذافي في أكتوبر 2011، توقف هذا التوجه. وفي الذكرى السنوية السابعة للربيع العربي، لقيّ الحاكم الرابع، منذ فترةٍ طويلة، ذات المصير: فقد قتل صالح أثناء فراره من العاصمة اليمنية صنعاء في 4 ديسمبر 2017.
كانت قصة صالح معقدة، فقد كان رئيساً للجمهورية اليمنية منذ عام 1990، إلا أنه شغل منصب رئيس اليمن الشمالي منذ عام 1978. تعرض حكمه لهزةٍ قوية في العام الأول للربيع العربي، حيث اتفق أخيراً على التنحي من الحكم في أكتوبر 2012. ومع ذلك، وعلى الرغم من تخليه عن السلطة رسمياً لصالح نائبه عبد ربه منصور هادي، إلا أنه واصل الإمساك بزمام الأمور خلف الكواليس. وفي عام 2015، شارك في الانقلاب الحوثي ضد هادي واستعاد جزءاً من سلطته المفقودة. وبذلك، قام بتهميش راعيته وحليفته السابقة، السعودية.
كان صالح حليفاً للسعودية خلال سنوات حكمه كرئيسٍ لليمن الشمالي، إلا أنه بات عدواً للسعودية بعد حرب الخليج؛ بل إن السعوديين حاولوا الإطاحة به عام 1994. وبعد أن استقرت الأمور، عاد صالح إلى الحضن السعودي. ومع بداية الألفية الجديدة، شنت السعودية وصالح حرباً مشتركة ضد الحوثيين، حيث ساند السعوديون حكومة صالح ومولوا جيشه. ومع اندلاع الربيع العربي، حمى السعوديون صالح، وعندما أمطرت الصواريخ قصره، كان السعوديون من أرسلوا له طائرةً لنقله إلى العاصمة السعودية، الرياض، لتلقي العلاج الطبي. كما نسق السعوديون عودته إلى صنعاء في عام 2012 واتفاق استقالته، مما سمح له بالبقاء في اليمن دون محاكمة.
ومع ذلك، كانت السلطة ذات أهمية أكبر بالنسبة لصالح من الولاء والمنطق، وعندما بدأ الحوثيون، خصومه اللدودين منذ الأزل، ببسط نفوذهم على نطاقٍ واسع، عرض عليهم خدماته. ولأكثر من عامين، وقف إلى جانب الحوثيين، مما وضعه على قائمة الاغتيال السعودية. ومع ذلك، مع المظالم البالغة من العمر عقوداً من الزمان بينه وبين الجماعة المتمردة، لم يكن مُقدراً استمرار هذا التحالف طويلاً. وفي عام 2017، بدأت التصدعات بالظهور، وبحلول شهر نوفمبر 2017، أعلن صالح رسمياً تغيير ولائه والقفز، مرةً أخرى، إلى أحضان السعوديين.
جاءت هذه الخطوة وسط اضطراباتٍ كبرى في المنطقة، ففي السنوات الأخيرة، خصصت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة قدراً كبيراً من الوقت والموارد لتهميش إيران، كما أشعل صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سياساتٍ محلية وخارجية عنيفة (مثل تورطه في الحرب في اليمن). وعليه، حذت دولة الإمارات العربية المتحدة، ربما كسباً للرضى والتماساً للمنفعة من حليفها الأقوى، السعودية، أو لربما بهدف السيطرة على زعيمها الشاب، حذوها. وتجدر الإشارة إلى أن الدولتان تتمتعان بدعم إدارة ترمب وكذلك اللوبي الإسرائيلي في واشنطن (وإسرائيل بالطبع). وبحسب المحلل السياسي يوسف الشريف، المتخصص في السياسة الخليجية، ربما فكر صالح على النحو التالي: كانت الجبهة المضادة لإيران قويةً بما فيه الكفاية لتغيير ميزان القوى، وكان الوقت قد حان للقفز من القارب قبل غرقه. أما الحوثيون، الذين شعروا بالتهديد في عقر دارهم، فقد كانوا متعنتين: يجب أن يموت صالح، وهذا ما حصل بالفعل.
تم تفسير وفاة صالح بأنها فشلٌ آخر لاستراتيجيات محمد بن سلمان السيئة، إلا أنها أيضاً شكلت فشلاً للإمارات العربية المتحدة. في الواقع، تم تعيين نجل صالح، أحمد علي صالح، الذي كان يقود الحرس الجمهوري النخبوي في اليمن، سفيراً لليمن في دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2013. وقيل إن تعيينه كان نتيجةً لاتفاقٍ تم التفاوض عليه بين هادي وصالح؛ وسيلةٌ لإعفاء الابن من قيادة وحدةٍ عسكرية هامة وإيجاد مخرجٍ مشرّفٍ له. كما أشار ذلك إلى لفتةٍ من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، التي قبلته سفيراً؛ مما عنى أن معسكر صالح بات في جيب الإمارات.
ومع ذلك، حدث تطورٌ مثيرٌ للاهتمام منذ ذلك الحين، فالسعوديون والإماراتيون يغازلون اليوم حزب الإصلاح اليمني، أي جناح الإخوان المسلمين في البلاد. وحتى الآن، تشن السعودية والإمارات حرباً ضد الإخوان في جميع أنحاء العالم العربي، بما في ذلك في اليمن. فمنذ وفاة صالح، على وجه الخصوص، كان التقارب واضحاً بين أبوظبي والرياض وقادة الإصلاح، الذين يتم استقطابهم.
وعلاوة على ذلك، أغضب موت صالح موسكو، التي كان مقرباً منها. فقد كانت روسيا من بين الدول القليلة التي لم تنقل سفارتها من صنعاء عندما تولى الحوثيون السيطرة، وكان صالح “زائراً” متكرراً للسفير الروسي. فقد كان، بطريقةٍ ما، الوسيط بين القيادة الحوثية وموسكو.
وبالتالي سيتمسك السعوديون برجلهم الحالي في اليمن، الرئيس هادي، الذي يعيش في الواقع في المنفى في المملكة العربية السعودية. وسيواصل الإمارتيون تمكين مختلف الفصائل الجنوبية في اليمن ضد الحوثيين وتنظيم القاعدة. وعليه، ظهرت بعض الخلافات العلنية بين السعوديين والإماراتيين، وذلك مع الرغبة المتزايدة لدولة الإمارات العربية المتحدة السيطرة على مضيق باب المندب، وبالتالي، البحر الأحمر، وبالتالي التعدي على مجال النفوذ التقليدي للمملكة العربية السعودية.
ولكن نظراً لنفوذ إيران (الذي لا يزال صغير نسبياً) في اليمن، فإن السعوديين والإماراتيين سيضطرون للعمل معاً على المدى المتوسط. وكما يقول بروس ريدل من مؤسسة بروكينغز، “تكلف الحرب طهران بضعة ملايين من الدولارات شهرياً، بينما تكلف الرياض 6 مليارات دولار شهرياً.” وفي نهاية المطاف، يمكن لأي خلافٍ بين الرياض وأبو ظبي أن يزيد من نفوذ إيران.