خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية في عام 2016، أوضح المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز، معارضته السابقة لحرب الخليج عام 1991 واعتراضاته الحالية على تورط الولايات المتحدة في سوريا والعراق بالقول أن الأميركيين بحاجة إلى دول أخرى للمساعدة في تحمل عبء السلام.
وقال ساندرز “تمتلك السعودية ثالث أكبر ميزانية عسكرية فى العالم بأسره.” وأضاف “سيضطرون إلى المشاركة ومحاربة تنظيم الدولة الاسلامية إلى جانب دول اخرى في المنطقة.”
وعلى ما يبدو كان ساندرز متأخر قليلاً فيما يتعلق بآخر المستجدات، ففي الواقع، تراجعت المملكة العربية السعودية من المركز الثالث إلى المركز الرابع في الإنفاق العسكري عام 2016، ويرجع ذلك إلى حدٍ كبير إلى سياسة شد الحزام بعد انخفاض أسعار النفط. ومع ذلك، فإن إنفاق المملكة البالغ 61,4 مليار دولار، لأمةٍ يبلغ عدد سكانها 31,5 مليون نسمة، يضعها على قدم المساواة مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي أنفقت 10 أضعاف هذا الرقم، إلا أنها تمتلك 10 أضعاف عدد السكان.
وقد كشف البيت الأبيض في 20 مايو 2017 عن أحدث إنفاق للسعوديين – شراء أسلحة بقيمة حوالي 110 مليار دولار من الولايات المتحدة. فقد تزامن هذا الاتفاق مع زيارة دونالد ترامب للمملكة، وهى اول زيارة يقوم بها إلى الخارج كرئيس. فالمملكة مضطرة لشراء جميع أسلحتها تقريباً، ذلك أنها تنتج 2% فقط من معداتها محلياً.
وربما السؤال الذي يتبادر إلى ذهن الكثيرين هو سبب حاجة المملكة العربية السعودية لمثل هذه الميزانية الدفاعية الضخمة. والأهم من ذلك، هل يساعد الإنفاق الكبير هذا في تجهيز السعودية للدفاع عن نفسها في منطقةٍ تحيط بها الصراعات؟ أو ليس بإمكان المملكة العربية السعودية القيام بهذا سوى بمساعدة الحلفاء؟
تهديداتٌ من الشمال ومن الجنوب
وفقاً لبعض المقاييس، تمتلك المملكة العربية السعودية واحدة من أفضل الجيوش المجهزة والحديثة في الشرق الأوسط. كما ذكرت تصنيفات عام 2014 لموقع Business Insider المملكة العربية السعودية باعتبارها ثالث أقوى جيش في المنطقة، خلف كل من إسرائيل وتركيا، على أساس القدرات والأجهزة. فيما احتلت السعودية، وفقاً للترسانة فحسب، المرتبة الثانية، وقد تتغلب قريباً على إسرائيل في تلك الفئة.
وبالرغم من مليارات الدولارات التي تنفق على الأسلحة، يقول فراس مقصد، وهو أستاذ مساعد وخبير في السياسة الخارجية للولايات المتحدة والشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن في العاصمة واشنطن “أن الجيش السعودي عمل في الغالب في ساحة العرض.” وأضاف أن الجيش السعودي لديه خبرة قتالية محدودة وانشئ في الغالب “لحماية النظام واظهار مكانته.”
فقد خاض الجيش السعودي أول قتالٍ له في عام 2015 في اليمن، الذي يشترك في حدودٍ يبلغ طولها 1800 كيلومتر مع المملكة إلى الجنوب. فاليمن متورطٌ في صراعٍ بين قوات المتمردين الحوثيين المتحالفة مع القوات الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، والقوات الموالية لخليفته الرئيس عبد ربه منصور هادي. وفي مارس 2015، قادت المملكة العربية السعودية تدخلاً متعدد الجنسيات إلى جانب الحكومة الحالية. وبعد عامين من إطلاق عاصفة الحزم، يتدهور القتال في اليمن دون إحراز تقدمٍ يذكر لكلا الطرفين.
وقال مقصد أن المملكة اضطرت إلى خوض الحرب في اليمن كوسيلةٍ لاحتواء نفوذ إيران في المنطقة المجاورة. فإيران، التي تقع على الجهة المقابلة من الخليج العربي، تدعم الحوثيين. وأضاف أن المعارك في اليمن “أثبتت أنها منحنى حاد جداً. فلا شيء يُجبر الجندي على التعلم إلا عندما يبدأ أحدهم بإطلاق النار باتجاهه.”
وتخشى السعودية من تمويل طهران ونفوذها المتزايد على الميليشيات الطائفية المختلفة في المنطقة، فضلاً عن تهديدات إيران بأن تصبح قوة نووية. بل أكثر من ذلك، لطالما كانت الحدود السعودية اليمنية مركزاً للاضطرابات بين البلدين وممراً لتهريب المخدرات والأسلحة والمهاجرين غير الشرعيين.
وعلى طول الصحراء الشمالية للمملكة العربية السعودية، تشترك المملكة أيضاً في الحدود مع منطقة نزاع كبرى أخرى، العراق. فالمسلمون السنة والشيعة في العراق، يقتتلون منذ أكثر من عقد. وفي الآونة الأخيرة، احتل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) جزءاً كبيراً من غرب العراق، مما دفع المملكة العربية السعودية في عام 2014 إلى البدء في بناء سياج على طول حدودها لإبعاد مسلحي داعش.
استراتيجية الحربين
لم تُعبّر المملكة العربية السعودية عن استراتيجيةٍ دفاعية واضحة. ولكن يبدو أنها تبنت عقيدة حربين لطالما تبعت فيها الولايات المتحدة حتى وقتٍ قريب، إذ كانت على استعدادٍ لخوض حربين تقليديتين في وقت واحد. وكجزءٍ من هذه الاستراتيجية، لطالما شعر السعوديون بالحاجة إلى الحفاظ على حليفهم التاريخي المقرب، إذ لطالما كانت الباكستان أقرب حليفٍ مسلم للمملكة.
فقد بُنيت العلاقات بين البلدين على المصالح الأمنية المشتركة التي يعود تاريخها إلى السبعينيات، عندما وظفت طفرة النفط السعودية عدداً كبيراً من الباكستانيين. ويرى السعوديون أن باكستان – الدولة النووية المسلمة الوحيدة – باعتبارها عامل توازن فعّال في وجه النفوذ الإيراني المتنامي.
وقد غذت المملكة العربية السعودية في بعض الأحيان هذا التحالف الوثيق خشية خطر التحالف مع حليف وثيقٍ آخر، الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، ورد أن الرياض ساعدت في تمويل برنامج باكستان للأسلحة النووية، وعرضت على إسلام أباد مبلغ 2 مليار دولار من النفط الخام المجاني بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات نووية على باكستان في عام 1998. ويُعتقد على نطاق واسع أنه في حال سعت المملكة العربية السعودية لتطوريها برنامجها الخاص للأسلحة النووية، ستساعد باكستان، المُمتنة ليد الخير السعودية، على تحقيق ذلك.
ومع ذلك، هذا أيضاً حال تشابك التحالفات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، فعندما شرعت السعودية بتدخلها العسكري في اليمن، تبنى البرلمان الباكستاني قراراً بعدم الانضمام إلى التحالف الذي تقوده السعودية. وفي مارس 2017، قال مصدر أمني باكستاني كبير لموقع Middle East Eye أن الجيش الباكستاني سوف يرسل لواءً من القوات القتالية إلى الحدود الجنوبية السعودية للمساعدة في حماية المملكة من الهجمات الانتقامية التي يرتكبها الحوثيون. وحتى اليوم، ليس من الواضح ما إذا كانت باكستان قد أرسلت القوات أم لا.